شهادة الجودة .. وغياب المعنى الحقيقي
قرأتُ قبل أيام خبراً “احتفالياً” على أحد المواقع الإعلامية، يفيد بأن إحدى الجامعات الأردنية العريقة قد نالت شهادة ضمان الجودة المؤسسية من هيئة الاعتماد لمدة أربع سنوات، وكأنها فازت بجائزة نوبل في التعليم العالي! الخبر مكتوب بلغةٍ منمقة ومليئة بالعبارات الرنانة: "إنجاز وطني، تميز مؤسسي، فخر أكاديمي، خطوة نحو العالمية"... كلمات تلمع أكثر من الحقيقة نفسها.
ولأننا تعودنا أن نقرأ ما بين السطور، لا بد أن نسأل: ما قيمة هذه الشهادة فعلاً؟ هل هي دليل على جودة حقيقية في التعليم والبحث العلمي والمخرجات؟ أم هي مجرد ورقة تُعلّق في المكاتب الفخمة وتُرفع في المؤتمرات الصحفية لتزيين الصورة؟
إذا كانت الجودة تُقاس بالتصفيق والتصريحات، فكل جامعاتنا “جيدة جداً”. لكن لو قيست بمعايير الحقيقة، لوجدنا أن واقع الحال مختلف تماماً: مدرجات شبه فارغة، مناهج متكررة منذ عقدين، مخرجات تعليمية لا تجد طريقها إلى سوق العمل، وأبحاث لا تتجاوز رفوف المكاتب. أليس من الغريب أن جامعة عريقة بتاريخها وأساتذتها وخريجيها تنشغل بالاحتفاء بشهادةٍ مؤقتة صادرة من جهةٍ محلية، بينما كان الأجدر بها أن تنشغل بالمعنى الحقيقي للجودة؟ هل الجودة شهادة تُمنح على الورق، أم ممارسة تُترجم في القاعات والمختبرات والمجتمع؟
الجودة لا تُقاس بعدد اللافتات ولا بحجم الحفلات، بل تُقاس عندما يجد الخريج نفسه قادراً على العمل، وعندما يشعر الأستاذ أنه جزء من منظومةٍ محترمة، وعندما يرى المجتمع في الجامعة بيتاً للعقل والابتكار لا مؤسسة لتوزيع الأوراق.
المؤسف أن بعض الجامعات تحوّلت إلى مؤسسات علاقات عامة أكثر منها مؤسسات أكاديمية. تُصدر البيانات، وتُعدّ التقارير، وتلتقط الصور، وتنسى السؤال الجوهري: ماذا تغيّر فعلاً؟ كم بحثًا علميًا نُشر في مجلات مرموقة؟ كم مشروعًا ابتكاريًا خرج من قاعاتها ليخدم المجتمع؟ كم خريجًا وجد عملًا بفضل ما تعلّمه فيها؟
شهادة الجودة، في جوهرها، ليست هدفًا بحدّ ذاتها، بل نتيجة لمسار طويل من العمل والإصلاح. لكن حين تتحوّل النتيجة إلى هدف، يفقد الطريق معناه. فنحن لا نحتاج إلى من “يضمن” لنا جودةً شكلية، بل إلى من يصنع الجودة فعلاً من خلال إصلاح البرامج، وتحديث المناهج، وتمكين أعضاء هيئة التدريس، وتوجيه البحث العلمي نحو مشكلات الوطن الحقيقية.
الجامعة التي تركض وراء الشهادات مثل من يسعى لالتقاط صورٍ جميلة في مرآةٍ مشروخة. تلمّع وجهها أمام الكاميرا، لكنها تنسى أن الواقع يرى ما وراء الصورة. ما فائدة شهادة جودة إذا كانت مكتبة الجامعة خاوية، والمختبرات قديمة، والطالب لا يتقن لغة ثانية، ولا يمتلك مهارات التفكير النقدي والعمل الجماعي؟ ما قيمة هذه الشهادة إن كان الخريج بحاجة إلى تدريبٍ جديد قبل أن يُسمح له بالوظيفة الأولى؟
نحن لا نقلّل من أهمية التقويم والاعتماد، بل ننتقد طريقة التعامل مع الفكرة. فالاعتماد والجودة وسيلتان لتقويم الذات وتحسين الأداء، لا مناسبات بروتوكولية للمباركة والتصوير. وما لم ندرك هذا الفرق، فسنظل نُبدّل الأوسمة دون أن نُغيّر الواقع.
حين تصبح الجودة ثقافةً حيةً داخل الجامعة، لن نحتاج إلى شهاداتٍ تُخبرنا أننا جيدون. حين نرى الأستاذَ الباحثَ المنتج، والطالبَ المتعلّمَ الناقد، والإدارةَ التي تُحاسب وتُخطّط بوعي، عندها فقط نستحق أن نُوصف بأننا جامعة "ذات جودة".
أما الآن، فإننا نعيش زمن “الجودة الورقية” — جامعاتٌ تلهث وراء الألقاب، بينما يفقد التعليم روحه شيئًا فشيئًا. الجامعة التي كانت تصنع القادة والعلماء، صارت تصنع البيانات الصحفية.
في النهاية، أقولها بمرارةٍ ممزوجةٍ بالسخرية: ما أكثر شهاداتنا... وما أقلَّ جودتنا! فالجودة ليست توقيعًا على ورقة، بل عقلًا يُفكّر، وضميرًا يُحاسب، ومؤسسةً تُؤمن بأن رسالتها ليست في الشهادة... بل في الإنسان الذي تُخرّجه إلى الحياة.
سلاف فواخرجي ترد على منتقدي حبها لمصر
ندوة حول حوكمة الشركات العائلية واستدامتها بالمملكة
الاحتلال ينفذ تفجيرات شرق غزة رغم الهدنة
ألمانيا تعدم 400 ألف طائر بسبب تفشي إنفلونزا الطيور
جدل عالمي حول حظر مواقع التواصل على من هم دون 16 عامًا
القضاة: الأردن وتركيا على مشارف تعزيز التجارة والاستثمار
الأمن السيبراني: الهجمات الإلكترونية تتراجع بالأردن
مختصون: الطيران منخفض التكاليف يعزز السياحة والدخل
نيللي كريم: الرجولة انقرضت .. والتمثيل لم يكن حلمي
ميسي يطمح للمشاركة في مونديال 2026 رغم تحديات العمر
2410 أطنان من الخضار ترد للسوق المركزي الثلاثاء
إعادة انتخاب الحسن وتارا رئيسا لساحل العاج لولاية رابعة
تذبذب أسعار زيت الزيتون رغم التحديد .. تفاصيل
مدعوون للامتحان التنافسي والمقابلات الشخصية .. أسماء
بعد وفاته المفاجئة .. من هو نصير العمري
هذا ما سيحدث بقطاع السيارات بعد 1-11-2025
مدعوون للامتحان التنافسي والمقابلات الشخصية .. أسماء
7 أسباب مقنِعة لاستخدام المركبات الكهربائية
مخالفات سير جديدة سيتم رصدها إلكترونياً
لرحلة مثالية: دليل ذهبي قبل السفر وأثناءه وبعده
ارتفاع إجمالي الدين العام للأردن
الأردن .. مملكة الصمود وضمير الإغاثة
إغلاق مصنع صحون مخالف يهدد سلامة الغذاء
مدعوون للتعيين في الصحة .. أسماء



