السوريون في مواجهة أزمة الجفاف

mainThumb

21-10-2025 08:54 PM

حذَّرت تصريحاتٌ وتقاريرٌ أممية صدرت عن الأمم المتحدة ووكالات متخصصة، بينها برنامج الأغذية العالمي من تردي الأوضاع الغذائية في سوريا، وقالت الأمم المتحدة، إن سوريا تواجه مخاطر حقيقية من ناحية الغذاء، بينما أعلن برنامج الأغدية، أن انخفاض إنتاج القمح بنسبة 40 في المائة للموسم الأخير يهدد 3 ملايين نسمة بالجوع الشديد، نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد عام 2025، ودمر المحاصيل البعلية بنسبة 95 في المائة في حالة لم يحدث مثلها منذ أواخر الثمانينات.

وللحق فإنَّ مشكلة الجفاف وتأثيره على تدهور الوضع الغذائي لا تقتصر على سوريا وحدها، بل تتعداها إلى دول الجوار، حيث ضرب الجفاف منطقة شرق المتوسط كلها، وبالتالي أثَّر على مواسمها الزراعية جميعاً، لكن الوضع في سوريا، كان الأصعب، فإضافة إلى الجفاف، تدخلت عوامل متعددة سياسية واقتصادية وأمنية، جعلت مشكلة الغذاء في سوريا خطيرة بصورة لم يسبق أن حدثت عبر أكثر من ستين عاماً مضت.

إنَّ أبرز عوامل تصعيد أزمة الغذاء في سوريا، إضافة إلى الجفاف ونقص المياه، تتمثل في التركة الثقيلة التي خلَّفها النظام السابق، والتي أصابت في سنوات الحرب 2011-2024 مجمل النشاط الاقتصادي، وخاصة القطاع الزراعي والحيواني، وقطاع الصناعات الغذائية، وقد أصيب أغلبها بالدمار الشامل، ودمرت وشتَّت معها القوى العاملة، والعامل الثالث هو استمرار غياب سياسة زراعية تناسب واقع الحال السوري بما فيه من تطورات بيئية منها الجفاف ونقص المياه وتلوث الأراضي، وأوضاع بشرية تتصل بما طرأ على سكان الريف من تغييرات في أعدادهم وخبراتهم، وكل ذلك مضاف إلى نقص في مستلزمات الزراعة من تمويل وأسمدة وبذور، والعامل الرابع يجسده تراجع المساعدات الإنسانية، التي توقف أغلبها، وانخفاض أغلب ما تبقى منها نتيجة الأزمات الاقتصادية، وهو وضع يمكن أن يستمر لأكثر من 6 أشهر حسب تقديرات الخبراء الدوليين.

إن استمرار الأزمة لستة أشهر قادمة ينذر بخطر شديد، أقله مضاعفة أعداد الذين ستضربهم المجاعة، مما يمكن أن يرفع التقديرات حسب المصادر الأممية إلى أغلبية السكان منهم نحو النصف في «حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد»، ونحو السدس «معرضون لخطر الجوع المباشر».

يتطلب الوضع الخطر للغذاء في الواقع والتوقعات، تحركات متعددة في المستوى الداخلي، تتشارك فيها الحكومة وتخصصاتها ذات الصلة وعموم السوريين كل من موقعه ومسؤولياته وإمكاناته أيضاً، حيث مطلوب من الحكومة خطة طوارئ تواجه تهديدات الأزمة الغذائية، وترسم سبل تجاوزها، وتقوم بتنفيذها بأعلى قدر من الاهتمام والمتابعة، وصولاً إلى النتائج المقدرة، إضافة إلى خطة استراتيجية هدفها توفير الأمن الغذائي وتحصين السوريين ضد المجاعة أو تهديداتها، وهذه الأخرى ينبغي أن تكون تحت التدقيق والاهتمام والمتابعة بأعلى مستوى.

ولا يحتاج إلى تأكيد أنه لا يمكن رسم ولا تنفيذ أي خطة طارئة بأهداف محددة كانت أو استراتيجية بمحتوى أزمة غذاء، من دون إشراك أوسع فئات المجتمع أو ممثليهم على الأقل في رسم ملامح الخطة والمشاركة الفاعلة فيها، وخاصة الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني والجماعات الأهلية، وسيكون لمشاركة فئات المجتمع وفعالياته قيمة كبرى، لأن القضية تمس أهم احتياجاتهم، ودورهم فيها كبير، سواء باعتبارهم المنتجين للغذاء أو المستهلكين، والمطلوب منهم تحقيق احتياطي في الإنتاج، يمنع تهديدات لاحقة للأمن الغذائي.

ولا تقف مسؤولية الحكومة عند المستوى الداخلي، بل تمتد إلى المستوى الخارجي سواء في العلاقة مع المنظمات الدولية أو مع الحكومات، وقد شارك العديد منها بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إطالة الحرب في سوريا وما خلفته من كوارث، ليست أزمة الغذاء في العميق إلا واحدة من نتائج الحرب، وبعض تلك الدول لعبت دوراً في تأخير رفع العقوبات عن سوريا بعد سقوط نظام الأسد وبدء عملية إعادة بناء البلاد، وساهمت في وقف المساعدات الدولية أو خففت منها، وكله يفرض إعادة النظر بما سبق، وخاصة استئناف المساعدات الدولية من جهة، وتحميل الدول التي شاركت في الحرب مسؤولية دفع تعويضات عما ألحقته بسوريا من أضرار وخسائر.

وإذا كانت المساعدات الدولية وتعويضات دول الحرب، التي لا بد من دفعها، ستسهم في مواجهة أزمة الجفاف واحتمالاتها في سوريا، فإن الأهم في العلاج هو دور السوريين بحكومتهم ومجتمعهم، وهو دور إذا تفاعل بصورة إيجابية وخلاقة، سيغير كثيراً من المعطيات القائمة، ويعيد الاعتبار لكثير من التوجهات والأفكار والأطروحات، التي يبدو أن نقاش السوريين ومواقفهم الظاهرة في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي دفعتها في وادٍ سحيق.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد