قراءة في كتاب ملك وشعب 19

mainThumb

14-09-2025 11:33 PM

يعد كتاب "ملك وشعب" الذي أصدره الديوان الملكي الهاشمي العامر منجزا وطنيا هاما يوثّق المبادرات الملكية السامية الزاخرة بالخير والعطاء والإنسانية ضمن رحلة خيّرة لا ينضب عطاؤها بين ملك إنسان وأبناء شعبه. إن هذا الملف الإنساني والتنموي الذي يوليه جلالة سيدنا كل إهتمام حيث أسند أمر متابعته وتنفيذه إلى لجنة برئاسة معالي الأستاذ يوسف حسن العيسوي رئيس الديوان الملكي الهاشمي ضمن فريق عمل مخلص وجاد ليعكس صورة إرتباط ملك رحيم تجلّت صفات الإنسانية بأجل صورها مع أبناء شعبه الأردني بروح تنم عن إنتماء ومحبة قائد لوطنه ولشعبه، وولاء ومبايعة شعب لقائده بصدق وإخلاص.

لقد تضمّن كتاب ملك وشعب "الأوراق النقاشية لجلالة الملك" التي أطلقها جلالة سيدنا في 29/12/2012 التي جاءت لتكون محفّزا للحوار الوطني حول القضايا الكبرى التي تهم المجتمع الأردني مبينّا أن إرساء رؤية واضحة للاصلاح الشامل ومستقبل الديمقراطية في الأردن هو من الأولويات التي نحرص على تنفيذها بهدف بناء التوافق وتعزيز مشاركة الشعب في صنع القرار، وكذلك تحفيز حوار وطني حول مسيرة الإصلاح وعملية التحّول الديمقراطي التي يمر بها الأردن، بهدف بناء التوافق وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وإدامة الزخم البنّاء حول عملية الاصلاح. هذه الأوراق التي تضمّنت رؤية جلالة سيدنا لمسيرة الإصلاح الشامل في الأردن في مختلف المجالات.

وسأتناول هنا في المقال التاسع عشر ( 19) ضمن سلسلة مقالات قراءة في كتاب ملك وشعب "الورقة النقاشية الثالثة لجلالة الملك" التي أعلنها جلالة سيدنا في الثاني من آذار عام 2013 بعنوان " أدوارنا تنتظرنا لنجاح ديموقراطيتنا المتجدّدة" التي تضمنت تشكيل حكومات برلمانية الأمر الذي يتطلب وعي الجميع للأدوار التي تنتظرنا في بناء المستقبل . وفي هذه الورقة يقول جلالة سيدنا " إننا في الأردن نعي في قرارة أنفسنا القيم الضرورية لإنجاز التحّول الديموقراطي وإرساء نهج الحكومات البرلمانية، وفي مقدمة هذ القيم وأكثرها أهمية التعددية والتسامح وسيادة القانون وتعزيز مبادىء الفصل والتوازن بين السلطات، إضافة إلى حماية الحقوق الراسخة لجميع المواطنين والمواطنات وتأمين كل طيف يعبر عن رأي سياسي بفرصة عادلة للتنافس عبر صناديق الاقتراع."

وتضمنّت الورقة رؤية جلالة سيدنا الواضحة للنظام السياسي في بلدنا، والقائم على تطوير عدد منطقي من الأحزاب الرئيسة ذات القواعد الممتدة على مستوى الوطن، لتعكس مختلف توجهات الأطياف السياسية ولإتاحة الفرصة للتنافس البنّاء بين الأفكار والطروحات التي يحتاجها بلدنا، وعلى بناء التوافق النيابي حول القرارات الواجب إتخاذها. كما إن الحفاظ على التوازن بين إحترام حقوق إرادة الأغلبية السياسية وحماية حقوق الأقلية وسائر المجتمع في كل محطة من محطات التطّور الديمقراطي مما أشارت إلية الورقة النقاشية الثالثة، وكذلك أهمية الإستمرار في تطوير النظام الإنتخابي عبر القنوات الدستورية وصولا إلى نظام أكثر عدالة وتمثيلا، مما يشكّل حماية للتعددية وتوفير فرص للتنافس وحافزا لتطور الحكومات البرلمانية على أسس حزبية.

ودعت الورقة النقاشية الأحزاب لتأخذ دورها في عملية التحّول الديمقراطي المنشود، وذلك بضرورة تطوير وتحفيز الأحزاب ذات البرامج والقواعد الشعبية على مستوى الوطن، ليتوجه الناخبون للتصويت على أسس حزبية وبرامجية، مّما يتطلب أن تساهم الأحزاب في تطوير وتجذير رؤية وطنية لحياتنا السياسية حيث أن النضج السياسي يأتي من التجارب الوطنية المبنية على التعبير الحقيقي عن إرادة الشعب عبر صناديق الإقتراع. وكذلك ضرورة إلتزام الأحزاب بالعمل الجماعي والتقيّد بالمباديء المشتركة وتبني السياسات ذات الأولوية، والعمل على تشكيل كتل نيابية أكبر للمساهمة في تحقيق لفاعلية البرلمانية والتنمية السياسية المطلوبة. وهذا يدعو الأحزاب إلى تبني برامج وطنية واضحة ضمن منظومة عمل مهنية، لتكون برامجها قويّة مبنية على سياسات واضحة تستجيب إلى تطلعات المواطنين، ولتكون الأحزاب قادرة على توضيح هذه البرامج من خلال حملات على مستوى عال من المهنية وإحتلراف العمل السياسي والإنتخابي.

كما أن لمجلس لنواب دورا مهما وأساسيا في تشريع قوانين ذات أولوية يصب تنفيذها في خدمة مصالح وطنية عليا، وممارسة دوره في الرقابة على الحكومة ومساءلتها على ما تتخذه من قرارات، حيث أن هدف النائب الحقيقي هو خدمة الصالح العام، وأن يعكس أداء النائب توازنا بين المصالح على المستوى المحلي وعلى المستوى الوطني، كما على النائب أن يوازن بين مسؤولية التعاون ومسوؤلية المعارضة البنّاءة، حيث أن مبدأ المساءلة يعتبر أحد الأدوات الجوهرية في نظام بلدنا الديمقراطي، ويجب أن لا يساء توظيفه ليتحوّل إلى أداة لتمرير مصالح نيابية فردية ضيقة، أو إغتيال الشخصية أو تعطيل القوانين والبرامج المقترحة بهدف النيل من خصم سياسي، لذا فإن تحقيق التوازن الدقيق بين مسؤولية التعاون ومسوؤلية المعارضة البنّاءة هو المحك الحقيقي لفاعلية المجالس النيابية. ومن الموضوعية أن لا تقوم علاقة النائب مع الحكومة على المصالح الضيقة والضغط على الحكومات، لتحقيق مكاسب على أسس الواسطة والمحسوبية وبعيدة أيضا عن إسترضاء الحكومات للنواب، وأن تتوخى هذه العلاقة تحقيق الصالح العام.

ولمجلس الوزراء دور كبير في إعداد وتنفيذ برنامج عمل شامل يهدف إلى تحقيق الأزدهار وتوفير الأمن للجميع، وهذا يتطلب تطوير دور رئيس الوزراء والمهارات والصفات المطلوب توفرها في شخصيته وقدرته على قيادة العمل الحكومي وفق أفضل الممارسات المؤسسية بإختيار وزراء وموظفين عامين يعملون بكفاءة وإخلاص وتفان، ويكون رئيس الوزراء قادرا أيضا على التفاعل والحوار مع كافة المؤسسات وفي مقدمتها مجلس الأمة، والتمكّن من حشد كوادر وإمكانات الجهاز الحكومي لتنفيذ البرامج الحكومية بأسلوب فاعل ووفق جدول زمني دقيق، وكذلك إمتلاك مهارات التواصل والتفاوض وبناء التحالفات، والقدرة على بناء التوافقات الضرورية من أجل مجابهة التحديات التي تواجه المواطنين. إضافة إلى تبني نهج الشفافية والحاكمية الرشيدة وترجمته قولا وعملا، والمبادرة في تعامل رئيس الوزراء ومجلس الوزراء مع مجلس النواب والمواطنين، والحرص على العمل الميداني.

ومن الأهمية بمكان، أن الورقة النقاشية لجلالة الملك قد ركزّت على إرتقاء دور الملكية الدستورية الهاشمية التي تعتبر أحد أهمّ مكونات عملية التطوير السياسي، ذلك الدور الذي كان دائما من أجل مستقبل الأردن والحفاظ على أمنه وإسقراره ووحدته وتأمين الأفضل للشعب الأردني والإنحياز لمصلحة الأردن والأردنيين. كما حرصت الملكية الهاشمية على إتباع نهج يستشرف المستقبل، والمحافظه على دور الملك كقائد موحّد يحمي مجتمعنا من الإنزلاق نحو أي حالة إستقطاب، كما يحمي قيمنا الأصيلة. فالملكية الهاشمية هي صوت الأردنيين والأردنيات جميعا، خاصة الفقراء والمستضعفين منهم، وهي المدافع القوي عن حقوقهم في المجتمع. كما أنها الحريصة على حماية المنظومة الوطنية للعدالة والنزاهة من خلال التحسين المستمر والعمل الدوؤب، ونشر روح الثقة بقدرة الأردنيين والأردنيات على التمّيز والإبداع وتبني المبادرات الريادية.

ويوضّح جلالة سيدنا، واجبه كملك وكقائد أعلى للقوات المسلحة، وهو الدفاع عن قضايا بلدنا المصيرية المرتبطة بالسياسة الخارجية والأمن القومي، والتأكيد على بقاء مؤسسة الجيش العربي والأجهزة الأمنية، والقضائية، والمؤسسات الدينية العامة مستقلة ومحايدة ومهنية، وغير مسّيسة على إمتداد مسيرة بلدنا نحو ديمقراطية يقوّى بنيانها، وحكومات برلمانية تقوم على أسس حزبية. وكذلك، فإن مسؤولية الملكية الهاشمية كما تضمنّت الورقة النقاشية هي حماية تراثنا الديني ونسيجنا الإجتماعي وصون قيم مجتمعتا الأردني الأساسية المتمثلة بالوحدة الوطنية والتعددية والإنفتاح والتسامح والإعتدال التي تجعل من الأردن وطنا فريدا وواحة أمن وإستقرار، وإستمرار الملكية الهاشمية بالقيام بدور الحامي للدستور ومقوّمات الحياد الإيجابي والإستقرار والعدالة.

ولم تغفل الورقة النقاشية الثالثة دور المواطن الأرني الذي يعتير اللبنة الأساسية في نظام بلدنا الديمقراطي، حيث أن إنخراط المواطنين في الحياة العامة ضروري من أجل تطوير نظام الأحزاب السياسية، ويترتّب على المواطنين دور محوري في بناء مجتمع ديمقراطي سليم، والمبادرة للتعبير عن أصواتهم الحرّة وممارسة واجبهم الإنتخابي في المجالس النيابية والبلديات والنقابات والجامعات. وأن الوعي والحكمة والقدرة على العطاء التي يتمتع بها الشعب الأردني ستكون عاملا مهما في نجاح تجربة التحّول الديمقراطي والإصلاح الشامل الذي ينشده بلدنا، متجاوزين التحديات لتحقيق مستقبل أكثر إشراقا لبلدنا وللمواطن الأردني. وهنا يؤكّد جلالة سيدنا ثقته بوعي وقدرات الشعب الأردني بقوله " إنني على قناعة تامة بأننا سنتعاون فيما بيننا كشعب أردني واحد عبر السنوات القادمة، وكما كنا على الدوام، لنستفيد بشكل جمعي من تجاربنا، ونمضي في تطوير ديموقراطيتنا، كما أنني على ثقة بأن الوعي والحكمة والقدرة على العطاء، التي يتمتع بها الشعب الأردني، ستجعل من هذه المرحلة قصة نجاح ".

نعم، إنه الفكر الملكي الهاشمي الذي يضع استراتيجيات ورؤية للمستقيل التي تضمنتها الأوراق النقاشية لجلالة الملك التي جاءت تحفيزا للحوار الوطني، ضمن منظومة عمل جادة تعمل بضمير مؤسسي مسؤول الذي أنجزه الديوان الملكي الهاشمي العامر بيت جلالة سيدنا وبيت الأردنيين جميعا، يرافق ذلك جهود تقوم على الإخلاص والتفاني في العمل في ظل مجتمع متكافل واحد موحّد ومتماسك يزرع بذور الخير والعطاء والإنسانية، برعاية وإهتمام جلالة سيدنا الملك الإنسان عبد الله الثاني بن الحسين أعز الله ملكه القدوة لنا جميعا في الإنجاز والعمل وللحديث بقية.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد