خدعوك فقالوا: هذا هو الرأي العام
إياك أن تنخدع بما تراه على مواقع التواصل الاجتماعي وتظنه «رأياً عاماً». فما يبدو لك أحياناً كأنه صوت الملايين، قد لا يكون في الواقع أكثر من صدى مصطنع تصنعه بضعة آلاف من الحسابات الوهمية أو الجيوش الإلكترونية التي تتحرك وفق أجندات ممولة وموجهة. دعك من كثرة التعليقات أو سرعة انتشار «الترندات»، فالذباب الإلكتروني قادر على صناعة «إجماع» زائف أو فبركة تيار جارف كاذب في ساعات قليلة. هناك غرف عمليات كاملة مكرسة لتضخيم هاشتاغات محددة، تحركها أصابع وأصوات مرتزقة وحسابات مستأجرة لا يهمها رأيك ولا مصلحتك، بل تسعى إلى غسل وعيك وتوجيهك حيث يريد مشغلوها.
حتى كبريات شركات استطلاعات الرأي، وهي مؤسسات متخصصة تملك أدوات علمية وخبرات إحصائية، كثيراً ما تخطئ في تقدير المزاج العام، رغم اعتمادها على عينات مدروسة وأساليب تحليلية متقدمة. فكيف بمواقع التواصل التي لا تخضع لأي معايير، وتتحكم بها خوارزميات لا تعرف من الحقيقة إلا ما يجلب التفاعل والربح أو شيطنة جهة ما أو التطبيل والتزمير لأخرى؟ لا يمكن أبداً اعتبار الضجيج الرقمي العشوائي انعكاساً حقيقياً لرأي الشعوب. هذا لا يصنع رأياً عاماً، بل يصنع ضجيجاً مبرمجاً. وما الضجيج إلا قناع يخفي وراءه فراغاً، أو مصالح سياسية وتجارية وحتى استخباراتية.
في العالم العربي، برزت هذه الظاهرة بشكل فجّ، فهناك جيوش إلكترونية مكرسة لمهاجمة الخصوم السياسيين وتلميع صورة السلطة. تُفتح آلاف الحسابات الوهمية وتدار مركزياً من غرف مظلمة، والهدف واحد: إيهام الرأي العام بأن هناك تأييداً ساحقاً لهذه القضية أو ذاك الزعيم أو رفضاً مطلقاً لمنتقديه. لعبة سخيفة مفضوحة ولا تعبر مطلقاً عن رأي الشارع.
خلال ثورات الربيع العربي، رأينا كيف كانت بعض الأنظمة تستخدم هذه الوسيلة لإغراق الفضاء بآراء مضادة للحراك الشعبي. كانت الجيوش الإلكترونية تهاجم المتظاهرين، وتتهمهم بالعمالة أو الإرهاب، وتبث رسائل هدفها واحد: تشويه الحراك الحقيقي عبر طوفان من الكذب.
وفي بعض البلدان لعبت الحملات المنظمة على مواقع التواصل دوراً أساسياً في تضخيم صورة بعض الشخصيات السياسية، بينما جرى في المقابل تشويه واغتيال سمعة شخصيات أخرى، حتى أصبح المزاج الرقمي في أوقات كثيرة انعكاساً للآلة الدعائية لا لرأي الناس في الشارع.
وهناك الكثير من الأمثلة العالمية على «الرأي العام المزوّر». في الولايات المتحدة مثلاً، أُثيرت فضائح كبرى حول تدخل جهات خارجية في انتخابات 2016 عبر حملات إلكترونية ضخمة على فيسبوك وأكس. ملايين الحسابات المزيفة والصفحات المدفوعة لعبت دوراً في توجيه الناخبين ونشر الأخبار الكاذبة. العالم كله شاهد كيف يمكن لمجموعة من «البوتات» الروسية أن تترك أثراً ملموساً على أكبر ديمقراطية في العالم.
في الهند، تتحكم جيوش إلكترونية مرتبطة بأحزاب كبرى في اتجاهات النقاش العام. ملايين التعليقات والهاشتاغات تدار يومياً لتشويه المعارضين أو تلميع صورة القادة. وفي البرازيل، كان لمواقع التواصل دور بارز في صعود اليمين الشعبوي، عبر حملات تلاعب ممنهجة استهدفت عقول الناخبين بأخبار زائفة.
هذه الأمثلة العالمية تثبت أن ما يُسمّى «الرأي العام الرقمي» ليس سوى نتاج ماكينة دعائية جبارة تخدم مصالح محددة، وتدار بخطط مدروسة.
وتكمن الخطورة الكبرى في أن كثيرين باتوا يتعاملون مع ما يرونه على مواقع التواصل باعتباره الحقيقة المطلقة. كم من شخص بنى موقفاً سياسياً أو اجتماعياً فقط لأنه رأى آلاف التعليقات تهاجم فلاناً أو تدعم علاناً؟ كم من مسؤول تراجع عن قرار أو اندفع نحو آخر لأنه خاف من «الغضب الشعبي» الذي لا وجود له إلا على ترندات أكس أو فيسبوك؟ وهذا ما يجعل الدول والمجتمعات أسيرة للوهم.
الرأي العام الحقيقي في واقع الأمر لا يظهر على الأثير الإلكتروني، بل هو أعمق من الشاشات، ولا يتشكل من «لايك» و«ريتويت»، ولا يُقاس بعدد المشاركات على منشور، بل في البيوت حين يجلس الناس على موائدهم، في الشوارع والأسواق حين يتبادلون همومهم، في المقاهي حين يناقشون قضاياهم، وفي صناديق الاقتراع حين يعبرون عن أصواتهم بحرية وسرية. هذا هو الرأي العام الحقيقي، العصي على التزوير، لأنه نابع من نبض الناس وتجاربهم وأوجاعهم، لا من ضجيج الحسابات المأجورة. وكل من يتوهم أن الرأي العام يمكن أن يُقاس بعدد التفاعلات الإلكترونية يسلم عقله طوعاً لماكينات التضليل الشيطانية. إنها ماكينة دعائية عملاقة، تُستخدم لتوجيه الرأي وتزييف الوعي وتحويل الناس إلى قطعان منساقين وراء المشعوذين الإلكترونيين. وكل من يبني موقفه على هذا الضجيج هو مجرد تابع، مخدوع بأضواء زائفة، لا يختلف كثيراً عمن يسير خلف سراب في صحراء قاحلة. لذلك، لا تجعل نفسك دمية في أيدي المتلاعبين بالقلوب والعقول، بل تعامل مع مواقع التواصل كما هي: ساحة حرب نفسية ودعائية وتجارية وسياسية قذرة، لا مرآة صادقة لمزاج الشعوب. فكر طويلاً قبل أن تصدق منشوراً إلكترونياً، وضع حوله مائة إشارة استفهام. لا تبع عقلك للأصوات المأجورة. والخطأ الأكبر أصلاً أن تعتقد أن ما تره هو «الرأي العام»، لأنه في الحقيقة (رأي خاص) جداً، فهو لا يمثل سوى توجهات مبرمجيه ومفبركيه ومروجيه في مصانع الوهم الإلكترونية التي يسمونها زوراً وبهتاناً مواقع تواصل.
كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com
إيزابيلا حماد: إعادة اكتشاف فلسطين بالفن
تهجير الفلسطينيين هدف إسرائيلي
خدعوك فقالوا: هذا هو الرأي العام
الضغوطات اليومية وصحتنا النفسية
سوريا تشكر الأردن وقطر بعد إرسال قافلة مساعدات
السعودية تدين تصريحات إسرائيل العدوانية ضد دولة قطر
غزة تودّع عشرة لاعبين ناشئين استشهدوا بقصف الاحتلال .. أسماء
عبد العاطي: غزة تنهار تحت المجاعة والدمار المستمر
الوحدات يفوز على الجزيرة بدوري المحترفين
عقوبات أميركية على وزير المالية السوداني وكيان آخر لعلاقاتهما بإيران
البرلمان العربي يرحب بإعلان نيويورك لحل الدولتين
أبو ردينة: الدولة الفلسطينية قادمة لا محالة
مدير المعهد المروري: هذه المخالفة تستوجب العقوبة القانونية
وظائف شاغرة وامتحانات تنافسية .. أسماء
نتائج فرز طلبات وظائف التعليم التقني BTEC .. رابط
توضيح بشأن أنباء إلغاء عطلة السبت في المدارس
أسعار الذهب والليرات الذهبية في الأردن الأحد
خبر سار للمكلفين المترتبة عليهم التزامات مالية للضريبة
ارتفاع جديد في أسعار الذهب محلياً اليوم
الخضير أمينا عاما للسياحة واللواما للمجلس الطبي وسمارة لرئاسة الوزراء
هل مشاهدة خسوف القمر مضر للعين
قيادات حماس التي استهدفتها إسرائيل في الدوحة .. أسماء
عمل إربد تعلن عن وظائف وإجراء مقابلات بشركة اتصال
أسرار حجز تذاكر طيران بأسعار مخفضة