قراءة في كتاب ملك وشعب (17)

mainThumb

31-08-2025 11:45 PM

يعد كتاب "ملك وشعب" الذي أصدره الديوان الملكي الهاشمي العامر منجزا وطنيا هاما يوثّق المبادرات الملكية السامية الزاخرة بالخير والعطاء والإنسانية ضمن رحلة خيّرة لا ينضب عطاؤها بين ملك إنسان وأبناء شعبه. إن هذا الملف الإنساني والتنموي الذي يوليه جلالة سيدنا كل إهتمام حيث أسند أمر متابعته وتنفيذه إلى لجنة برئاسة معالي الأستاذ يوسف حسن العيسوي رئيس الديوان الملكي الهاشمي ضمن فريق عمل مخلص وجاد ليعكس صورة إرتباط ملك رحيم تجلّت صفات الإنسانية بأجل صورها مع أبناء شعبه الأردني بروح تنم عن إنتماء ومحبة قائد لوطنه ولشعبه، وولاء ومبايعة شعب لقائده بصدق وإخلاص.

لقد تضمن كتاب ملك وشعب "الأوراق النقاشية لجلالة الملك" التي أطلقها جلالة سيدنا في 29/12/2012 التي جاءت لتكون محفّزا للحوار الوطني حول القضايا الكبرى التي تهم المجتمع الأردني مبينّا أن إرساء رؤية واضحة للاصلاح الشامل ومستقبل الديمقراطية في الأردن هو من الأولويات التي نحرص على تنفيذها بهدف بناء التوافق وتعزيز مشاركة الشعب قي صنع القرار، وكذلك تحفيز حوار وطني حول مسيرة الاصلاح وعملية التحّول الديمقراطي التي يمر بها الأردن بهدف بناء التوافق وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وإدامة الزخم البنّاء حول عملية الاصلاح. هذه الأوراق التي تضمنت رؤية جلالة سيدنا لمسيرة الإصلاح الشامل في الأردن في مختلف المجالات.

وسأتناول هنا في المقال السابع عشر ضمن سلسلة مقالات قراءة في كتاب ملك وشعب الورقة النقاشية الأولى التي أطلقها جلالة سيدنا في التاسع والعشرين من كانون الأول عام 2012 التي حملت عنوان " مسيرتنا نحو بناء الديموقراطية المتجددة" إلى تحفيز الحوارالوطني الذي يشكّل عنصر قوة تضع مصالح الوطن العليا فوق كل إعتبار ضمن الالتزام بالثوابت الوطنية، كما يعد ذلك رافعة تدفع بعجلة النهضة في بلدنا وفي هذا المجال يقول جلالة سيدنا "إن مسوؤليتي في هذا الظرف تتمحور في تشجيع الحوار بيننا كشعب يسير على طريق التحّول الديموقراطي، وتأتي ورقة النقاش هذه كخطوة على هذا الطريق، حيث أسعى من خلال ما أشارككم به اليوم إلى تحفيز المواطنين للدخول في حوار بنّاء حول القضايا الكبرى التي تواجهنا".

لقد تزامن إعلان الورقة النقاشية الأولى مع بدء الحملات الإنتخابية للقوائم الوطنية والدوائر المحلية في سباق إنتخابي نحو مجلس النواب في حينه بتاريخ 23/1/2013 (المجلس النيابي السابع عشر)، حيث أشار جلالة سيدنا أن لكل مواطن وصاحب صوت دورا أساسيا في بث الحياة في مسيرتنا الديمقراطية، وأن التنافس هو هدف أسمى وشرف لتحمّل المسوؤلية في إتخاذ القرارات التي تمس مستقبل الأردن وجميع الأردنيين.

وتأتي الورقة النفاشية الأولى كخطوة تتمحّور في تشجيع الحوار بين شعبنا الأردني الذي يسير على طريق التحّول الديمقراطي، وتحفيز المواطنين للدخول في حوار بنّاء حول القضايا الكبرى التي تواجه بلدنا. وأكد جلالة سيدنا على مجموعة من الممارسات التي هي بحاجة إلى التطوير على إمتداد رحلة بلدنا نحو الديمقراطية ضمن النظام الملكي الدستوري.

وتناولت الورقة محطة الإنتخابات النيابية التي تعتبر احدى المحطات الأساسية على خارطة الاصلاح السياسي ، حيث أكد جلالة سيدنا على أهمية محافظة المرشحين للإنتخابات على ثقة منتخبيهم وإحترامهم لأمانة الأصوات، مع ضرورة أن يكون المواطن واعيا بمحاورة المرشحّين ومعرفة توجهانهم إزاء القضايا المهمة التي نعيشها وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي والقضايا الوطنية ذات الأولوية والرؤية المستقبلية لوطننا الغالي، وأن يبادر الناخبون للتصويت على أساس مواقف المرشحّين وبرامجهم ضمن الأولويات الأساسية التي تهم الوطن والمواطن، وليس على أساس العلاقات الشخصية أو المصالح أو صلات القربى.

وبيّن جلالة سيدنا ضرورة أن تكون رؤية المواطنين للعملية السياسية سواء أكانوا حزبا سياسيا أو فئة إجتماعية محددة تقوم على إعتبارها فرصة للتنافس العادل والشريف للوصول إلى أفضل الأفكار والحلول. كما أن الديمقراطية لا تكتمل إلا بالمبادرة البنّاءة وقبول التنوع والإختلاف في الرأي، والوصول إلى مقاربة متوازنة تجمع بين الحوار المنفتح والمنافسة الشريفة وإتخاذ القرار عن وعي ودراية، وهي لبنة أساسية في بناء النظام الديمقراطي الذي نريده نهجا يقودنا إلى المستقبل المشرق الذي يستحقه جميع الأردنيين.

وأشارت الورقة النقاشية الأولى إلى مبادىء وممارسات ومنها إحترام الرأي الآخر، حيث أننا كأردنيين وأردنيات إخوة وأخوات متساوون في الحقوق والواجبات وفي مركب واحد، وأن وحدتنا وإخلاصنا لهذا البلد يسمو فوق كل إختلاف، ومن الضروري أن نعمل معا على توسيع دائرة الإحترام والثقة المتبادلة بيننا، وأن نبني عروة وثقى تجمع الأردنيين على أساس إحترام الإنسان وكرامته، ويرتبط التواصل والتعبير عن الآراء في المجتمع الديمقراطي بإلتزام مبدأ الإحترام مع حق الإختلاف في الرأي، وأن تنوّع الآراء والمعتقدات والثقافات في بلدنا هو عنصر قوة وبناء. وهنا، فإن المواطنة لاتكتمل إلا بممارسة واجب المساءلة والإنخراط في بحث القضايا والقرارات المهمة ذات الأولوية في مجتمعنا وسبل إيجاد حلول لها، إضافة إلى تنمّية الإحساس الوطني بالإنجاز المستمد من التغلب على التحديات، والتسلح بروابطنا وتضحياتنا المشتركة، والإيمان بأن طريقنا نحو الإزدهار والأمان ينطلق من ديمقراطيتنا التي تتعزّز يوما بعد يوم، والإلتزام بالديمقراطية نهج حياة وتجذير أسس التعامل الحضاري بين المواطنين، وثقافة العمل التطوعي، بما يقود إلى مستويات متقدمة من الثقة والعطاء في المجتمع.
كما أن الحوار والتوافق واجب وطني يجب البناء عليه فقد نختلف لكننا لا نفترق، وأن الإختلاف لا يؤشر على وجود خلل، وليس شكلا لإنعدام الولاء، بل إن الإختلاف المستند إلى الإحترام هو دافع للحوار، والحوار بين أصحاب الآراء المختلفة هو جوهر الديمقراطية، والديمقراطية هي الأداة التي تجعل من الحلول التوافقية أمرا يمكننا من المضي إلى الأمام. وأن المبادرة للتنازل وصولا إلى حلول توافقية هي فضيلة ترفع من شأن من يتحلى بها، وليست علامة ضعف، فأكثر أفراد المجتمع فضلا هم الذين يبادرون للتضحية في سبيل الصالخ العام، وهؤلاء الذين يؤثرون على أنفسهم هم من يرسخ في الذاكرة الوطنية.

إن الإلتزام بالديمقراطية كنهج حياة وإدامة الحوار البنّاء القائم على الإحترام بين المواطنين، يستوجب الرفض الكامل للعنف والتهديد ونبذ تخريب الممتلكات العامة التي تعتبر وسائل مرفوضة ولا يمكن قبولها تحت أي ذريعة، كما أن الديمقراطية الحقّة في جوهرها تكمن في القدرة على التعامل مع المتغيرات من حولنا، وأن استمرار التواصل والمضي إلى الأمام في مسار الإصلاح والتنمية الشاملة، وبذل التضحيات من قبل الجميع سيحقق النجاح وحصد المكاسب، حيث بدأ الأردن دخول مرحلة جديدة حافلة بالعطاء عن طريق التحديث والتنمية والبناء، وبعبور مفصل تاريخي زاخر بالتحديات والفرص، مما يستدعي تبني تلك المباديء والممارسات الديمقراطية التي تضمنتها الورقة النقاشية الأولى لجلالة الملك لترسيخ سلوكيات المواطنة الصالحة المؤمنة بالديمقراطية نهج حياة من أجل بناء مستقبل الأردن تقدما وإزدهارا.

نعم، إنه الفكر الملكي الهاشمي الذي يضع إستراتيجيات ورؤية للمستقيل التي تضمنتها الأوراق النقاشية لجلالة الملك التي جاءت تحفيزا للحوار الوطني من أجل النهوض في أردننا، وتحقيق المزيد من الإصلاحات وإنجاز محطات إصلاحية قادمة في مسيرة بلدنا الديمقراطية، إضافة إلى منظومة عمل جادة تعمل بضمير مؤسسي مسؤول الذي أنجزه الديوان الملكي الهاشمي العامر بيت جلالة سيدنا وبيت الأردنيين جميعا، يرافق ذلك جهود تقوم على الإخلاص والتفاني في العمل في ظل مجتمع متكافل واحد موحّد ومتماسك يزرع بذور الخير والعطاء والإنسانية، برعاية وإهتمام جلالة سيدنا الملك الإنسان عبد الله الثاني بن الحسين أعز الله ملكه القدوة لنا جميعا في الإنجاز والعمل وللحديث بقية.

 

• أستاذ جامعي وكاتب/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية حاليا
• عضو مجلس أمناء حاليا
• عضو مجلس كلية الدراسات العليا في جامعة اليرموك حاليا
• عميد كلية الصيدلة / جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية وجامعة اليرموك سابقا
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد