أبو مرزوق وقناة «الغد» .. الاسم «روابي» والطعم بلدي

mainThumb

25-10-2025 11:26 PM

هل يجوز انسحاب يوسف أبو مرزوق من مقابلة قناة «الغد»، كما فعل، واعتبره البعض تصرفًا لا يليق، كما اعتبره آخرون تولي يوم الزحف، يوم التقى الجمعان؟!
الإجابة على ذلك تستدعي الاحتكام إلى القواعد والتقاليد المستقرة في ممارسة العمل الإعلامي، ضيفًا ومضيفًا، ومن المؤسف أنه لم تعد هناك أعراف أو تقاليد في الربع قرن الأخير، حيث اختلط الحابل بالنابل، وغطى الزيت على الفول، وصرنا في فتنة كقطع الليل المظلم، ولم تضع الحالة التلفزيونية الجديدة قواعدها بعد، فصار المذيع ضيفًا يشاكس ضيفه، ويستعرض عضلاته عليه، بدلًا من حشد مهاراته المهنية ليصل إلى النتيجة نفسها وربما أفضل.
التقاليد القديمة كانت تنص على أن الأستوديو بيت المذيع، وأن الآخر هو ضيف حلّ عليه فوجب تقديره واحترامه، وهو لا يزال إلى الآن يُطلق عليه «ضيف»، لكن بدون حقوق الضيافة، في وقت صار فيه المحاور يُعرف بناريته، وكيف أنه أفحم ضيفه، وأنه يملك قوة قتل ثلاثية، كإعلان ترويجي لمبيد حشري يفتك بالصراصير وعموم الحشرات.
وقديمًا عرفت الصحافة مقابلات المحاكمات أو الاستجوابات، لكن الصحافي لا يطرح سؤاله مسكونًا بالهمز واللمز، أو متبنيًا لما يُطلق من اتهامات، لكن الآن اختلطت الأوراق والتفت الساق على السابق، كما حدث في المقابلة النموذج بين مذيعة قناة «بي بي سي» والقيادي في جماعة الحوثي، والتي كانت في وضع «الموال» الشهير: صياد رُحت اصطاد صادوني!
كانت في المقابلة تتبنى رأيًا تعلنه بدون محسنات طبيعية وكأنها ترامب، فيأتي سؤالها، كما لو كانت خصمًا لا ناقلة للرأي الآخر، وكان مزاج الزعيم الحوثي عاليًا، ويبدو أنه قدّم للقاء بعد جلسة قات سمت بحالته النفسية، فتلاعب بها، والمدهش أنها كانت في بلاهة فلم تنتبه إلى أنه يلعب بها كرة شراب، حتى صارت هذه الحلقة مما يجوز تدريسه في كليات الإعلام، ضمن سياق ما لا ينبغي أن يكون عليه المذيع!
لا داعي للتكرار، فقد كتبت عن هذه المقابلة ولا زلت إلى الآن أشاهدها بدون ملل، لتضاف إلى قائمة الأعمال التي أشاهدها أكثر من مرة، من باب الترويح عن النفس، مثل مسرحية «سك على بناتك» للقدير فؤاد المهندس، والمبدعة سناء يونس، والرائع محمد أبو الحسن، رحمة الله على الجميع!

الهمز واللمز ومكايدة المذيع

ما علينا، فلعل نهاية مرحلة القيم الإعلامية تعود إلى هيمنة النموذج الأمريكي على كل شيء، تمامًا كما غزت الثقافة الأمريكية في كل المجالات كل الأقطار، فهيمنت على حساب الجدية والرصانة، وفي الملبس والمأكل، وهي ثقافة همبرغر في الأكل، والجينز في الملابس، والفتونة في الإعلام، فأفسدوا الذوق العام حتى في فرنسا بلد التقاليد والتكلف!
ولا أعرف كيف يكون من حق المذيع أن يمارس المكايدة، وأن يطرح الأسئلة المسكونة بالهمز واللمز، ولا يكون من حق الضيف أن يحتج أو أن ينسحب أو يعلن اعتراضه على هذا النموذج، الذي لم يؤسس قاعدة بعد، وليس نابعًا من أعراف إعلامية راسخة؟!
مقابلة «الغد» مع موسى أبو مرزوق، لم تنته من أول لحظة، فقد طرحت عليه أسئلة مفخخة فأجاب وأفاض، وهي أسئلة إدانة للمقاومة، ولا بأس في ذلك، وأجاب الرجل حتى في ما يختص بالتقييم، فلا يجوز ذلك والحرب مشتعلة، إلى أن وصل إلى سؤال: هل كان هجوم 7 أكتوبر (هكذا يسميه المذيع ويلح على هذه التسمية) سيؤدي إلى التحرير؟ معلنًا أن هذا هو رأي الشارع في فلسطين، والشارع في غزة. وردّ عليه أبو مرزوق بأن هذه أسئلتك أنت؟!
بيد أن المذيع أصرّ إصرارًا، وألحّ إلحاحًا على أنها أسئلة الشارع في غزة، ولو أنه استمع إلى الإجابات السابقة لضيفه لوجد فيها الإجابة على سؤاله، فقد تحدث من قبل السؤال عن أن تاريخ حركات التحرر في الجزائر والمغرب وليبيا والتي لم تنتصر في جولاتها الأولى، فلا يُلام المظلوم في رفع الظلم عن نفسه، وأن نتائج نضال حركات التحرر في ظل موازين القوى قد لا تكون صحيحة، لكن في النهاية تحررت الجزائر والمغرب وليبيا.
ومع كل هذا التوضيح، فإنه بدا واضحًا أن هناك كمينًا منصوبًا للرجل من خلال طرح سؤال التحرير، ولا نعرف حدود مسؤولية المذيع – أي مذيع – وهو في أغلب الأحيان مسيّر لا مخيّر، ويدار من الخلف، ولهذا قلت في السابق: لولا السماعة التي تربط المذيع بالكونترول لما أمكن أن يستمر كثيرون في الوظيفة!
منذ بداية الطوفان إلى نهايته لم يقل أحد إن الهدف منه هو التحرير، والحروب بأهدافها، لهذا فإن المتفق عليه داخل إسرائيل أنها لم تنتصر في حربها، لأن الأهداف التي وضعها نتنياهو لم تتحقق.
وقد يرى البعض أنه ما كان لموسى أبو مرزوق أن ينسحب من اللقاء، لا أعرف استنادًا إلى أي قواعد، ونحن في مواجهة مهنة تُمارس بعيدًا عن التقاليد والأعراف. لكن هل من الطبيعي أن يقبل أبو مرزوق اللقاء منذ البداية وهو يعرف مالك القناة؟!
في بداية طوفان الأقصى، فإن محمد دحلان مالك «الغد» ظهر عبرها وانحاز له وبرره، وكم سيكون مناسبًا أن تستضيفه القناة الآن لتسأله عن عشرات السنوات التي قضتها منظمة التحرير تتبنى ما تتبناه حماس الآن، وكم الأموال التي جُمعت لصالحها من أجل هذا الهدف قبل اتفاقيات أوسلو، وهل حرر الاتجاه الجديد للمنظمة ولحركة فتح فلسطين؟!

من فمك أدينك يا فتى!

آخر أخبار المبادرة الرئاسية بتطوير الإعلام: ما زلت أنتظر أن يخيب القوم في القاهرة توقعاتي لهم بالفشل، وهم يعقدون الاجتماعات ويشكلون اللجان لتنفيذ المبادرة الرئاسية بتطوير الإعلام المصري!
منذ البداية بدا لي أن المبادرة تستهدف الإعلام الرسمي صحافة وإذاعة وتلفزيون، وسألت إن كانت تعني الإعلام الخاص؟ وقد أجاب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عمليًا على السؤال، إذ شكّل لجنة مهمتها تطوير الإعلام الخاص منبثقة عن اللجنة الرئيسية لتطوير الإعلام، وعقدت أولى اجتماعاتها وناقشت التحديات مثل ضبط المحتوى، وتحسين الجودة، وتعزيز قدرات المؤسسات، ورفع كفاءة العاملين من خلال برامج تدريب.
وهو كلام عام وإنشائي، ما دام لم يتطرق إلى أصل الأزمة، وهو الهيمنة الحكومية على الإعلام، والقمع الذي لم تعرفه مصر ولو في ظل فرض الرقابة على الصحف، وفي ظل الضيق حتى بمنشور على منصات التواصل، وعندما يتم اعتقال الكاتب هاني صبحي لمجرد أنه كتب منشورًا على فيسبوك بعد هذه المبادرة وبعد هذا الاجتماع الأول، فالمعنى أننا أمام تجمع للتسلية وإضاعة الوقت!
إن المشكلة الأساسية في هذا الجانب هي أن السلطة احتكرت القطاع الخاص أيضًا، وقامت بتأميمه عن طريق ملكية الشركة المتحدة لترسانة من المحطات التلفزيونية، والإذاعات، والصحف، وقد فُرض على أصحابها التنازل عنها لصالح الشركة، وأول بند في تطوير الإعلام الخاص هو كسر هذا الاحتكار!
والسؤال المهم هنا: هل تنظر اللجنة المشكلة لإعلام الشركة المتحدة على أنه إعلام خاص أم رسمي؟ وهل هو مملوك لأفراد أم من أعمال السيادة؟!
توقفوا عن اللف والدوران لإثبات أن الأرض كروية.

الدعاية لنشرة الأخبار.. وتعالَ بص!

على طريقة الدعاية للمنتجات الغذائية، والاسم «روابي» والطعم بلدي، كانت الدعاية لنشرة الأخبار في قناة «القاهرة الإخبارية»، على نحو كاشف أن طارق نور، رئيس الشركة المتحدة، وهو صاحب شركة الإعلانات التلفزيونية الشهيرة، يكشف عن مواهبه الخارقة في التطوير، والإنسان ابن مهنته!
كانت الساعة في حدود الرابعة عندما أطلقت القناة فقرة دعاية لنشرة السادسة، وعلى طريقة عرض الأشياء رخيصة الثمن في ميدان العتبة: «بجنيه ونص.. وتعالَ بص»، حيث كانت مذيعة ومذيع يقدمان فقرة تسويقية من داخل الأستوديو، وانضم إليهما آخرون ضمن الفقرة للتشويق، فانتظروا نشرة الأخبار وستجدون ما يسركم.
هذه هي العقليات المنوط بها وضع خطة لتطوير الإعلام المصري.
«روابي بطعم الزبدة الفلاحي».

صحافي من مصر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد