الصحفيون في فلسطين بين نار الاستهداف وصمت العالم

mainThumb

06-10-2025 12:19 AM

السوسنة

عمان - السوسنة - دانية محمود - استهداف الصحفيين في غزة بات رمزًا عالمياً لمعاناة الإعلاميين في مناطق النزاع، مع مرور عامين على الحرب في غزة واستشهاد أكثر من 200 صحفي، يعود المشهد الإعلامي والحقوقي في فلسطين ليطرح تساؤلات مؤلمة حول واقع حرية الصحافة، ومطالب بتعزيز الحماية القانونية للصحفيين الميدانيين الذين يؤدّون واجبهم المهني تحت نيران الاحتلال و القمع.

تحوّلات ميدانية في الضفة الغربية
الصحفي الفلسطيني حافظ أبو صبرا تحدث ل"السوسنة" عن تغيّر جذري في نظرة الصحفيين الفلسطينيين في الضفة الغربية بعد معركة "طوفان الأقصى"، وأوضح أن مشهد استهداف الصحفيين في غزة شكّل صدمة عميقة لزملائهم في الضفة، الذين أصبحوا يرون زملاءهم يُقصفون ويُقتلون فقط لأنهم يؤدون عملهم المهني.
حيث ازدادت المخاطر الميدانية وتضاعف حجم التهديد المباشر، مما أثر على آلية تفكيرهم في تغطية الاقتحامات والاعتداءات الإسرائيلية.
وأكد أبو صبرا أن جيش الاحتلال رصد هذا التحول في أداء الصحفيين، ما دفعه إلى زيادة الضغط عليهم واستهدافهم بشكل متعمد.
وأضاف أن الاحتلال يرى في الصحفي الفلسطيني تهديدًا لروايته الإعلامية، وأن المجتمع الدولي يتعامل بازدواجية واضحة مع مفاهيم حرية التعبير وحقوق الإنسان.
واستذكر أبو صبرا حادثة استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة "بعد شهر من استشهاد شيرين، تعرضنا لإطلاق نار مباشر في مخيم جنين، دُمّرت سيارتنا وكان القناصة يوجهون أسلحتهم إلينا من مسافة لا تتجاوز مئة متر، لكن العالم لم يتحرك. وفي اليوم التالي، كنا في نفس الموقع، نرتدي شعارات باسم شيرين، وتعرضنا مجددًا لإطلاق نار في نفس المكان الذي استُشهدت فيه".

استهداف ممنهج ومتواصل
وأشار أبو صبرا إلى أن الصحفيين في الضفة كانوا مستهدفين حتى قبل السابع من أكتوبر، من خلال منع التغطية في المناطق العسكرية المغلقة والاعتقال والتنكيل وتحطيم المعدات وإغلاق المكاتب الإعلامية ولكن الآن، تحوّل الصحفي إلى هدف مباشر بحجة نقل وجهات نظر تحريضية.
كما تحدّث عن انتهاكات تشمل محاولات الدهس ومصادرة المعدات وطرد الصحفيين من أماكن العمليات في حين يُسمح لوسائل إعلام إسرائيلية بمرافقة الجيش مما يعكس ازدواجية في التعامل مع الإعلام.

غزة.. ميدان الاستهداف
من جهته، أكد الصحفي في قطاع غزة عبد القادر حسونة ل"السوسنة" أن الحرب على غزة ضاعفت من المخاطر والتحديات أمام الصحفيين لكنها عززت في الوقت ذاته إصرارهم على مواصلة العمل لتوثيق الحقيقة رغم التهديدات.
وأشار حسونة إلى أن التغطية المكثفة للحرب ساهمت في تسليط الضوء على خطورة العمل الصحفي في فلسطين، ما دفع عددًا من المنظمات الدولية لإصدار تقارير وثّقت الانتهاكات بحق الصحفيين وزاد من الوعي الدولي تجاه واقع الصحافة تحت الاحتلال.
وأوضح أن الإعلام الفلسطيني رغم الحصار ونقص الموارد والاستهداف المباشر إلّا أنه نجح من خلال منصات التواصل الاجتماعي والصحفيين المستقلين في إيصال الحقيقة إلى العالم.
كما شدد على دور المنظمات الدولية مثل لجنة حماية الصحفيين ومراسلون بلا حدود في توثيق الانتهاكات والضغط لإجراء تحقيقات مستقلة وفرض عقوبات على المعتدين والمساهمة في رفع مستوى الوعي العالمي بحقوق الصحفيين.

الصحفيات: وجه آخر للمعاناة
قالت الصحفية الفلسطينية فرح عيّاش ل"السوسنة" إن بيئة العمل الصحفي في الضفة الغربية شهدت تدهورًا خطيرًا بعد السابع من أكتوبر حيث بات واضحًا أن جنود الاحتلال حصلوا على ضوء أخضر للتنكيل بالصحفيين والاعتداء عليهم بشكل مباشر، دون أي مبررات.
وأوضحت عيّاش أنها تعرّضت لعدة انتهاكات خلال تغطيات ميدانية، كان أبرزها منعها من التغطية ومصادرة معداتها بما فيها الكاميرا وجهاز البث والهاتف المحمول، إلى جانب محاولات متكررة لطردها من مواقع الأحداث والتشويش على الصورة وبثها.

تدريب غير كافٍ وميدان بلا حماية
وعن التدريبات المخصصة لحماية الصحفيين أشارت عيّاش إلى أنها لا تفيد في شيء، مشددة على أن جيش الاحتلال يتعمد خرق كل القواعد الدولية ما يجعل تلك التدريبات غير فعالة في الواقع العملي، وأضافت "الصحفي الفلسطيني يحمي نفسه بما يتوفر لديه.. لا توجد جهة تحميه فعليًا".
واختتمت حديثها بالتأكيد على أن جميع القوانين الدولية والمؤسسات الحقوقية عاجزة عن توفير الحماية للصحفي الفلسطيني "لا يوجد شيء في هذا العالم يضمن سلامة الصحفي.. نحن نحمي أنفسنا بأنفسنا".

ازدواجية المعايير أمام أعين العالم
من جهتها، أكدت الصحفية الفلسطينية ولاء سليمان ل"السوسنة" أن مشاهد الحرب في غزة كشفت حجم المعاناة التي يعيشها الصحفي الفلسطيني وفضحت ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع قضايا حرية الصحافة مشيرة إلى أن ما حدث لم يؤدي إلى أي تغيير حقيقي على أرض الواقع.
ولفتت إلى أن فلسطين تراجعت في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025 إلى المرتبة 163 من أصل 180 دولة، حسب تصنيف مراسلون بلا حدود، ما يجعلها من أخطر الأماكن على حياة الصحفيين.

الدرع يتحوّل إلى خطر
وقالت سليمان إن ارتداء الصحفي للدرع الواقي والخوذة بات يشكّل خطرًا عليهم، إذ يُستخدم ذلك كذريعة لمنعهم من التغطية والتعرض للقمع "في كثير من الأحيان نضطر لخلع الدرع كي لا نُستهدف".
واستذكرت موقفًا تعرّضت له أثناء تغطية هدم منزل في مدينة نابلس "هددونا بإطلاق النار إذا لم ننسحب فاضطررنا لخلع الدرع والدخول إلى أحد المنازل الفلسطينية، وأكملنا التغطية من النافذة كأننا مجرد سكان نتابع المشهد".

تراجع عالمي خطير في حرية الإعلام
أما مؤسس مركز حماية وحرية الصحفيين في الأردن نضال منصور، فقد أشار في تصريحه ل"السوسنة" إلى أن حرية الإعلام تراجعت على مستوى العالم خلال السنوات الأخيرة حتى في الدول التي كانت تُصنّف سابقًا كأنظمة ديمقراطية مؤكدًا أن الشعبوية باتت تتغلب على مبادئ حرية التعبير.
وفيما يخص الحرب على غزة أوضح منصور أن العديد من الدول العربية فشلت في اختبار حرية التعبير، إذ وقفت إما داعمة أو متواطئة مع العدوان ولم تتحرك جديًا لوقف استهداف الصحفيين، الذين تجاوز عدد شهدائهم ال200 منذ بداية الحرب.
دعوات لتحديث الاتفاقيات الدولية
وأكد منصور أن بعض الأنظمة العربية منعت الفعاليات التضامنية وقمعت التظاهرات الداعمة لفلسطين مما زاد أزمة الحريات في المنطقة.
وشدّد على أن ما حدث في غزة يستدعي مراجعة شاملة للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الصحفيين في مناطق النزاع لافتًا إلى أن اتفاقيات جنيف الحالية تمنح الصحفيين صفة المدنيين إلا أن ذلك لم يعد كافيًا .

واختتم بدعوة الأمم المتحدة إلى تحديث تلك الاتفاقيات بما يواكب التحديات الجديدة، "كثيرًا من النصوص باتت متقادمة، ولا توفر الحماية الكافية في ظل الاستهداف المباشر والممنهج للصحفيين في مناطق الحروب".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد