هل تعلم فيروز ماذا وقع في المغرب بسببها

هل تعلم فيروز ماذا وقع في المغرب بسببها

12-12-2025 04:33 PM

للمطربة فيروز أغنية قديمة غير معروفة كثيرًا، تعود إلى أواخر الستينيات، وتحمل عنوان «سافرت القضية». تذكر مصادر إعلامية أن فيروز غنّتها في الجزائر، قبل أن تُمنع بعد ذلك من البث. يقول مطلع الأغنية التي تتحدث عن القضية الفلسطينية: «سافرتِ القضية تعرض شكواها/ في ردهة المحاكم الدولية/ وكانت الجمعية قد خصصت الجلسة/ للبحث في قضية القضية/ وجاء مندوبون عن سائر الأمم/ جاؤوا من الأمم/ من دول الشمال والجنوب/ والدول الصغيرة/ والدول الكبيرة/ واجتمع الجميع في جلسة رسمية.»
خطرت ببالي هذه الأغنية، لأن المطربة اللبنانية صارت هذه الأيام بنفسها «قضيةً» في المغرب، واسمها يَرِدُ على كل لسان وموقع. ففي مدينة تازة بشرق البلاد، رجل يعشق السيدة فيروز صوتَها وغناءَها. ولذلك، تهفو نفسه إلى إطلاق أغانيها عبر شاشة التلفاز الموجودة في مقهاه.
والظاهر أن لهذا المقهى زبائن ذوّاقين للطرب الرفيع، يستهويهم الجمع بين ارتشاف الشاي والقهوة والاستمتاع بأغاني فيروز. لكنّ «شُرطةً» من نوع خاص، ارتأت أن تُفسد على أولئك الزبائن متعتهم، عندما دخل بعض أفرادها على حين غرة، فضبطوا مالك المقهى «متلبّسًا» بالفعل المحظور، والمتمثل في تشغيل أغاني الفنانة التي تحمل لقب «جارة القمر». ومن ثم، نزلوا عليه بغرامة مالية ثقيلة، بتهمة بث قطع غنائية دون ترخيص!
وحين قامت الضجة على هذا الحدث الغريب، سارع «المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة» إلى تبرير ما قام به مندوبوه في المقهى المذكور، عبر بيان أسهب فيه باستعراض تفاصيل حقوق الفنانين من وراء بثّ أغانيهم في أماكن مخصصة للاستعمال التجاري. وذكر أن أيّ بث عمومي لمحتوى فني أو موسيقي أو سمعي بصري داخل فضاء تجاري يُعدّ استعمالاً لمُصنّفات محمية، ويستلزم ترخيصًا مسبقًا تحت طائلة المتابعة القانونية. كما أوضح أن عملية أداء الحقوق ليست غرامة أو عقوبة، وإنما هي حق مادي بسيط يضمن للمبدعين الحصول على مقابل عن استغلال أعمالهم.
وحسب ما يُفهم من بيان «المكتب المغربي»، فإن هذه الخطوة ستتلوها خطوات أخرى مماثلة، انسجامًا مع العمل الاعتيادي لـ «شرطة» الأغاني، في باقي المقاهي المغربية.
معنى ذلك أن «المكتب» المعني يتولّى جمع المستحقات المالية لإرسالها إلى ذوي الحقوق وفي مقدمتهم السيدة فيروز. لكنْ، هل تقبل هذه الفنانة العملاقة أن يُحرَم مُحبّو فنّها الرفيع من الاستمتاع به في المقاهي، بحجّة عدم سداد الحقوق المالية؟ وهل بلغ إلى علمها ما جرى لمالك المقهى المسكين في مدينة تازة؟
ونواصل التساؤل هذه المرة على لسان أحد المدوّنين: «هل منحت الفنانة فيروز، الراقية والعظيمة، تفويضًا للاتحاد الدولي أو لمكتب حقوق المؤلفين من أجل استخلاص المال من المعجبين بأغانيها؟» وعبّر المدوّن نفسه عن اعتقاده بأن «فيروز، باعتبارها من أهرام الأغنية العربية، مستبعدٌ جدا أن تطلب المال عن بث أغانيها سواء من الإذاعات أو التلفزيونات أو من المعجبين أو أرباب المطاعم والمقاهي»!

قائمة الممنوعات!

اعتاد زبائن عدة مقاهٍ في المغرب أن يجدوا يافطات صغيرة ذات عبارات منع غريبة، من قبيل: «يُمنع تدخين المخدرات في المقهى»، ما يعني أن تناول الممنوعات قد يكون أمرا عاديا في بعض المقاهي.
ويكتب آخرون كلامًا موجّهًا إلى الطلبة، مفاده: «يُمنع مراجعة الدروس في المقهى». كما قد يكون موجّهًا إلى العموم بالتنصيص على أنه «يُمنع استعمال الكمبيوتر في المقهى».. مع أن ثمة استثناءات تُظهِر أريحية أصحاب مقاهٍ أخرى وسموّ ذوقهم، حيث يوفرون مقابس كهرباء كثيرة في المقهى من أجل تشجيع الزبائن على شحن لوحاتهم الإلكترونية أو هواتفهم أو حواسيبهم المحمولة.
يبقى إذًا لأصحاب شعارات المنع أن يكتبوا: يُمنع الاستماع إلى أغاني فيروز في هذا المقهى. أو عبارة أخرى أكثر دقّة: «آسف، هذا المقهى لا توفر خدمة الأغاني، وفق أوامر مكتب حقوق التأليف»!
ووردت أخبار أخرى تفيد بأن صاحب مقهى آخر في مدينة تازة نفسها نزلت عليه غرامة مبلغها 9640 درهم (أي حوالي ألف دولار أمريكي) كمستحقات لصالح «المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة». الشيء الذي جعل مدوّنًا يتساءل: ماذا سجل عليه هذا المكتب من مخالفات حتى استحق تلك الذعيرة؟ وهل وجد عنده أم كلثوم وعبد الحليم حافظ مختبئيْن في المقصورة؟!
والسؤال الأهم في نظرنا المتواضع، هو أين اختفى أصحاب شعار «تازة قبل غزة» الذين ما فتئوا يملأون الدنيا لغطًا وضجيجًا، محتجّين على مظاهرات التضامن مع الفلسطينيين في المدن المغربية، وداعين إلى الاهتمام بالقضايا الداخلية للوطن أولاً؟
حسنًا، ها هي ذي قضية بين أيديكم، فماذا أنتم فاعلون؟ قضية مواطن من تازة ـ وليس غزة ـ نزلت عليه غرامة باهظة لمجرد بث أغانٍ راقية.
ربما سيقولون: كان عليه ألا يبث أغاني فيروز، فلسنا قوميين، وهذه المطربة بعيدة عنّا في المشرق العربي. ولعل لسان حالهم يتوافق مع ميول وزير الثقافة المغربي، محمد مهدي بنسعيد، الذي ما فتئ يدافع عن نجوم «الراب» الجدد، ويبرّر ما يصدر عنهم من انزلاقات في كلمات الأغاني وفي اللباس والحركات والإيماءات بـ «حرية الإبداع»، حتى ولو كانت تخدش حياء الأسر المغربية المحافظة، مثلما حصل منذ شهور في إحدى السهرات المبثوثة عبر التلفزيون.
وبناءً عليه، نجازف بالقول إنه لو كان ذلك المقهى في تازة يبثّ أغاني «الراب» الجديدة ما اقتربت منه «شرطة» حقوق التأليف!
فهل الحملة ضد أغاني فيروز مقصودة، من أجل القضاء على ما تبقى من ذوق سليم وفن رفيع، للوصول إلى تنميط الذوق والفكر والمشاعر؟

«قصاير» حكومية!

لا ريب في أن «التنميط» استراتيجية معتمدة لدى حكومة أخنوش، وآية ذلك أنها تتحكم في الإعلام من. خلال التحكم في «صنبور» الدعم المالي، ومن المعلوم أن المال إحدى وسائل السيطرة على الصحافة البعيدة عن الاستقلالية.
وفي هذا الصدد، ذكرت تقارير أن المقاولات الصحافية المغربية استفادت، خلال العام المنصرم، من دعم مالي بلغ 325 مليون درهم مغربي (حوالي 35 مليون دولار أمريكي)، وهو دعم مرشّح للارتفاع أكثر السنة المقبلة. مما يعني أن حكومة أخنوش ضمنت أثناء ولايتها سندًا إعلاميًا قويًا في المواقع الإلكترونية وما تبقى من صحف ورقية، يُبارك خطواتها ويصفّق لها «آناء الليل وأطراف النهار».
بيد أن هناك استثناءات إيجابية تجسّدها قلّة من المدوّنين و»اليوتيوبرز»، مثلما هو الشأن أيضًا لدى نواب معارضون لا يخشون في قول كلمة الحق لومة لائم.
ومن حسنات النقل التلفزيوني المباشر لجلسات البرلمان أنه يتيح للمُشاهدين اقتناص لحظات منفلتة من الزمان، يفضح فيها نوابٌ الحكومة، آخرها كان مع نائبة برلمانية معارضة قالت إنه من غير المعقول أن يبقى الوزراء منتشين بـ»القصاير» (أي الحفلات الممتعة) في الأقاليم، وينسوا واجبهم الدستوري في حضور جلسات الأسئلة البرلمانية.
وهي بذلك تشير بالهمز واللمز إلى اللقاءات المتواصلة التي يعقدها رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، وكذا الوزراء المنتمون إلى حزبه «التجمع الوطني للأحرار»، في مختلف أقاليم المغرب، من أجل الترويج لما يسمونه إنجازات حكومية، في ما يشبه حملة انتخابية سابقة لأوانها قبل استحقاقات سبتمبر/ أيلول 2026!

كاتب من المغرب



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد