د. محمد محمد حسين .. والذكرى للإنسان عمرٌ ثان !

د. محمد محمد حسين  ..  والذكرى للإنسان عمرٌ ثان !

03-12-2025 11:47 PM

في لقاءٍ ماتع، اشرأبَّ له عُنقي أياما طوالا؛ لثقتي بأنني سأجني منه فوائد جمة، وأنعم فيه بدفء اللقاء، وأتريض خلاله في بساتين الفكر والأدب الغنَّاء، وأتجول في ميادين السياسة الشرعية التي يُجيد ضيفي الحديث فيها، وله فيها كتاباتٌ جادة، مضى الوقتُ سريعا مع صديقى القانوني د. عزمي شافعي المثقف الواعي بحضور زميل له، هو الآخر شغوف بالقراءة، وكيف لا ؟! فالطيورُ على أشكالها تقع !
دار الحديث سجالا، وتطرّق لنتاج العديد من أساطين الفكر، وعمالقة الثقافة، وكعادته دائما، ألقي د. عزمي شافعي حجرا في الماء الراكد، فلفتَ إلي أنَّ هناك مفكرين عظاما، وكتابا بارعين، لم ينالوا حظهم من اهتمام الإعلام وعنايته، رغم أثرهم البارز في ميدان الفكر، مؤكدا أنَّ العلامة د. محمد محمد حسين هو أحد هؤلاء النوابغ مهضومي الحق إعلاميا، رغم سموق مكانته، وعلو كعبه في ساحة الثقافة والفكر، وحراسته الأمينة لحمى الفكر الإسلامي، وتصدّيه لحملات الإغراب، التي قادها غربيون بمعاونة أناس من جلدتنا، تسمّوا باسمنا، ومضوا كالطوفان الهادر، ينفذون مُخططات أساتذتهم المحتقنين الحاقدين على الإسلام !
ولمن لا يعرف فالعلَّامة د. محمد محمد حسين أديبٌ إسلامي بارع، ومحاربٌ في ميادين الفكر، لم تنثني له قناة، ولم يغمد له سيف، إذ ظلّ سلاحُه مشهورا في وجه أعدائه، يكشف حيلهم، ويفند آراءهم ويبعثر أحلامهم بذهنه الوقَّاد، وأسلوبه المُعجِب، وحججه الرصينة، التي حوتها كتاباتٌ محكمة، واضحة الفكرة، قوية العبارة، مُرتبة العناصر .
وبرغم أنّ د. محمد محمد حسين غير مكثر في ميدان الكتابة، إلا أن أداءه الرصين يُذكرني بقول السموأل بن عادياء الشاعر الجاهلي الحكيم:
تُعيرُنا أنّا قليـــــــلٌ عديدنــا / فقلتُ لها إن الكـرام قليــــــل
وما قلّ من كانت بقاياه مثلَنا / شبابٌ تسامي للعلا وكهـــول
وهي قصيدةّ من عيون الشعر العربي، تؤكد أنّ العبرة ليست في العدد؛ لأن (العدد في الليمون)، ولكنها في الأثر، ومقدار النفع .
ود. محمد محمد حسين من مواليد محافظة سوهاج 1912م، وهو ما يكشف أنّ صلابة عبارته مُستمدة من مسقط رأسه، وأنّ قيم النخوة والحفاظ على الهوية الإسلامية مصدرها تلك النشأة المباركة في أحضان الريف، وأجواء الصعيد الأوسط، الحريص على مبادئ وتعاليم الدين .
تلقى في الصعيد تعليمه الأولي، وتخرّج في جامعة القاهرة، وحصل على الدكتوراه في الأدب، وعمل بجامعة القاهرة، والإسكندرية، وبيروت، وصنف تصانيف جادة، كانت مورد كلّ باحث عن الحقيقة البعيدة عن الزيف والتضليل، ومنها: (الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر)، والذي ردَّ فيه على طه حسين وغيره بالحجة والمنطق، فتجنب الصوت العالي، واحتمي بالدليل والبرهان الداعمين لرأيه، و(الروحية الحديثة .. حقيقتها وأهدافها)، و(اتجاهات هدَّامة في الفكر العربي المعاصر)، و(حصوننا مُهددة من الداخل)، لفت فيه إلي أهداف دعاوي التغريب الهدّامة، وخططها اللئيمة المتسترة بألبسة وأغطية برّاقة مثل: المدنية والتطوير، والنهضة وغيرها !
الخبر السار أنّ بعض الباحثين التفت لجهود د. محمد محمد حسين الجبّارة، مثل د. إبراهيم عوضين، الذي كتب كتابا بعنوان : (موقف د. محمد محمد حسين من الاتجاهات الهدامة)، أبرزَ فيه جرأة الرجل، وبيان حجته، ودفاعه المُستميت عن الهوية الإسلامية، وما يُحيط بها من أخطار، وكُتبت عنه رسالتا ماجستير إحداهما بالرياض، والأخرى بالإسكندرية، ولكنهما للأسف لم تنشرا .
والحق أنّه بالقراءة في كتاب (حصوننا مهددة من الداخل) الموجود في ملف pdf على موقع (جوجل)، أدهشني أسلوب د. محمد حسين الآسر، وفكره الراقي، وحججه القوية، التي كشفت عن منهج واضح، ورسالة مخلصة تبناها خلال رحلة استمرت سبعة عقود، حيث توفي سنة ١٩٨٢م .
وأرى لزاما عليَّ أن أعلن شكري وامتناني لصديقي د. عزمي شافعي، الذي عرّفني بهذا العلم الشامخ، الذي سيظل شمسا بلا أفول !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد