حكايات العائدون من الموت
السجون والمعتقلات الإسرائيلية ليست اقل من قبور والاسري فيها موتي مع وقف التنفيذ , حياتهم تعد بالدقائق كل يوم يعيشوا آلم جديد , لكن الامل عندهم يتجدد ببزغ فجر الحرية يوما ما , قليل منهم قد يخرج من هذه المعتقلات بسلام والقليل من يبقي على وعي بالدنيا حوله حتي ان منهم من لا يتعرف على اقرباءه بعد التحرر والقليل القليل يخرج بلا امراض او عاهات مستديمة نتيجة للحرمان من الطعام والحرمان من العلاج والتعرض للضرب المبرح والصعق بالكهرباء واطلاق الكلاب المسعورة والمدربة تنهش أجساد الاسري وفي بعض الحالات تغتصبهم , انها سجون الموت والإعدام البطيء ليس هناك توصيف لها اقل من ذلك , سجون خارج المراقبة الدولية وخارج هذا العالم المتباهي بالإنسانية وخارج التصور الإنساني ,وخارج عالم حقوق الانسان المتباهي بالدفاع عن هذه الحقوق والذي يكاد لا يعرف شيئا عن الجرائم البشعة التي ترتكب في هذه السجون ويكاد يتجاهل ان هناك الالاف من الفلسطينيين يعتقلوا في ظروف غاية في البشاعة وغاية في الا ادمية وانتهاك صارخ لا دميتهم ,لا يحق لهم ان تبحث قضاياهم امام محاكم عادلة فقد توقفت المحاكم ولم يقدم اسير واحد بعد السابع من أكتوبر للقضاء الإسرائيلي بل انه يسجن ويعذب حتي لو اعترف بتهمة ما لكنه يبقي يخضع لجولات تعذيب متكررة حسب ما يريد السجان او ضابط التحقيق.
صفقة التبادل الأخيرة والتي قضت بتحرر ما يقارب 2000 اسير فلسطيني كشفت امام العالم مأساة الاعتقال وكشفت بشاعة جرائمه التي يرتكبها بحق الاسري الفلسطينيين، تعذيب وحشي، اعدامات بالخنق والصعق بالكهرباء، إطلاق نار متعمد على الرأس والصدر، تكسير الضلوع تهشيم الاسنان والفكين بخلاف التعذيب بالضغط على المناطق الحساسة وادخال أدوات حديدية فيها هذا بخلاف التجويع والشبح طوال النهار والحرمان من النوم والاستحمام. وصل الاسري المحررين خانيونس مذهولين بدت عليهم ملامح الصدمة النفسية واثار التعذيب المختلفة منهم من كسرت زراعية ومنهم من بترت قدمه، ومنهم من هشمت اسنانه،ومنهم من فقد عينه ومنهم من أحرقت أجزاء من جسده والكثيرين منهم ظهرت عليهم اثار التعذيب الوحشي والحاط بالكرامة الإنسانية، قد يكون هذا أصبح شيئا من الماضي بمجرد ان تمت عمليه التحرر لكنه يبقي وجعا عميقا في النفس البشرية لا اعتقد ان تمحيه السنين، لكل عائد حكاية الم ووجع وحكاية فقدان انها حكايات العائدين من الموت بتفاصيلها المرعبة والمروعة والبشعة .
تحدث أحد الاسري ان ضابط التحقيق في السجن ابلغه ان جميع افراد اسرته قضوا في القصف الإسرائيلي لبيتهم في غزة وان جميع افراد اسرته قتلوا ولم يبقي له أحد الا انه عندما تحرر واطلق سراحه اكتشف ان هذا ضابط التحقيق او عنصر الشاباك كان يستخدم هذه الأكاذيب ليمارس شكل من اشكال التعذيب النفسي على المعتقل وبالتالي يحدث حالة انهيار حاد في التركيز وعندها يعترف هذا المعتقل بكل ما يريده المحقق لكن هذا لم يحدث في غالب الأحيان لان الفقدان يزيد المعتقل إصرارا على النضال والصمود والصبر , لم يصدق ما راه بأم عينة عندما راي زوجته وأولاده على قيد الحياة عانقهم باكيا بلوعة والم وكانه استعادهم من الموت , لكن الحقيقة هو الذي عاد من الموت وعاد واقفا ليحكي حكاية العائدون من الموت لتبقي في دفتر التاريخ تشهد على جرائم الاحتلال الصهيوني التي لا نهاية لها .
معتقل اخر حالة كحال أكثر من عشرة الاف معتقل في السجون الإسرائيليين معزولين عن العالم ويبدوا انهم يعيشوا في عالم اخر صدموا مرتين مرة عندما بدأت حافلة الاسري تدخل غزة من معبر كرم أبو سالم فقد اصابهم الذهول عندما شاهدو الدمار الهائل والرهيب للمباني والطرق في القطاع وكأنهم يدخلوا مدينة من المدن التي دمرت في الحرب العالمية الثانية، اثار الدمار الهائل الذي شاهده رفع درجة مخاوفه بان لا يجد اسرته المكونة من ثلاث أبناء وبنت وزوجة احياء وبدأ يتساءل في نفسه هل هم الان موتي تحت اكوام من الركام ..؟ ام هم موتي في قبور...؟ لا أحد يعرف اين هي تلك القبور ام هم موتي في قبور بمقبرة العائلة؟ كل تلك التساؤلات لم تبقي ولو خيط رفيع من الامل بان يبقوا احياء وكان أحاسيسه قالت له الحقيقة فما كان ان يصل مستشفيي ناصر في خانيونس حتى بدأت عيناه تتطاير لرؤية أحد منهم لكن للأسف بلا جدوى فقد كان في استقباله فقط بعض افراد من أبناء عمومته الذين لم يقولوا له شيء لكنه فهم من الدموع في اعينهم بان كامل اسرته قد مسحت من السجل المدني الام والزوجة والأبناء حالهم كحال الالاف الاسر في القطاع.
حكاية اخري لاب وأبنائه الاثنين تقول انهم بالفعل عادوا من الموت فعندما تم نشر قائمة الاسري الذي سيفرج عنهم من السجون في إطار صفقة التبادل لم يصدق ذويهم انهم احياء لأنهم وجدوا رفاتهم بالقرب من البيت في خانيونس وقاموا بدفنهم واقاموا لهم بيت عزاء بما يليق بالشهداء. انتظرهم اقربائهم في ساحة الانتظار بمستشفيي ناصر حتى وصلت حافلات الاسري ولم تكن الدهشة على وجوه ثلاثتهم كبيرة واعتقدوا ان الجميع يعرف انهم احياء لكنهم قرأوا وجوه اقربائهم وادركوا انهم كانوا يعتقدوا انهم في عداد الشهداء ولم يعرف او يخبرهم احد انهم في المعتقل , استمر العناق بضع دقائق وانطلق الركب الي حيث تقيم العائلة في مواصي خانيونس في مخيمات النزوح ليجدوا انفسهم قد عادوا من الموت عندما استمعوا لاحاديث المستقبلين الذين لم يستطيعوا تخبئه اندهاشهم من هذا الحدث الذي لم يخطر لهم على بال ولم يكن قد ساورهم الشك بنسبة 1% بانهم احياء لان دليل موتهم قد وجدوه بالقرب من البيت الذي سيكونه , وهنا بدأوا يسردوا حكاية اعتقالهم من قبل جيش الاحتلال والتعذيب الذي لاقوه وهم مكبلين محملين في المدرعات الإسرائيلية قبل ان يصلوا المعتقل فالتعذيب وجولاته في المعتقل شيئا اخر.
اما حكاية المعتقلة التي اعتقلتها القوات الخاصة بعد ان اعدموا زوجها في البيت امام اعينها واعين اطفالها فكانت امر اخر ,هي تعرف ان زوجها استشهد وبقي اطفالها واكبرهم لم يتجاوز التسعة سنوات والذي رفض ترك امه لوحدة بأيدي القوات الخاصة واراد ان يعطيها ثوب الصلاة فاعتقلته القوات الخاصة مع امه واطلق سراحه بعد ساعات, اعتقلت الام وهي لا تعرف عن اولادها أي شي ,كيف يناموا وماذا يأكلون وكيف يعيشوا وهل سيستقبلونها عند الوصول ام لا وكثيرة هي الأفكار التي لاحت في وجدانها لكن الكم الأكبر من هذه الأفكار كان في حدود التساؤل ما اذا كانت تعيش حلم وتستفيق منه في الزنزانة وتدرك ان سراحها لم يطلق وانها ليس اكثر من أحلام , وهناك امر اخر انها كانت حتي قبل ان تصل معبر كرم أبو سالم وتدخل أراضي القطاع وهي تخشي ان تكون مسالة الافراج عنها عبارة حيلة ولعبة من ادارة السجن والمحققين كشل من اشكل الضغط النفسي لانتزاع اعتراف منها .
حكايات من موت وحياة، حكايات الم ووجع، حكايات لا تنسي، تبقي حية في ذاكرة الأسير المحرر ان بقي له أبناء يحيكها لهم وان لم يبقي له أبناء سيحيكها للأخرين لأنها تكشف كم هو المحتل مجرم وبشع . حكايات الاعتقال وما بعد الاعتقال كلها تشبه حكايات العائدون من الموت وقد لا تكون عنهم أنفسهم لأنهم يحملوا رسائل حياة اخري من معتقلين اخرين لم يحرروا تبقوا خلفهم في المعتقلات آلام وآمال، شوق للحرية التي يحلم بها المعتقلين دون ان يصلوا اليها فكثير من المعتقلين يموتوا في المعتقل وحتى ان بعضهم يرفض الاحتلال تسليم جثمانه لذويه بعد الموت ، ستبقي حكايات العائدون من الموت تاريخ يسجل في سجل جرائم الاحتلال الصهيوني وتبقي كل تلك الجرائم جرائم حرب حتى لا يفلت من ارتكبوها من العقاب لأنها ليست جرائم حرب فقط بل جرائم بحق الإنسانية.
Dr.hani_analysisi@yahoo.com
التكنولوجيا تتصدر الجامعات الأردنية في مؤشر النزاهة للمرة الثانية
Zain Great Idea يجمع نُخبة من الخُبراء الدوليين
موسم الزيتون مبشر واستقرار متوقع في الأسعار
الجامعة الهاشمية تبحث التعاون مع 13 جامعة صينية
بورصة عمان تغلق تداولاتها على ارتفاع
الملك يصل إلى مقر انعقاد قمة دول جنوب أوروبا "ميد 9"
الملك وولي العهد يزوران مسجد ليوبليانا في سلوفينيا
انتهاء التسجيل الأولي للحج مساء الأحد المقبل
هلع بين المستخدمين إثر تعطل تطبيقات شهيرة
اعتداءات المستوطنين تتصاعد بسرقة واقتحامات مستمرة
ما هي الألوان التي تناسب بشرتي
يزن النعيمات: النشامى جاهزون لكأس العرب 2025
مصر: نواصل جهودنا لتحقيق الاستقرار في السودان
تفسير حلم الامتحان للعزباء في المنام
دلالة رؤية ورق العنب للعزباء في المنام
41 دار نشر أردنية تشارك في معرض النيابة العامة الدولي للكتاب في ليبيا
مأساة قناة الملك عبدالله: صرخة تتكرر بحثاً عن حل جذري
إغلاق طريق كتم وتحويل السير إلى الطريق الرئيسي (إربد – عمّان)
الأردنية: فصل نهائي بانتظار طلبة شاركوا في المشاجرة الجامعية
وظائف ومدعوون للتعيين .. التفاصيل
وزارة الأوقاف تغلق مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث
اتفاق شرم الشيخ .. محطة جديدة في مسار الصراع