الكتابة والاستضافة
تشتد العلاقة عادة وتتأزم بين أصحاب الحرف والمهن المتشابهة، وقلما يتعاونون بينهم، لأن كلا منهم يريد مصلحته الذاتية، ويرى «أخاه في الحرفة» عدوا. هذه العلاقة بين المثقفين والشعراء والكتاب والفقهاء والعلماء، تكون أشد تأزما، حيث يسود بينهم التنافس والتحاسد والبغضاء، بل يذهب الأمر إلى حد الكيد لبعضهم بعضا، والترويج لأفكار تؤدي ببعضهم إلى السجن أو الموت، أو المنفى، أو إحراق كتبهم. ولنا في التاريخ العربي أمثلة كثيرة تبرز تعرض بعض المثقفين والعلماء، في مختلف العصور، لضروب التنكيل وألوان التعذيب بسبب كراهية بعض المثقفين لهم، وحرصهم على النيل منهم وتشويه سمعتهم.
وتلعب الطائفية والمذهبية دورا مهما في هذا الصراع، لكن هذا البعد البارز يخفي في الحقيقة الغيرة والحسد، اللذين يأكلانهم بسبب تفوق من يرومون التخلص منهم، والإحساس بأنهم لن يصلوا شأوهم، أو يكونوا في مستوى منافستهم في الإنتاج الذي يشتركون معهم فيه.
لكننا نجد مقابل هذه الكراهية الزائدة عن الحد، علاقات أخرى بين المثقفين والعلماء، تقوم على التواد والمحبة الصادقة والإخلاص الدائم، حتى لمن توفي منهم. ولنا في علاقة التوحيدي بالجاحظ، والمعري بالمتنبي، وغيرهم ما يشي بأن العلاقة الأخرى قائمة بدورها، لأنها تجسد الاشتراك في حمل عبء الكلمة وتقدير مسؤوليتها. يبدو لنا هذا بجلاء في ما يعرف بـ»التقريظ» الذي يكتب شعرا أو نثرا للتنويه بمثقف والإشادة بأعماله وأخلاقه. ويزخر التراث العربي بهذا النوع من الكتابة التي لم تحظ بالاهتمام. وتسجل لنا كتب التاريخ كتابا للتوحيدي لم تصلنا منه سوى شذرات تحت عنوان» تقريظ الجاحظ».
علاوة على التقريظ نجد بعض الكتاب يُطلِعون بعض إنتاجاتهم على غيرهم من الكتاب قبل دفعه للنساخة أو للطباعة، بهدف أخذ الرأي، والاستئناس بالملاحظات التي يقدمونها لهم. وفي هذا اعتراف بأن الكاتب المسؤول يرى في هذا الصنيع ما يعطي لعمله بعدا جماعيا يسهم في تجويد الأعمال وتنقيحها بما يجعلها قابلة للتداول بتجاوزها ما يغيب عن الكاتب مما لا ينتبه إليه وهي يعالج حرقة الكتابة. يبدو لنا هذا بجلاء في «الشكر» الذي يعبر عنه الكاتب، في مقدمة كتابه، وهو يعدد من ساهم في الاطلاع على الكتاب، وقدم ملاحظات تتعلق بمراجعة اللغة، أو التنبيه إلى ما غاب عن الكاتب، او في الإهداء الذي يعدد أسماء الكتاب التي تفاعل معهم، وكانوا له إسوة حسنة.
لكنني أعتبر النوع الثالث من أكثر النوعين السابقين تجسيدا للعلاقات الإنسانية والأخلاقية التي تربط بين الكتاب، وتتجاوز بذلك الصراعات التي تكون عادة بين المثقفين، وهو ما أراه كامنا في ما أسميه «الاستضافة»، والتي تتحقق من خلال استدعاء كاتب ليكتب مقدمة تتصدر كتابا حديث التصنيف أو التأليف. إن الاستضافة هنا تعني إشراك كاتب ضيف في تقديم كتاب بذل فيه صاحبه (المضيف) جهدا في إنجازه، إلى القراء، وهذه الاستضافة دليل على التقدير والاحترام الذي يشرف المضيف والضيف معا، ويعطي للقارئ صورة أخرى عن الكتاب.
أن يستضيفك مؤلف كتاب، إبداعي أو نقدي، لتكتب عتبة تصدر بها أبواب كتابه تشريف وتكليف وإحراج. إنها تشريف لأنها إكرام من لدن كاتب زميل ليشترك اسمه مع اسمك في كتابه. وهي تكليف وإحراج لأنها تدفعك منذ البداية إلى مراعاة الدعوة الكريمة، والاستضافة النبيلة، وعدم الاجتراء على تعدي حدود اللباقة و»الصواب» في سلوك راق. لكن هذا التكليف والإحراج سرعان ما يتلاشى عندما تدرك أن من خصك بالاستضافة دون غيرك، يدرك جيدا نوع الضيافة التي استأثرك بها، وأنها في مقام التجاوب مع ما سيقدمه لك مما يطيب خاطرك، ويسر فضولك، ويستهوي رغباتك، من جهة. ومن جهة أخرى يعطيه فسحة من الإجلال الذي تقابل به دعوته، فتقبل على ما يقدم إليك من لذائذ وأفكار، وإن كنت لا تتفق معها أحيانا، فإنك تقدرها ولا تشرئب عنها، رغم اختلافك معها. فالمرء يقبل أحيانا على تناول ما لا يسره من أطعمة ما دامت لا تضر به. كما أنه أحيانا أخرى يضرب على الإقدام على ما ترتضيه نفسه إذا عاين فيها ما لا يتجاوب مع صحته. وقبول الدعوة من الداعي إليها مشاركة طيبة فيما تكون إليه الدعوة، ولاسيما إذا كانت مقرونة بما يتصل بالهواجس والهموم الفكرية والثقافية المشتركة التي لا يفسدها الاختلاف. يقول مثل مغربي عن شروط الاستضافة التي على الضيف مراعاتها: «يأكلْ ما حضرْ، ويغض البصرْ، ولا يذيع أي خبرْ». ولا يمكن للعلاقة بين الكتابة والاستضافة إلا أن تسير على هذه القيم النبيلة لسبب بسيط هو أن من يدعوك إلى «القِرى»، يعرف قيمة «الحديث»، ما دام الحديث من القرى… وفيما يقدمه الكاتب الضيف، وقد صار اسمه مقرونا باسم المضيف على غلاف الكتاب ما يوطد العلاقة بين الكتاب، ويضيف أشياء مهمة إلى الكتاب قد تكون مدخلا، أو إغراء للقارئ للانتباه إلى ما لا يمكن الالتفات إليه وهو يطالع الكتاب. كما يمكن للاستضافة أن تكون لكتاب لكاتب مفرد، يمكن أن تكون لكتاب جماعي ساهم فيه عدة باحثين فيكون الكاتب الضيف ملما بالموضوع المشترك فلا يكتفي بالتنويه بالعمل، أو تقريظه، ولكنه يضفي عليه لمسة تتعدى وصف الكتاب وقيمته إلى الكشف عما يسهم في تطوير الأفكار، والتحفيز على التعميق والتطوير. ولنا في المقدمات التي تتصدر بها الكتب الأجنبية، سواء من خلال الاستضافة الفردية أو الجماعية ما يكشف لنا قيمتها المعرفية والأخلاقية معا.
علاقة الكتابة بالاستضافة، والتقريظ والشكر والإهداء، عربون على تجاوز علاقات الصراع والاحتراب الطائفي والمذهبي بين الكتاب، وتعميق لنبل رسالة الكتاب والكتابة.
كاتب مغربي
هجوم بمسيّرة يستهدف سفينة أسطول الصمود الأكبر
تأييد حكم إيداع نجل رمضان رغم التصالح
أسرار حجز تذاكر طيران بأسعار مخفضة
تعادل مصر يؤجل حسم التأهل لكأس العالم
شريف منير يعلّق على ارتداء ابنته أسما الحجاب
رئيس الأركان قاد تنفيذ عملية استهدفت قيادات لحماس في قطر
الجزائر تطلب اجتماعًا أمميًا بعد هجوم قطر
قائد أمن الشمال يطمئن على مصابي الأمن العام
انقسام أمني إسرائيلي حول عملية قطر الأخيرة
الجامعة العربية تدين القصف الإسرائيلي على الدوحة
الأردن يسجل ارتفاعًا ملحوظًا بنسب الإقلاع عن التدخين
القسام يتبنى عملية راموت بالقدس المحتلة
هل ستشهد المملكة أول منخفض جوي قريباً .. توضيح
وظائف شاغرة ومدعوون للامتحان التنافسي .. صور
المومني: الخطاب الأردني دائما متزن
إغلاق جزئي لطريق إربد-عمان .. تفاصيل
تشكيلات أكاديمية في البلقاء التطبيقية .. أسماء
الطاقة النيابية تناقش استغلال النفايات لإنتاج الطاقة
التعليم النيابية تزور جامعتي التكنولوجيا وعجلون الوطنية
الميثاق النيابية تزور محافظة الكرك
مشروع تمليك أراضٍ للمعلمين بخصومات حكومية كبيرة .. رابط
الصفدي يشارك باجتماع مجلس جامعة الدول العربية الخميس
منصة موحدة لتحديث بيانات الولادة والوفاة
الأردن يؤكد دعمه للسلطة الفلسطينية ورؤية عباس الإصلاحية
الأردنيّة و نبراسكا – لنكولن تطلقان أوّل برنامج دكتوراه مشترك
انعقاد امتحان المفاضلة لطلبة التوجيهي العربي اليوم
اللجان النيابية تبحث ملفات الثروة الحيوانية والطاقة والتعليم