عبد العزيز غرمول: تصويب الواقع بالقصص
رجل في مترو الجزائر يلمح فتاة تُطالع كتابا بين زحمة المسافرين «ولأول مرة أحست أن أحدهم يسترق النظر إليها». فقد انقضى عامٌ وهي تتردد على المحطة نفسها من غير أن يبالي بها أحد. ولا أحد منهم كذلك انتبه إلى أنها تحمل كتابا بين يديها لا موبايل مثلما يفعل الآخرون. لأن زحمة المكان جعلت منها كائنا غير مرئي. وعندما يصل القطار سوف تنصرف إلى الداخل، مثلما يفعل الرجل الذي استرق النظر إليها. كل واحد منهما يفكر في الآخر من غير أن يبادرا بخطوة إلى الأمام. فهي لم تتجرأ على إطالة النظر إليه، وهو بدوره لم يجد عذرا من أجل أن يدنو منها.
يبدو أنها مقدمة من قصص الحب المعروفة، التي تبدأ من نظرة ثم تنتهي إلى ملل. لكن في اليوم التالي سوف تتكرر الملاقاة بين الطرفين، ويدرك الرجل أن الفتاة تطالع «الليالي البيضاء» لدوستويفسكي، وعجز مرة أخرى عن الاقتراب منها، فخجله تغلب عليه، وهكذا استمر الحال بضعة أيام، ما أوحى له بأن يطلق على المحطة التي يلتقي فيها بالفتاة ﺒ«محطة دوستويفسكي الصغيرة»، وهو عنوان القصة الافتتاحية من مجموعة بالعنوان نفسه (منشورات القرن الواحد والعشرين، الجزائر 2025)، فقد تحول الخجل إلى شخصية إضافية بين الرجل والفتاة، وفي الأخير يُبادر إلى أن يحجز لها مقعدا جنبه، عندما يصل القطار إلى المحطة. كما لو أنها رغبة منه في التحايل على الواقع، في الانفلات من خجله ومن سطوة الزمن الراهن، كما لو أن المؤلف يرنو إلى تصويب الواقع بابتكار خواتم مغايرة لشخصياته، وذلك ما يتواتر في القصص الأخرى من المجموعة نفسها، فهي قصص تقتبس متنها من الواقع، لكنها تتجاوزه، ليس من أجل الانفصال عنه، بل من أجل تطويعه بما يخدم مصائر الشخصيات.
يحاول المؤلف تليين الواقع بما يسمح للشخصيات بتفادي مشقة العيش، بما يتيح لها تجميل الواقع والتفوق عليه. ففي هذه المجموعة هناك ميل نحو تصويب زلات الحياة اليومية في الجزائر، من أجل ألا تدخل الشخصيات في تشاؤم مبالغ فيه، كي تمتلك صبرا على تحمل المآسي الصغيرة، التي تخيم عليها كل يوم. فالمؤلف يبدو معنيا بجمالية اللحظة التي يكتب عنها، في صقل الجملة وفي نثر الحوارات بما يخدم القصص، فتصير الحوارات وكذا المونولوغ من العوامل التي تساعد في تطور القصة، لا أن تكون سببا في بطء الحركة. وهكذا تتطور الأحداث في «محطة دويستويفسكي الصغيرة»، ومن قصة لأخرى، من غير تكلف، بما يجعل أمنيات الشخصيات ممكنة على حساب الواقع الذي يعيشون فيه، بالتحايل عليه ومن خلال وتشييد عالم موازٍ تتقاطع فيه الأسطورة بالحقيقة.
رومانسية مؤجلة
هناك إيقاع يربط بين قصص المجموعة، يتراوح بين الرومانسية والخيبة، مع سخرية مضمرة في بعض الأحيان. لأن الشخصيات تبدو في مجملها تفتقد إلى حياة متوازنة في علاقتها بالحب، وكأنها لم تشف من ماضيها، أو من حنينها إلى زمن خاضت فيه تجارب عاشقة. وذلك ما يظهر في قصة «شمس يابانية»، عندما يحدق الراوي في امرأة تجتمع فيها كل صفات النساء اللواتي يحبهن. «كلها على بعضها، قلت في نفسي، حلم يمشي على قدمين»، مثلما كاتب غرمول. ففي قصة «الحكاية تعود دائما إلى أولها»، يلتقي الراوي مع الفتاة التي أحبها، في زمن مضى، لكنها فضلت أستاذ الجامعة عنه، «وهو الطالب الجامعي المتخرج حديثا وغير مضمون المستقبل». فضلت حياة آمنة بدل حياة مغامرة، إلى أن صارت كاتبة شهيرة وتجدد اللقاء بينهما. في هذه القصة يبدو أن الماضي هو الخيط الذي ينتظم عليه الحاضر، فالشخصيتان مسكونتان بما سبق، يفران إلى ماضيهما خشية مواجهة واقعهما، فهي لم ترض تمام الرضا عن زواجها برجل يكبرها بربع قرن، وهو لم يرض مفارقتها، لكنه رضي بخيار الفتاة التي أحبها. إن الواقع الذي يكتب عنه المؤلف يبدو واقعا مألوفا للقارئ، فغرمول لا يغيب عنه تدوين التفاصيل الثانوية، التي من المحتمل ألا تهم قارئا مستعجلا، لكنها ضرورية من أجل الإحاطة بالأزمنة والأمكنة التي يكتب عنها. مثلا في قصة «على حافة العمر»، يسرد الراوي وصفا لحي ساحة الشهداء، وهو حي شعبي «لم أجد فيه ما جئت من أجله، أكل الزمن والإهمال تفاصيله الجميلة، وأصبت بخيبة عميقة»، وكأن الراوي يتحدث بلسان القارئ، لأن الشعور نفسه قد يقاسمه آخرون، يرون في حاضر الجزائر لونا داكنا بعدما كان ماضيها ناصعا، وهنا مرة أخرى يتجاوز المؤلف واقعه بالتداوي بالماضي، يود تصحيح ما وقع من أخطاء في الزمن الحاضر من خلال قصص تجمل الواقع وتفر منه في آن. وفي قصة «أحلام خمس نجوم» يبدو أن البحر هو الثابت من تفاصيل الجزائر العاصمة، يحدق إليه الراوي من أجل ألا ينزلق في تفاصيل الحياة اليومية، في فوضاها وضجيجها.
ففي هذه المجموعة القصصية يحاول عبد العزيز غرمول أن يلعب دور المرشد، أن يمسك القارئ من يده ويجعله يصوغ وجوده بنفسه، ألا يسمح له بالانخراط في سوداوية، بل يدفع به إلى ابتكار القصص والتوسيع من نطاق التخييل بما يهيئ له حيزا في الهروب من الحياة المعيشة على تناقضاتها. فالشخصيات تبدو في غالبيتها مأزومة، لكنها تتمتع بقدر من الحيل من أجل الإفلات من يومياتها. فالكاتب يغوص في سيكولوجيا العاشقين، في مسراتها وخيباتها، وينطلق من تدوين مشهد واحد قبل أن تتفرع منه متوالية مشاهد، لم يرتد ثوب الناقم أو يكتب من أجل التنديد، بل إنه يبصر ممرات من أجل النظر إلى الجزائر من زاوية أكثر تفاؤلا. ورغم ما يمكن ملاحظته من تشابه في شخصيات هذه المجموعة، وفي تطابق أزماتها الداخلية، في سلوكياتها كذلك، فإنها تختار طرقا غير نمطية في التحرر مما تقاسيه. فمن لم يجد في الحب ملجأ له فإنه يجد في العودة إلى الماضي ملجأ له، وهناك من يتبكر واقعا موازيا من أجل ألا يظل حبيسا في نمط عيش مكرر. فالتخييل يجعل من مسالك الشخصيات متناغمة مع رغباتها وأحلامها.
كاتب جزائري
فيلم باربي الذي هز الأوساط الأردنية
عبد العزيز غرمول: تصويب الواقع بالقصص
شحن العقول الغارقة إلى غياهب اللاعودة
لبنان وإسرائيل والمقارنة المحرّمة
يُمكّنك 8HOURS Mining من ربح 3,779 دولارًا أمريكيًا يوميًا بسهولة
تابعه ولي العهد .. ما هو السد المنيع
روسيا تفرض غرامات خيالية على جوجل .. ما السبب
مسدسات صوت وإطلاق العيارات النارية بنتائج التوجيهي .. الإفتاء توضح
الإعلام المحلي والاهتمام الحكومي
تخصيص 10% من أراضي مدينة عمرة للقوات المسلحة الأردنية
وزارة الخارجية تعلن عن وظائف شاغرة
وزارة البيئة تعلن عن حاجتها لتعيين موظفين .. التفاصيل
مجلس الوزراء يوافق على تسوية غرامات المبتعثين وفق شروط
الحكومة تعتمد نظاما جديدا للمحكمة الدستورية 2025
مجلس الوزراء يوافق على تعديل رسوم هيئة الأوراق المالية 2025
وظائف حكومية شاغرة ودعوة آخرين للمقابلات الشخصية .. أسماء
لأول مرة منذ 14 عاما .. "آيفون 17" يعيد آبل إلى الصدارة العالمية
ماهي شبكة الذكاء الاصطناعي اللامركزية الجديدة Cocoon
الحكومة تقر نظام وحدة حماية البيانات الشخصية لعام 2025
مدرسة الروابي للبنات هل خدش الحياء أم لمس الجرح
فنان مصري ينفجر غضباً ويهدد بالاعتزال


