عتاب إلى أمانة عمّان الكبرى

mainThumb

01-11-2025 11:18 PM

في زمن تتسارع فيه خطى المدن نحو الحداثة والابتكار، تبرز عمّان، عاصمتنا الحبيبة، نموذجًا حضريًا متجددًا بفضل الرؤية المستنيرة والجهود المتواصلة لأمين عمّان وكوادرها المخلصين، الذين حملوا مسؤولية النهوض بالمدينة على عاتقهم بعزيمةٍ لا تلين، وبتخطيطٍ استراتيجيّ يوازن بين متطلبات التنمية الحضرية وضرورات الاستدامة البيئية والمالية، لقد لمس المواطن في عمّان أثر هذا الجهد في كل زاوية من زوايا المدينة؛ من تحسين البنية التحتية وتطوير منظومة النقل العام، إلى تعزيز الخدمات الذكية والارتقاء بجودة الحياة الحضرية، لتغدو العاصمة أكثر تنظيمًا وبهاءً ودفئًا إنسانيًا، فهذه الجهود لم تكن مجرّد مشاريع هندسية أو إدارية، بل هي تجسيد لرؤية تنموية متكاملة تؤمن بأن المدينة كائنٌ حيّ، يتنفس عبر شوارعها، ويزدهر من خلال مواطنيها، ويكتسب ملامحه من ادارتها الواعية، وإنّ المتابع لأداء الأمانة اليوم يدرك أنّ روح المبادرة والانفتاح على الابتكار أصبحت نهجًا مؤسسيًا، يقوده أمين عمان بفكر إداريّ رشيق، وبقدرة على المواءمة بين الأصالة والمعاصرة، وبين الإرث الثقافي والهوية الوطنية من جهة، ومتطلبات المدينة الذكية والمستدامة من جهة أخرى.
ولان الكمال لله وحده، ولتزهو صورة عمان اشراقا وبهاء نسجل بعضا من العتاب، وكما يقال دائما (العتب بقدر المحبة)، فليس في العتاب ضعف، بل هو منتهى الحرص على مؤسسات الوطن حين تغيب عنها البوصلة المالية وتختلط فيها الحسابات بالنيات، ولعلّ أمانة عمّان الكبرى، بما تمثله من ثقل إداري واقتصادي، أحوج ما تكون اليوم إلى من يذكّرها بأنّ الشفافية المالية ليست ترفًا محاسبيًا، بل هي التزام وطنيّ يوازي في أهميته تعبيد طريق أو تشييد جسر، لقد طال غياب الموازنات العامة والحسابات الختامية الدورية للأعوام 2023 و2024و2025 عن الموقع الإلكتروني للأمانة، وكأنّ الأرقام قد آثرت الصمت في زمنٍ يطالب فيه الجميع بالإفصاح والمكاشفة، إنّ هذا الغياب لا يمسّ الشكل الإداري فحسب، بل يضرب في عمق الثقة العامة، إذ لا يمكن لمؤسسة بحجم الأمانة أن تُبقي دفاترها الرقمية مغلقة أمام الرأي العام، فيما هي تدير مئات الملايين من الدنانير من المال العام، أما ما يؤلم اكثر، فهو ما ورد في وثيقة ردّ الأمين على كتاب معالي رئيس مجلس النواب، من إشارة إلى أن الدين المتراكم على الأمانة بلغ مليارًا وسبعةً وثلاثين مليون دينار، رقمٌ مهول، ليس فقط في حجمه الحسابي، بل في دلالته الاقتصادية والإدارية، إنه رقم يثير أسئلة جوهرية عن طبيعة الإنفاق، وأولويات المشاريع، وكفاءة إدارة الموارد، وجدوى التخطيط المالي، فهل نحن أمام عجز نقديّ نتج عن اختلال مؤقت في التدفقات النقدية؟ أم أمام عجز هيكليّ يكشف خللاً في الرؤية أوالحوكمة والرقابة المالية؟
لقد أضحت موازنة الأمانة في السنوات الأخيرة أشبه بـ ميزان مدفوعاتٍ مضطرب؛ تتضخم فيها النفقات الجارية، وتتراجع الإيرادات الذاتية، بينما تتآكل القدرة على الاستثمار المستدام في البنية التحتية، ومع كل ذلك، لا تزال تقارير الأداء المالي غائبة، والإفصاح عن الحسابات الختامية مؤجلاً، وكأنّ الوقت يعمل لصالح الغموض لا الإصلاح، المال العام ليس خزينةً تستنزف، بل وعاءٌ تُغذّيه الكفاءة ويُصونه التدبير، والإدارة المالية الرشيدة لا تُقاس بكثرة المشاريع المعلنة، بل بسلامة الموازنة ودقة التنفيذ والتزام معايير المساءلة، فالمؤسسات الكبرى تُقاس اليوم بمدى قدرتها على نشر بياناتها المالية بوضوح، لأن الشفافية هي رأس المال المعنوي لأي إدارة مؤسسة عامة في زمن تتقدّم فيه الدول بالحوكمة لا بالتصريحات.
ان أمانة عمّان مدعوة إلى وقفة مراجعة صادقة مع ذاتها؛ للحفاظ على الثقة والآمال المعهودة بها، ولتبقى للأرقام حضورها، وللمواطن حقه في المعرفة، فالموازنة ليست مجرد جداول من الإيرادات والنفقات، بل عقد اجتماعي بين المواطن والمؤسسة، والحساب الختامي ليس وثيقة مالية تُنشر في نهاية العام فحسب، بل شهادة أداء أمام المجتمع والوطن كله، فالعجز في المال يمكن معالجته بسياسات إصلاحية ومالية رشيدة، أما العجز في الإرادة والشفافية فهو الأخطر، لأنه يبدّد الثقة ويعمّق الفجوة بين المواطن والمؤسسة، نعاتب الأمانة لأننا نحب عاصمتنا عمّان الحبيبة، ونطمح إلى أن تبقى دائما إدارتها المالية أنموذج يحتذى لكافة وحدات قطاع الهيئات المحلية الاردنية، ولتبقى مثالًا يُتَّخذ في تقارير الحرص، الإفصاح، الشفافية ورصانة التخطيط والتنفيذ، فلتكن البداية من هناك، من الإفصاح المالي الكامل، ولتُفتح دفاتر وملفات الأرقام للنور، لأن المدينة التي تُضيء طرقها وتخبو شفافيتها، تُعرّض مستقبلها المالي والعمراني للظلال.
ختامًا، ستبقى عمّان الحبيبة كما كانت دائما بإدارة هذا النهج الواعي والمخلص، مدينةً محجا للأفئدة تتقدم بثقة نحو مستقبلٍ يليق بتاريخها ومكانتها، ويُترجم ابناؤها المخلصون رؤى قيادتها الهاشمية الحكيمة في نسج بناء العاصمة الانموذج الذي يُشرّف الوطن بأكمله.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد