تنورة تطير عالياً في هواء جيمس جويس
هناك صورتان تقيدان مارلين مونرو في ذاكرة الصحافة. تظهر إحداهما وهي تقف فوق شبكة مترو الأنفاق، وفستانها الأبيض مرفوعا باندفاع الهواء، وضحكتها تتفتح مثل ضوء مفاجئ. والآخر يظهرها جالسة بهدوء، ونسخة من رواية يوليسيس لجيمس جويس مفتوحة بين يديها، بينما تغرق نظرتها في الصفحة كما لو أنها كانت تقرأ العالم نفسه.
بين هاتين الصورتين تكمن المسافة بين الوهم والوعي: بين الخيال الجماعي والفعل الفكري الانفرادي.
في الخمسينيات من القرن الماضي، بنت هوليوود مملكتها على نساء مثل مارلين: شقراء، ذات صوت ناعم، مرغوبة، ولكنها غير مستحيلة. رسمتها استوديوهات الشاشة نوعا من امرأة الأحلام: مغرية بما يكفي للحضور، ساذجة بما يكفي للسيطرة. في فيلمها “حكة السنوات السبع”، لم يكن جمال مونرو حضورا بقدر ما هو أداة سردية؛ إذ صارَ جسدها هو الحبكة، وابتسامتها بمثابة أداة تفسر نظرة الذكور كلغة خاطفة خفية ومعلنة في ذات الوقت. القصة والصمت هو ما جعل أسطورتها ممكنة.
لم يكن المشهد الشهير للتنورة الطائرة مجرد لحظة مغازلة. بل طقسا اجتماعيا في هواء مفتوح. عندما رفعت الرياح فستانها، رفعت أيضا الرغبة الجماعية لعصر: الرجال يحدقون، والنساء يشاهدن أنفسهن وهن يشاهدنها. ربما كان فرويد سيسميه مشهد الرغبة. ويفسرها “لاكان” على إنها النظرة التي تعود إلى الموضوع كصورة. لكن الأمر في الحقيقة كان أبسط من ذلك: مجتمع يحلم بصوت عال من خلال جسد المرأة.
بعد سنوات، عندما صورت إيف أرنولد مونرو وهي تقرأ يوليسيس، ذهل العالم. هل يمكن أن يقرأ رمز الجنس في القرن حقا متاهة جويس للوعي؟ السؤال نفسه يخون التحيز: أن الجمال والفكر لا يمكن أن يتعايشان، وأن السحر المثير والفكر يستبعدان بعضهما البعض. لكنها كانت هناك، تقلب صفحات كتاب كان محظورا ذات مرة بسبب الفحش: نفس النوع من الخوف الذي حاول ذات مرة فرض رقابة على الجسد الأنثوي.
قالت أرنولد لاحقا إن مارلين قرأت رواية جويس بجدية وبصوت عال أحيانا لكي تبقى في روح النص المعقد. كانت تحب الشعر ودوستويفسكي والتحليل النفسي. لم تكن تلك الشقراء الغبية التي اخترعها العالم. بل امرأة تريد أن تفهم نفسها. وربما لهذا السبب لا تزال صورة قراءتها ثورية. ليست صورة لامرأة تظهر جسدها، وإنما صورة لامرأة تظهر عقلها. وهو عمل أكثر خطورة بكثير في ثقافة مهووسة بالسطح.
عندما تزوجت مارلين من الكاتب المسرحي آرثر ميلر، تمت قراءة الاتحاد على أنه كليشيهات: الممثلة الجميلة والرجل المثقف. لكن وراء صيغة التابلويد هذه كانت هناك حقيقة أكثر حساسية. أرادت الدخول إلى عالم الفكر. أرادت أن يُفهم لغز توهجها. أصبح زواجهما مسرحا للتناقضات: الجمال والفكر يحاولان التحدث بنفس اللغة، ويفشلان، ليس لأنهما نقيضين، ولكن لأن العالم رفض تصديق أنهما يمكن أن ينتميان إلى نفس الفردوس.
بطريقة ما، عاشت مونرو دراما الروح المنقسمة في القرن العشرين. بينما باعت السينما تخيلات الكمال، استكشف الأدب فوضى الوعي. أعطتنا هوليوود الأسطح ثم منحها جيمس جويس العمق. وقفت مارلين بين الاثنين: المرأة على الشاشة والمرأة التي تحمل الكتاب. تربط مسرح الرغبة وعزلة الفكر. كانت الحلم والصحوة.
إنَ من المغري تحويلها إلى أسطورة، مثل هيلين طروادة أو باندورا، تعاقب على جمالها وتعبد بسبب ألمها. لكن ربما لم تكن قصة مارلين مجرد تراجيديا. بل كانت مرآة عصرها. في ضحكتها ووحدتها، نرى تكلفة رؤيتها: استنفاد أداء صورة المرء دائما. حتى وفاتها الغامضة لم تنهي قصتها. لقد أغلقت الباب دون أبديتها. أبقاها العالم على قيد الحياة، امرأة تشبه سؤالا مفتوحا على ملايين الأجوبة والشكوك والتقولات.
كان هناك دائما شيئاً مأساوياً يدور حول ذكاء مارلين: ليس لأنه مفقودا بمعنى ما، ولكن لأنه كان غير مرغوب فيه على وجه التحديد. لم يعرف العالم كيف يتعامل مع امرأة جميلة تقرأ أكثر الروايات تعقيدا في عالم الأدب. في كل مرة حاولت فيها التحدث، يقاطعها أحد الصحفيين بمجاملة مفضوحة. طلبت منها الكاميرات أن تبتسم وليس أن تجيب. والفرق بين أن تبتسم وأن تجيب هو الفرق بين تنورتها ورواية يوليسيس. ومع ذلك، كانَ هناك خلف أحمر الشفاه والضحكة التلقائية عقل يثور بهدوء على أسطورته الشخصية، ويبحث عن الكلمات التي يمكن أن تجمعها معا عندما استمرت الشهرة في تشتيت وجودها.
في تلك الصور النادرة لقراءتها أو كتابتها، نرى نوعا مختلفا من السحر، الضوء الذي يأتي من الفضول بدلا من الأضواء. لم تكن تحاول إقناع أي شخص. كانت تحاول البقاء على قيد الحياة من خلال الفهم. في عالم مهووس بالمشهدية، كان هذا البحث عن المعنى هو أكثر أفعالها تمردا. لم يكن إغواء مارلين الحقيقي هو جمالها، بل جوعها لمعرفة حياة السيد بلوم، بطل رواية جيمس جويس، وهو يطوف شوارع دبلن، دون أن يحرك الهواء بنطاله في مشهد سريع النسيان.
اليوم، في عصر المؤثرين والمؤثرات من جيل البلوغرات، تبدو صورة مارلين مونرو مثل نبوءة قادمة من زمن مختلف. عاشت تلك الشقراء الشقية قبل اختراع “المحتوى”، لكنها فهمت الجوع الذي يجب رؤيته، والقلق من النسيان. كانت تعرف ما يعنيه أن يستهلك تفكير المرء. لكنها عرفت أيضا، في تلك اللحظات الهادئة مع يوليسيس، أن الجمال بدون تفكير هو قفص محاط بالضوء من خارجه، لكنه معتم مثل بطن الحوت من الداخل.
الإرث الحقيقي لمارلين مونرو ليس جسدها، بل تناقضاتها. كانت بالنسبة لعالمها التنورة الخفيفة المرتفعة والكتاب الثقيل المفتوح. تمثل الابتسامة الغامضة والشوق المخاتل والدعاية الوادعة والشعر بكل سحره. كانت درسا في الخطر وقوة في الظهور الحتمي.
وربما هذا هو السبب في أننا ما زلنا لا نستطيع التوقف عن النظر إليها، لأننا في مكان ما في نظرتها ندرك ارتباكنا: كيف تكون جميلة دون أن تختفي، وكيف تموت دون إعلان واضح على خفوت الوعي المضمر؟، وكيفَ نبقى أسرى مشاهدتها والجميلات يتكدسن من حولنا مثل علب التونة. وكيفَ يمضي تاريخ الفن دونَ تورط الجمال الحزين في صناعته.
بورصة عمان تغلق تداولاتها على ارتفاع
فضيحة استخباراتية تسببت بمقتل أسير إسرائيلي بغزة ..  تفاصيل
شراكة أردنية – يمنية لتعزيز التصنيع الغذائي 
وفد من التعليم العالي يزور تركيا 
نقيب المعاصر يكشف سبب ارتفاع سعر الزيت وموعد انخفاضه
رئيس الوزراء يشارك اليوم بالقمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية
محاولات للتوصل إلى اتفاق بشأن المناخ قبيل كوب30
غوغل تغيّر أيقونات الخرائط والصور بتصميم عصري
خبراء: كأس العرب محطة مهمة للنشامى قبل المونديال 
قطر تؤكد دعمها للوصاية الهاشمية وتعزيز التعاون مع الأردن
مركز الملكة رانيا: التحول الرقمي ضرورة للطالب والمعلم
وزير المياه يوجّه بزيادة صهاريج وتسريع محطة البربيطة
نقابة الصحفيين توافق على تسوية مالية مع أمانة عمّان
ارتفاع تاريخي لأسعار زيت الزيتون في الأردن  ..  تفاصيل
أمانة عمان لا "تمون" على سائقي الكابسات  ..  فيديو
إحالات للتقاعد وإنهاء خدمات موظفين حكوميين ..  أسماء
الحكومة ترفع مخصصات الرواتب والتقاعد لعام 2026
مدعوون لإجراء المقابلة الشخصية في وزارة التنمية ..  أسماء
تشكيلات إدارية في وزارة التربية… أسماء
أسرار الحصول على خبز هش وطري في المنزل
التربية: دوام المدارس المعدل  الأحد  ..  والخاصة مستثناة
تحذير من مصفاة البترول للأردنيين
مياه العقبة تحدد أسماء وموعد الامتحان التحريري
انخفاض الذهب في السوق المحلية السبت
مأساة سوبو ..  ظلم مُركّب في أميركا

