صناعة الأفلام تفتح أبواب السياحة والاقتصاد في الأردن

mainThumb

20-09-2025 09:31 AM

السوسنة - تشكل صناعة الأفلام اليوم رافعة ثقافية واقتصادية تتجاوز دورها الفني لتصبح أداة تسويقية وترويجية فاعلة للوجهات السياحية حول العالم، فالمواقع التي تظهر في الأعمال السينمائية الكبرى تترسخ في ذاكرة المشاهد وتتحول إلى مقاصد سياحية تستقطب الزوار وهو ما يعرف عالميا بـ "سياحة الأفلام"، هذه الظاهرة باتت من أبرز محركات الطلب السياحي، حيث تسهم في رفع أعداد الزوار وإطالة مدة إقامتهم.

وأكد أكاديميون ومختصون في السياحة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن الأثر السياحي لصناعة الأفلام في الأردن يتجلى بوضوح، حيث تحولت مواقع مثل وادي رم و البترا وغيرها إلى وجهات عالمية جذبت اهتمام الإنتاجات السينمائية الكبرى، وانعكس ذلك بشكل مباشر على القطاع السياحي من خلال زيادة أعداد الزوار وتنشيط الخدمات المرتبطة بالسياحة مثل الفنادق ووسائل النقل والتموين، بالإضافة إلى خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للشباب الأردني.

وقال الدكتور إبراهيم الكردي من كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية فرع العقبة، إن صناعة الأفلام لها الدور الاستراتيجي في تعزيز صورة الأردن عالميا ودعم الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل للشباب.

وأوضح، أن "سياحة الأفلام" باتت اليوم إحدى أدوات الترويج الفاعلة للأردن كوجهة سياحية وثقافية، حيث تسهم الأفلام المصورة في المملكة في عرض معالمها الطبيعية والتاريخية أمام ملايين المشاهدين حول العالم.

وأشار الى أن عدة مواقع في "وادي رم و البترا" تحولت إلى أيقونات سينمائية عالمية بعد أن ظهرت في إنتاجات ضخمة، الأمر الذي أثار فضول المشاهدين ودفعهم لزيارتها، مبينا أن هذا النوع من السياحة يسهم في تعزيز صورة الأردن كبلد آمن ومتعدد الثقافات والطبيعة ويرفع من نسب الإقبال السياحي ويطيل مدة إقامة الزوار.

وأكد الكردي، أن ما يميز الأردن عن غيره من الوجهات هو تنوعه الجغرافي الذي يجمع بين الصحراء الممتدة والمناطق الطبيعية والمواقع الأثرية العريقة، ما جعله بيئة مثالية لتصوير مختلف أنواع الأفلام، لافتا إلى أن محمية وادي رم، على سبيل المثال، أصبحت موقعا مفضلا لأفلام الخيال العلمي مثل فيلم المريخي وفيلم الكثيب، فيما أضفت البترا طابعا دراميا ساحرا على اجزاء من سلسلة افلام انديانا جونز.

كما استضافت العقبة ومناطق في عمان وجرش ومأدبا أعمالا سينمائية متنوعة مدعومة بتسهيلات وإعفاءات تقدمها هيئة الملكية للأفلام.

وحول الأثر الاقتصادي، أكد أن صناعة الأفلام أصبحت من المحركات الاقتصادية الفاعلة في الأردن، إذ شهدت المملكة منذ تأسيس الهيئة الملكية للأفلام تصوير أكثر من 150 فيلما وإنتاجا عالميا، مشيرا الى أن هذه الأعمال انعكست بشكل مباشر على القطاع السياحي.

 

وبين، أن كل إنتاج سينمائي ضخم يقام في الأردن يضخ ما بين مليون إلى خمسة ملايين دولار في الاقتصاد المحلي ويوفر مئات فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في قطاعات النقل، الضيافة، الحرف اليدوية والإنتاج الفني، كما أن السكان المحليين في تلك المناطق استفادوا بشكل مباشر من هذه الصناعة، حيث عمل الكثير منهم كمرشدين سياحيين وسائقي جمال ومساعدين في الطواقم الفنية.

وأضاف، إن الأردن يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانته كمركز إقليمي لصناعة الأفلام من خلال تعزيز البنية التحتية السينمائية وإنشاء استوديوهات ومراكز تدريب متخصصة والترويج للمواقع الأردنية في المهرجانات والأسواق العالمية، كما يجري العمل على توسيع برامج الدعم الفني والمالي وتشجيع الإنتاج المحلي وخلق شراكات بين صناع الأفلام الأردنيين والمنتجين العالميين، إلى جانب الاستثمار في تدريب الكوادر الوطنية لضمان وجود خبرات محلية مؤهلة في مجالات الإخراج والتصوير والمونتاج.

من جهته، قال أستاذ السياحة والفنادق في جامعة اليرموك الدكتور حكم شطناوي، إن الدراسات العالمية تشير إلى أن السينما والدراما أصبحتا من أقوى العوامل المؤثرة في قرار اختيار الوجهة السياحية، حيث رسخت ما يعرف بظاهرة السفر إلى مواقع التصوير التي تجذب ملايين السياح سنويا حول العالم، مبينا أن تأثير الأعمال الفنية في تحفيز السفر بات يتفوق على وسائل التواصل الاجتماعي لدى شريحة واسعة من المسافرين، ما يؤكد القوة الترويجية الهائلة لهذه الصناعة.

وبين، أن الأردن استفاد من هذا التوجه العالمي عبر الهيئة الملكية الأردنية للأفلام وهيئة تنشيط السياحة، إذ تحولت الأعمال العالمية التي صورت في المملكة إلى أدوات ترويجية مؤثرة قدمت صورة بصرية متجددة للأردن، تتجاوز أثر الحملات الإعلانية التقليدية، مؤكدا أن الحوافز المالية الموسعة التي أقرتها الحكومة عام 2025، بمنح استرداد نقدي يصل إلى 45 بالمئة من الإنفاق داخل الأردن للإنتاجات الكبرى، جعلت من المملكة وجهة أكثر تنافسية على المستوى الإقليمي والدولي.
وقال شطناوي، إن الأردن الحكومة تعمل على تعزيز جاذبية الأردن في هذا القطاع من خلال الاستثمار في البنية التحتية السينمائية، وتوسيع استوديوهات "أوليفوود" التي افتتحها جلالة الملك عبدالله الثاني عام 2023، إلى جانب إطلاق برامج تدريبية متخصصة لتأهيل كوادر محلية قادرة على الانخراط في الصناعة.

وأكد سعي الأردن إلى ترسيخ موقعه كوجهة عالمية لصناعة الأفلام من خلال الجمع بين الحوافز المالية، وتطوير البنية التحتية، وربط السينما بالمنتج السياحي والثقافي، لافتا الى أن هذا التوجه يتماشى مع الاتجاهات العالمية الحديثة ويوفر للمملكة فرصة استدامة هذا القطاع بما يحقق مكاسب اقتصادية وسياحية طويلة الأمد، ويعزز من صورتها كبيئة إبداعية.

بدوره، قال الفنان الفوتوغرافي والرحالة الأردني عبدالرحيم العرجان، إن الأفلام تعرض أمام مئات الملايين من المشاهدين والمهتمين حول العالم دون قيود للحدود أو الجغرافيا، ما يجعلها وسيلة ترويجية غير مباشرة ذات أثر واسع.

وأضاف، إن معظم المواقع الأردنية تصلح للتصوير بشكل عام، غير أن هناك عدة مواقع تتمتع بفرادة وتميز استثنائي، بدءا من أخفض بقاع العالم وما يحيط بها من أودية وتكوينات جيولوجية مرورا بوادي عربة والطفيلة ووادي رم الذي استقطب أنظار صناع الأفلام العالميين وصولا إلى أسواق عمان التراثية وأحيائها القديمة.

وأشار العرجان، إلى أهمية توجيه الأنظار نحو استقطاب أفلام تتناول الرسالة الدينية المسيحية في المواقع المعتمدة من قبل الفاتيكان، إلى جانب المواقع التاريخية مثل جرش وأم الجمال ودروب الممالك القديمة التي شهدت مرور القوافل عبر العصور، موضحا أن موقع الأردن المتوسط واعتدال تكاليف الإنتاج فيه يشكلان عناصر جذب أساسية إلى جانب عامل الأمان والتعاون الكبير من هيئة تنشيط السياحة والهيئة الملكية الاردنية للأفلام وإدارات المواقع.

وقال العرجان، إن الشركة الأردنية لإحياء التراث أطلقت أخيرا مسار "هوليوود" على ظهور الخيل الذي يمر بعدد من المواقع التي استخدمت لتصوير مشاهد سينمائية في وادي رم وصولا إلى القلعة الفرنسية.

وبين ضرورة الاستثمار في الشباب الأردني المبدع وإتاحة الفرصة لهم في مجالات التمثيل والإنتاج السينمائي، لافتا الى أن فيلم "ذيب"، الذي أنتج بالكامل بسواعد وأفكار أردنية يمثل خير مثال على قدرة الشباب المحلي على الإبداع، حيث حصد الفيلم عدة جوائز دولية ورفع اسم الأردن في المحافل السينمائية العالمية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد