عابرة كالحلم
ثمّة لحظات لا تعود، وأشخاص يمرّون كالحلم… يتركون في الروح أثرًا لا يُمحى، كأنهم ومضة قدرٍ خاطفة. هذه واحدة من تلك اللحظات، خرجت من صندوق ذكرياتي لتعود إليكم…
لكلّ واحدٍ منا صندوقٌ صغير ينام في ركنٍ من أركان القلب… صندوقٌ محمّل بالذكريات. بعضُنا يمتلك الجرأة لفتحه والبوح بما فيه، وبعضُنا الآخر يُحكم قفله، خشية أن يتناثر الماضي كغبارٍ يعكّر صفو الحاضر.
إلى هند كامل العراقية
(إهداء إلى المرأة التي ضحّت وأعطت، لكن القدر لم يُمهلها لتكمل عطاءها…)
كان مساءً ربيعيًا من أمسيات مارس، وفي دارٍ بغدادية عتيقة تفوح من جدرانها رائحة التاريخ، جلستُ إلى مائدة عامرة بالأنغام والوجوه. إلى جانبي كان صديقي محمد صالح – أو محمد العراقي كما يحب أن يُلقّب نفسه – رجل وسيم لكنه متربّص بالأنوثة، عدوّ معلن لذلك الكائن الذي نسمّيه المرأة.
كان يرى المرأة كظلٍّ أسود يمرّ بثلاث محطات: من بيت أبيها، إلى بيت زوجها، ثم إلى مقامها الأخير في السماء.
لا أريد أن أُثقل عليكم بسوداوية أفكاره، فكل لقاء بيننا يتحوّل إلى معركة صغيرة، وكما يقول العُمانيون في مثل هذه المواقف: الموضوع حباله طويلة.
وفجأة… كُشف الستار عن مشهدٍ جديد. وقفت أمامي فتاة لم تتجاوز الرابعة والعشرين، بصوتٍ هادئ كنسمة ربيع، وبحياء يفيض أدبًا، همست:
ـ «الأستاذ فايل؟»
أدهشني أنها تُفخّم الفاء في اسمي، فابتسمت، ولم أُلُمها؛ حتى أنا أعاني أحيانًا من نطقه!
أجبتها بلطف، وقد أطربني صوتها: «نعم، أنا هو.»
ارتسمت ابتسامة على ثغرها، وقالت بخجلٍ يشبه ضوء القمر حين يتوارى خلف الغيم:
ـ «أريد أن أتحدث إليك…»
ثم التفتت بنظراتٍ سريعة نحو صديقي.
قلتُ لها بانبهارٍ لم أخفِه: «لهجتكِ، وثقتكِ بنفسكِ… تخبرني أنكِ عراقية.»
لم تُجب، بل اكتفت بإيماءةٍ خجولة. عندها تساقطت خصلاتٍ من شعرها الذهبي على كتفيها كأنها سنابل قمحٍ تتمايل في حقلٍ عند الغروب.
قالت بصوتٍ خافت لكنه عميق:
ـ «أنا نصف عراقية… أمي من هنا، وأبي من الخليج.»
لم تُكمل، فقد شعرت بعيون محمد الخضراء تخترقها كالسيوف. ولعله لهذا السبب تنفر منه النساء رغم وسامته.
حينها مِلتُ نحوها مبتسمًا وقلت: «بردت قهوتي… ولأُخبرك بسرٍّ صغير: أنا لا أحب القهوة أصلًا! لكن يبدو أن عشتار تريد أن تبوح لي بأسرارها هذه الليلة.»
وضعت قدمها بخفة على رجل صديقي تحت الطاولة، كأنها تستأذنه أن يترك المكان. وحين نهض، لمحت في عينيه شرر الحسد؛ فليس كل كاتب يُتاح له أن تُحادثه آلهة من لحمٍ ودم.
أتريدون أن أصفها لكم؟
أنا لست بارعًا في وصف النساء… لكن يكفي أن أقول: كانت نسخةً من هند كامل، مع فارقٍ عجيب؛ ففي محدثتي امتزج الترف بالخجل، والدلال بالحكمة، حتى تحوّلت إلى أيقونة من أيقونات الجمال العراقي المترف.
استجمعت أنفاسها وقالت بثقةٍ رقيقة:
ـ «اسمي ريم صالح…»
سكتت قليلاً، وكأنها تختار كلماتها بعناية. كنت أتابع كل حركة، كل خفقة قلب، حتى نسيت وجود محمد معنا. ثم قالت بصوتٍ يملؤه الصدق:
ـ «قرأت بعض مقالاتك، وأردت أن أشكرك… لقد فتحت لي عالماً كنت أخاف الاقتراب منه.»
ابتسمت، فامتزج الدهشة بالإعجاب في داخلي. لم أتوقع أن تصل كلماتي إلى هذه النفوس الشابة بهذا العمق.
قلت لها بخفّة: «أحيانًا الكلمات تصنع أشياء لا نعلم عنها شيئًا… لكنها تعيش فينا، وتكبر كما تنمو الأشجار في الصحراء.»
أخذت نفسًا عميقًا، ثم همست:
ـ «أشعر أن هناك من لا يريد أن أكون هنا… ومن لا يرضى بهذه اللحظة.»
أدركت فورًا أنها تشير إلى محمد، وابتسمت في سرّي: «ليست كل اللحظات ملكًا لمن يمتلك القوة أو الوسامة… أحيانًا يكفي أن يكون القلب حاضرًا.»
نظرنا لبعضنا طويلاً، ثم ترددت بين الحياء والرغبة في البوح. شعرت بها، شعرت بها بكل تفاصيلها، وكأن كل حرف ينطق بما لم تقله، وكأن كل ابتسامة تحمل سنوات من صمتها وحلمها الضائع.
وفجأة، كأن العالم توقف للحظة واحدة، وكأن المكان أصبح مسرحًا لصمتٍ كامل… ثم قالت:
ـ «هل يمكن أن نلتقي مرة أخرى؟»
ابتسمت وأنا أجيبها: «نعم… الحلم لا يمكن أن يمرّ مرتين، لكن يمكننا أن نحتفظ به حيًا في صندوق ذكرياتنا.»
كانت تلك بداية قصة عابرة، لكنها ستظل محفورة في الصدور، كوميضٍ قصير، كعطرٍ يختلط بالهواء، كاسمٍ يتردد بين أروقة القلب… ريم صالح، عابرة الحلم.
بقلم .
هلع بين المستخدمين إثر تعطل تطبيقات شهيرة
اعتداءات المستوطنين تتصاعد بسرقة واقتحامات مستمرة
ما هي الألوان التي تناسب بشرتي
يزن النعيمات: النشامى جاهزون لكأس العرب 2025
مصر: نواصل جهودنا لتحقيق الاستقرار في السودان
فيديو زفاف ابنة شمخاني يثير غضب الإيرانيين
أعيان يشاركون باجتماعات البرلماني الدولي في جنيف
Visa — Mastercard تشغل سوريا والسلطات تحذر
ميزة جديدة من ميتا تثير جدلاً حول حماية البيانات
الأمن العام يطلق حملة شتاء آمن
الاحتلال ينتشر بكثافة في مدينة طولكرم
القطامين: منع الحافلات الأردنية يضر بالنقل وحجاج السعودية
تفسير حلم الامتحان للعزباء في المنام
دلالة رؤية ورق العنب للعزباء في المنام
41 دار نشر أردنية تشارك في معرض النيابة العامة الدولي للكتاب في ليبيا
مأساة قناة الملك عبدالله: صرخة تتكرر بحثاً عن حل جذري
إغلاق طريق كتم وتحويل السير إلى الطريق الرئيسي (إربد – عمّان)
الأردنية: فصل نهائي بانتظار طلبة شاركوا في المشاجرة الجامعية
وزارة الأوقاف تغلق مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث
وظائف ومدعوون للتعيين .. التفاصيل
اتفاق شرم الشيخ .. محطة جديدة في مسار الصراع