ركوب الأمواج
ليس العنف ضد المرأة بسلوك بسيط سهل الكشف، للعنف صور عدة متداخلة خفية، أنماط تأكل الروح والجسد بعيداً عن رقابة وانتباه الأهل والمجتمع المحلي والعالمي. العنف لا ينحصر في الإيذاء الجسدي الواضح فقط، العنف ليس فقط رجلاً يضرب امرأة، أباً متسلطاً عنيفاً، زوجاً غيوراً مريضاً، جندياً مقهوراً معذباً يعود محملاً بالخسائر ينفضها على جسد امرأته، مقهوراً مغترباً أو قابعاً تحت احتلال يقاومه بالنهار ويفرغ عذاباته منه بالليل تسلطاً على نساء بيته وضرباً لهن، حيث أشد صور العنف الجسدي تتجلى تحت أكثر الظروف السياسية والعسكرية قمعاً. العنف يمكن أن يكون، وبصور أقسى وأشد، فكرة تدور في المجتمع، قانوناً يسن على أساسها، أعرافاً توضع بصرامة لا مناص من الرضوخ لها. العنف قد يكون سخرية سائدة في الإعلام وتنميطاً قهرياً ونكاتاً تسرد على حساب المقهورات الصامتات. العنف أوجهه كثيرة، أبشعها ما خفي وكان أعظم.
ليس هناك تجلّ للعنف ضد المرأة أوضح من صيغته المعاصرة الحالية والمتمثلة في تصريحات وتسريبات وتوجهات رئيس أقوى دولة في العالم، ليس هناك من رجل أكثر فجاجة وعنفاً لغوياً وقهراً إدارياً وتحقيراً جندرياً أكثر من هذا الجالس في البيت الأبيض ضارباً بعرض الحائط كل لياقة سياسية وكل توجه إنساني. وحين تكون أقوى إدارة في العالم ذكورية عنصرية، سيكون بقية العالم كذلك إلى حد بعيد، وحين يذكر ترامب الأجزاء الخاصة من جسد المرأة تحقيراً وإهانة وإشارة لرغبة فاحشة، وصوتاً مسموعاً مسرباً للعالم ثم يبقى على رأس عمله دون تداعيات تذكر، وتلك واحدة من فضائح وسلوكيات عدة، فهذا يعني أن المصيبة الإنسانية كبيرة وشاملة، وأن الخطوات التراجعية متسعة، ستعود بكل نساء العالم سريعاً لعصر الاستعباد، وربما الوأد كذلك.
وعلى حين أننا بكل قلوبنا نعيش تفاصيل الجريمة الفاحشة التي يعانيها أهل غزة على أيادي الاحتلال القذر، وبأن أفظع صور العنف ضد النساء والرجال تمارس في سجون الاحتلال القذر تعذيباً وترويعاً واغتصاباً، فإننا لا يجب أن نداري وجوهنا عن جريمة أخرى خفية، مقصودة أو غير مقصودة، تتجلى في الداخل المعذب، في الغالب على أيادي رجال معذبين مقهورين، يحيلهم الاحتلال بكل فحشه وقسوته إلى العنف تنفيساً، والقسوة تعاملاً مع كل محيطهم، وبالأخص النسائي منه. خفية وعلى استحياء، تسربت بعض قصص العنف الممارس ضد الغزاويات على أيادي رجالهن، عن ذلك الترويع النفسي والتعنيف الجسدي، ذلك أن العذاب يولد عذاباً، والعنف يفرخ عنفاً، وهي دائرة نارية مغلقة لا تحرق مثلما تحرق النساء، هؤلاء اللواتي يحاولن إطفاء نارها بأياديهن ثم يمعن في إخفاء حروق الأيادي والقلوب ستراً للرجال واحتراماً للظروف. تحت نيران الاحتلال، تعاني النساء العنف مضاعفاً، والعذاب مضاعفاً، والأذى النفسي والجسدي أضعافاً أضعافاً، حيث لا يجب بسبب العذابات المرئية الواضحة أن ندير بصيرتنا عن غير المرئي والخفي منها.
وهل من كلمات تعبر عن فظاعة العنف الممارس ضد المرأة السودانية في الفاشر، وكل أنحاء دارفور، وعن بشاعة الصمت المريب والحقير من العالم؟ النساء هناك تغتصب دورياً وبأبشع الصور وفي تسجيلات مصورة يتباهى بها الوحوش المغتصِبة بفعلتهم الدنيئة، ليكمل الوحوش فعلتهم بقسر الأمهات على طبخ الطعام إبان اغتصابهم لصغيراتهن. وماذا عن العالم؟ نحن مستمرون في حياتنا، لم تتوقف الدنيا، ولم يتغير مسار الزمن، ولم تشرق الشمس من غرب الأرض، وإن كانت كل هذه التغييرات الكونية الكارثية مستحقة. نساء السودان هن تحديداً «علامة كبرى» على انتهاء زمن الحقوق وعلى خسارة النساء كل المكتسبات القليلة والبطيئة والتي بالكاد تحميهن وتضمن شيئاً من سلامتهن، والتي ضحوا كثيراً للحصول عليها عبر التاريخ.
وفي الكويت نتعامل هذه الأيام مع ما يوصف بأنه نوع من أنواع العنف التشريعي، حيث تتجه الحكومة لتعديل قانون الأحوال الشخصية من خلال إضافة أو تعديل عدة فقرات استشكالية لغوياً، وإن كان الفحوى فعلياً هو ذاته لقانون الأحوال القديم، لم يتغير إلا قليله. أبرز ما صنع لغطاً بين هذه التغييرات اللغوية هو صياغة مادة تسمح للرجل بفسخ عقد الزواج، أي بلا تحمل أي مسؤوليات مادية، إذا ما تقاعست الزوجة عن خدمته أو إذا ما خرجت من منزل الزوجية دون علمه. أثارت هذه الفقرات استياء وسخرية كبيرين بين الكويتيين، إلا أن واقع الحال أن المشكلة تذهب إلى أعمق من مادة تذكر بواجبات الزوجة في الطاعة والخدمة. المشكلة تذهب لأصل هذا التشريع والسند الذي يستند إليه.
في حديثي مع بعض الشابات في هذا الموضوع، أخبرتهن، بما أثار دهشتهن واستياءهن، أن القانون في صيغته الحالية، والموجود في العديد من قوانين الأحوال العربية الإسلامية عادل، وأنه متوازن ضمن المنظومة الزوجية الشرعية التي قبلن هن بها. قلت لهن إن العامل الاقتصادي يحدد كل شيء، يزن العلاقة ويصوغ أطرها، وبما أنهن قبلن من الأصل أن تكون للرجل كل المسؤولية المادية، وبما أنهن رضين بأن يكن معولات موصى عليهن مادياً، فعليهن بدفع المقابل، عليهن بقبول مفهومي الطاعة والخدمة، بل وكذلك الرضوخ الجسدي الكامل كما هو مصوغ في كثير من التفسيرات الشرعية. لم ينطلق المشرع الحكومي الكويتي من فراغ، فهناك منظومة مالية ووصائية قائمة بُنيت عليها هذه المواد المضافة، منظومة تبدأ من القبول بمبلغ المهر وتنتهي بالمطالبة بالنفقة والمؤخر، هذه المنظومة تحدد الأدوار وتفرض الطاعة والخدمة، ففيم الغضب؟
لا يمكن بالتأكيد تجاهل الفروقات الاجتماعيات وفرص التمكين وفروق الرواتب والمميزات في كل دول العالم والعوائق الاجتماعية والعملية التي تقلل من فرص المرأة في تكوين مدخول، ومن ثم تقلل من تمكنها من حمل المسؤولية المادية مناصفة، تلك كلها استشكاليات تحتاج إلى حلول، إلا أن أحد أهم الحلول يبدأ من النساء، من المطالبة بالعدالة ولو على حساب الراحة، من عدم القبول بالنصف الأول من الوصاية والذي يتضمن الراحة المادية، ليتسنى لنا رفض النصف الثاني منها والذي يتضمن الخدمة والطاعة. هكذا هو قانون الحياة، لا يمكنك أن تحصل على الكعكة وتأكلها كذلك.
اليوم يبدو أننا نطفو على سطح موجة حادة عارمة هابطة للأسفل، ينحدر العالم كله على مياهها باتجاه الديكتاتورية والقمع والعنف وخسارة الكثير من الحقوق المكتسبة والإنسانيات المتفق عليها. علينا أن «نركب الموجة»، نسايرها حيناً ونتحداها أحياناً، إلى أن تضرب هذه الموجة الأعماق لنعود فنطفو معها على سطح الحياة من جديد. ما علينا فعله حالياً هو أن نبقي رؤوسنا فوق سطح الماء، نتنفس قدر المستطاع وننتظر صعود الموجة من جديد.
الشرع وتلفيق الـ«نيو ـ جهادية»: المنبر إسرائيلي والحجاب مصري
سمات الحالة الجوية المرتقبة مساء السبت
حماس: مقتل أبو شباب رسالة لكل من خان شعبه
بلدية إربد تحدد ساعات البيع بسوق الخضار المركزي .. تفاصيل
ترامب يشدد التأشيرات ويمنح الأولوية للاستثمار والرياضة
فوز الفيصلي على الرمثا ببطولة الدرع
الأونروا: التضامن مع لاجئي فلسطين بالأفعال لا بالشعارات
مبيعات قياسية وزوار كثيفون في مهرجان الزيتون الوطني بالأردن
الشعلة الأولمبية تصل روما استعدادًا لدورة ميلانو وكورتينا
هجوم مسيّرات يقلص إنتاج نفط قازاخستان 6%
رئيس لجنة أمانة عمّان يلتقي مع الأمين العام لجامعة الدول العربية
تخصيص 10% من أراضي مدينة عمرة للقوات المسلحة الأردنية
بيت جن… مشهد جديد يكشف طبيعة الكيان المجرم
وزارة الخارجية تعلن عن وظائف شاغرة
مدرسة الروابي للبنات هل خدش الحياء أم لمس الجرح
مجلس الوزراء يوافق على تسوية غرامات المبتعثين وفق شروط
الحكومة تعتمد نظاما جديدا للمحكمة الدستورية 2025
الحكومة تقر نظام وحدة حماية البيانات الشخصية لعام 2025
نجل رئيس سامسونغ يتخلى عن الجنسية الأميركية للخدمة العسكرية
ماهي شبكة الذكاء الاصطناعي اللامركزية الجديدة Cocoon
فنان مصري ينفجر غضباً ويهدد بالاعتزال
مجلس الوزراء يوافق على تعديل رسوم هيئة الأوراق المالية 2025
لأول مرة منذ 14 عاما .. "آيفون 17" يعيد آبل إلى الصدارة العالمية
وظائف حكومية شاغرة ودعوة آخرين للمقابلات الشخصية .. أسماء
