من قصص الخيال البوليسي .. الفصل الرابع

mainThumb

26-10-2025 08:06 PM

جريمة على شاطئ العشّاق

الفصل الرابع
الصدمة

بدأت علامات الاستغراب تتسع على وجه منى، كأنّها تحاول أن تفهم ما تراه عيناها، وقد ارتسمت على ملامحها علامة استفهامٍ كبيرة.
لم يكن أمامها بُدٌّ من الاتصال بدورية الشرطة… فهناك جثة ملقاة على قارعة الطريق.

وبعد أن أنهت مكالمتها، عادت إلى صديقتها هدى التي كانت جالسة أمام رأس خطيبها، وجهها جامد كتمثال من الحزن والدهشة.
قالت منى بدهشةٍ حادة:
ــ خطيبك؟!

ثم أمسكت بذراعها وسحبتها برفقٍ ممزوج بالحزم:
ــ “تعالي، اجلسي هنا، هذا الكرسي أبعد قليلًا عن الجثة.”

جلستا على مقعدٍ على بُعد أمتار من الجثة، بعد أن أعادت منى أوراق الأشجار لتغطيها، حتى لا يتجمهر الفضوليون وهواة الشائعات.
كان الجوّ مشبعًا برطوبة البحر، وصوت الموج يمتزج بأنين الريح، كأنه ينعى من رحل قبل أوانه.

قالت منى بصوتٍ هادئٍ لكنه يحمل نبرة التحقيق:
ــ “أخبريني الآن بكل ما حدث، من البداية إلى النهاية، قبل أن تصل دورية الشرطة وفريق البحث الجنائي. لقد استدعيتهم لمعاينة الجثة.”

كانت هدى في حالةٍ غريبة، مزيج بين الصدمة والذهول، والكلمات تخرج من فمها متقطّعة كأنها تستعيد مشهدًا من كابوس:
ــ “تذكّري… حين عزمتك على حفلة خطوبتي… وقلتِ إنك ذاهبة إلى تونس للتحقيق في قضية هناك…”

قاطعتها منى بسرعة:
ــ “نعم، كنت أحقق في جريمة اغتيال عائشة.”
(إشارة إلى قصة “لغز اغتيال عائشة” ضمن المجموعة القصصية للمؤلف)

تابعت هدى، غير منتبهة إلى مداخلتها:
ــ “وقتها أخبرتك أن الزواج تأجّل، وسافرتِ بالسلامة... والآن… العريس كان عبدالعزيز علي… صاحب تلك الجثة…”

ثم انفجرت باكية بحرقة:
ــ “عبدالعزيز… حبيبي! لم أتخيل أن أراك ممددًا هكذا… قتيلًا بلا نبض… بلا حياة…”

انهارت باكية، فيما حاولت منى تهدئتها وهي تلتفت حولها بحذر خشية أن يتجمهر الناس في المكان، فيتعرضا للأقاويل والإشاعات.
لكن الغريب أن أحدًا لم يقترب من تلك الناحية، وكأن القاتل اختار الموقع بعناية، لعلمه أن هذا الجزء من الطريق نادر الزوّار.

تمتمت منى بقلقٍ:
ــ “يا له من يومٍ كئيبٍ وغريب… كأن القاتل كان يعلم أن ضابطة شرطة وصديقتها ستسلكان هذا الطريق… فرمى الجثة هنا لتقودهما الأقدار إلى اكتشافها!”

نظرت إلى هدى بعين المحقّق الحادّة وقالت:
ــ “اسمعيني جيدًا… أريد منك كل ما تعرفينه عن عبدالعزيز. ربما ما تقولينه يقودنا إلى الخيط الأول في هذه الجريمة.”

تنفّست هدى بعمقٍ تحاول لملمة شتات نفسها وقالت بصوتٍ مرتجف:
ــ “عبدالعزيز علي… كان مدير أحد البنوك التجارية التي أتعامل معها. في يومٍ ما، حدثت مشكلة تتعلق بالقرض الذي طلبته لشراء منزل في هذه المنطقة الراقية.
أرشدني الموظف إلى مديره لحلّ الأمر، ولم يتردد عبدالعزيز، بل أنهى المشكلة خلال دقائق. تبادلنا أرقام الهواتف، وقال لي حينها:
‘إذا واجهتِ أي مشكلة، اتصلي بي، سأكون في خدمتك دائمًا…’”

سكتت لحظة ومسحت دموعها، بينما كانت منى تنظر نحو الجثة بعينٍ فاحصة.
انحنت قليلًا، لاحظت شيئًا لم تنتبه له في البداية — خدشًا طويلاً على معصم الضحية، وبجواره خيط رفيع من حريرٍ أزرق يكاد يلتفّ حول يده.
رفعت نظرها نحو الأفق وقالت في سرّها:

> “الخيوط الأولى بدأت تظهر... لكن من يملك الجرأة لربطها بالحقيقة؟”



يتبع...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد