قراءة في محاضرة د. علي محافظة حول الجامعات
في محاضرته الأخيرة التي ألقاها في جماعة عمان لحوارات المستقبل، فتح المؤرخ والمفكر الكبير الأستاذ الدكتور علي محافظة جرحًا عميقًا ظن كثيرون أنه التأم: جرح الجامعات الأردنية الرسمية، وجرح استقلاليتها المفقودة. تحدث الرجل بصفته شاهداً لا يكل، ورئيساً سابقاً لجامعتين كبيرتين (اليرموك ومؤتة)، وأكاديميًا عاش عصر القوة والهيبة للجامعات الأردنية، ثم رأى بعينيه كيف جرى تفريغها من مضمونها.
طرح د. محافظة حقيقة صادمة: لا جامعات قوية بلا استقلال مالي وإداري. فالاستقلالية ليست ترفاً تنظيريًا، بل هي شرط وجود، وهي التي تحدد جودة المخرجات وكفاءة الأساتذة والطلبة، ومن ثم انعكاس كل ذلك على المجتمع. العلاقة طردية تماماً: كلما زادت استقلالية الجامعات ارتفعت جودة التعليم والبحث، وكلما تراجعت الاستقلالية غرقنا في التراجع والانحدار. لكن المفارقة المؤلمة أننا انتقلنا من جامعات تقود المجتمع إلى جامعات تنعكس فيها كل علل المجتمع. بدل أن تكون "بنوك التفكير" و"خزائن العقول"، صارت مرآةً مشوشة لواقع مأزوم.
أعاد د. محافظة التذكير بما يعرفه كثيرون ويتجاهله المسؤولون: أن بعض الوزراء – ممن لم يُقبلوا في هيئات التدريس – نصبوا العداء للجامعات، واشتغلوا على إضعافها بدل دعمها. والنتيجة أن الجامعات فقدت مواردها المستقلة من الرسوم الجمركية والإضافية، وغدت تحت رحمة وزارة التعليم العالي ومجلسها، بلا حول ولا قوة. بل وصل الأمر إلى أن تتحول بعض الجامعات إلى مدارس ثانوية كبرى، يُعيَّن رؤساؤها وعمَداؤها بقرارات فوقية، لا بالكفاءة ولا بالجدارة. هل يُعقل أن تتحول الجامعات، التي كانت يومًا تضاهي الجامعات الغربية في المستوى، إلى مؤسسات تفتقر لأبسط مقومات الاستقلال؟ وهل يُعقل أن تقودها مجالس محدودة الصلاحيات، أو وزراء لا يرون في التعليم العالي إلا بندًا ثانويًا على جدول أعمالهم؟
ما أوجع ما قاله د. محافظة: لقد كانت الجامعات الأردنية قائدة للمجتمع، تصنع فكره وتخرّج نخبته وتبني وعيه. اليوم، وبسبب تراجع استقلاليتها، لم تعد تقود أحدًا، بل صارت تنقاد لمزاج المجتمع وعلله، بل وأحيانًا تعكس أسوأ ما فيه. إن فقدان الاستقلالية المالية – الناتج عن امتناع بعض المؤسسات الحكومية عن دفع رسوم مبتعثيها – جعل الجامعات ترزح تحت أعباء مالية خانقة، حتى توقفت عن دعم البحث العلمي أو ابتعاث المتفوقين. أما فقدان الاستقلالية الإدارية، فقد جعلها رهينة بيد وزراء متعاقبين، يتدخلون في كل شيء: من تعيين الرئيس إلى أصغر رئيس قسم.
ولعلّ السخرية السوداء أن الدولة الأردنية، التي تتحدث ليل نهار عن "الاقتصاد المعرفي" و"التحديث الشامل"، هي نفسها التي تخنق جامعاتها وتمنع عنها الهواء. كيف نبني اقتصادًا معرفيًا بجامعات محاصرة ماليًا، مُكبلة إداريًا، عاجزة عن رعاية البحث العلمي أو جذب الكفاءات؟ إن الجامعات ليست مدارس لتوزيع الشهادات، بل هي مصانع للوعي، وبنوك تفكير تقود المجتمع. فإذا أُضعفت، فمن يقود المجتمع إذن؟
إن ما قاله د. علي محافظة ليس مجرد محاضرة أكاديمية، بل تحذير وجرس إنذار. استمرار النهج الحالي يعني مزيدًا من التراجع، ومزيدًا من تهميش البحث العلمي، ومزيدًا من فقدان الثقة في الجامعات، وهو ما ستكون له آثار مدمرة على المجتمع والدولة معًا. إذا استمرت الجامعات تابعة بلا استقلال، فسيتخرج طلاب أقل كفاءة، وسيهاجر أساتذة أكثر كفاءة، وسينهار دور الجامعات كمحرك أساسي للتنمية. وحينها لن نجد أنفسنا أمام جامعات تقود المجتمع، بل أمام مؤسسات تابعة، تُوزع الشهادات كما تُوزع الطوابع.
ما نحتاجه اليوم ليس لجانًا جديدة ولا تصريحات مطمئنة، بل قرار شجاع يعيد للجامعات استقلالها المالي والإداري. نحتاج إلى مجالس أمناء قوية وفاعلة، إلى تمويل مستدام، إلى حماية الجامعات من التدخلات السياسية والشخصية. والأهم من ذلك كله: نحتاج إلى أن نأخذ البحث العلمي على محمل الجد، وأن نعيد للجامعة مكانتها كمنارة فكر ومؤسسة وطنية قائدة.
ختامًا، إذا كانت الدولة تفكر بإلغاء وزارة التعليم العالي، فلتكن هذه الخطوة بداية لإعادة الحياة إلى الجامعات، لا مقبرة جديدة لاستقلالها. ولتكن وصية د. علي محافظة واضحة أمام أعيننا: إصلاح أوضاع الجامعات ضرورة وطنية، لا خيارًا سياسيًا مؤجلًا.
موسم الرمان في لواء الكورة يعزز التنمية الاقتصادية الريفية
الأردن يستضيف منتدى السياحة الإفريقي والفرانكفوني 2026
سعر الذهب في السوق المحلية السبت
باريس سان جيرمان يتعثر أمام ستراسبورج في لقاء مثير
قاضية أميركية تمنع تثبيت برامج تجسس إسرائيلية
بيلا حديد تكشف عن وزن أجنحتها في عرض فيكتوريا
بنترست تستجيب لغضب المستخدمين وتطلق ميزة جديدة
الأونروا: استئناف التعليم لـ300 ألف طالب في غزة
إدارة ترامب ستجمد 11 مليار دولار مخصصة لمشروعات بنى تحتية
شام الذهبي تصنع كريمًا من التراث الفلسطيني
بالونات غامضة تثير قلق الأميركيين من التجسس
الاحتلال يعلن تسليم الصليب الأحمر جثة محتجز لدى حماس
الترخيص المتنقل المسائي للمركبات بلواء بني كنانة الاحد
تفسير حلم الامتحان للعزباء في المنام
عائلة الدميسي تستنكر تداول فيديو الجريمة المؤسفة
وظائف شاغرة ومدعوون للمقابلات الشخصية .. أسماء
قرار حكومي مهم بشأن الحجز على أموال المدين
دلالة رؤية ورق العنب للعزباء في المنام
النقل البري تتعامل مع 17 ألف راكب يومياً في معان
41 دار نشر أردنية تشارك في معرض النيابة العامة الدولي للكتاب في ليبيا
وزارة الأوقاف تغلق مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث
من هو رئيس مجلس النواب المقبل .. أسماء
مأساة قناة الملك عبدالله: صرخة تتكرر بحثاً عن حل جذري
إغلاق طريق كتم وتحويل السير إلى الطريق الرئيسي (إربد – عمّان)