الحرب الباردة الجديدة: الصدام بين أمريكا والصين أصبح مسألة وقت لا أكثر

mainThumb

04-11-2025 09:45 PM

في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، كل معركة اليوم تبدأ في غرفة اجتماعات أو خادم بيانات، قبل أن تصل إلى ساحات الصراع. هذا هو الواقع الجديد الذي يضع الولايات المتحدة الأمريكية والصين على طريق صدام محتوم، حيث تتصارع قوتان عظيمتان ليس فقط من أجل التجارة، بل من أجل السيطرة على النظام المالي العالمي ومستقبل الاقتصاد الرقمي في القرن الحادي والعشرين.

العالم يقف اليوم على أعتاب نظام اقتصادي جديد، تتغير فيه موازين القوة بهدوء متسارع، بينما تتصاعد مؤشرات التوتر بين القوتين الأعظم. خلف واجهة التعاون التجاري والتقارب الدبلوماسي، تدور معركة صامتة حول النفوذ المالي والسياسي والتكنولوجي، مع تركيز خاص على التحكم في سرعة التحويلات المالية ومفاتيح التجارة العالمية.

على مدى سبعة عقود، احتكرت واشنطن قيادة الاقتصاد العالمي بفضل تفوقها الصناعي وهيمنتها على النظام المالي الدولي الذي يدور حول الدولار الأمريكي. لكن هذا النظام بدأ يتصدع مع صعود الصين كقوة تصديرية عملاقة؛ فقد تجاوزت الصادرات الصينية الصادرات الأمريكية منذ سنوات، لتصبح الصين اليوم المورد الأول لمعظم دول العالم، ومركزًا لسلاسل الإمداد العالمية، ومحركًا لنصف الإنتاج الصناعي في آسيا.

في المقابل، تراجع وزن أمريكا في التجارة العالمية وتحول اقتصادها تدريجيًا نحو الخدمات والقطاع المالي. هذا التحول جعلها تعتمد أكثر على "قوة الدولار" بدلًا من "قوة الإنتاج"، وهو ما خلق هشاشة بنيوية في توازنها التجاري وجعلها أكثر عرضة لأي تهديد يطال مكانة عملتها في الأسواق الدولية.

الأخطر ما تواجهه الولايات المتحدة اليوم هو انحسار نفوذها المالي. النظام الأمريكي الذي يشرف على أكثر من 90% من الحوالات الدولية عبر شبكة SWIFT بدأ يتعرض لتحديات غير مسبوقة. الصين وروسيا طورتا أنظمة دفع مالية بديلة تعتمد على العملات الرقمية المشفرة، وتسمح بتنفيذ الحوالات في ثوانٍ معدودة، بدلًا من ثلاثة أيام كما هو الحال في النظام الأمريكي التقليدي. هذا التطور ليس مجرد تحديث تقني، بل تحرر استراتيجي من قبضة واشنطن على النظام المالي العالمي.

نتيجة لذلك، تراجعت إيرادات أمريكا من التكنولوجيا المالية ومن رسوم التحويلات الدولية، بالتوازي مع تراجع حصتها من صادرات السلع والخدمات. لم تعد الولايات المتحدة تجني من النظام العالمي ما كانت تجنيه في العقدين الماضيين، بينما تواصل الصين توسيع نفوذها المالي عبر مبادرات مثل الحزام والطريق واليوان الرقمي، الذي تسعى بكين من خلاله إلى تقليص الاعتماد العالمي على الدولار.

في مواجهة هذا التمدد، يتشكل اليوم تحالف شرقي صاعد يضم الصين وروسيا والهند وإيران وجنوب افريقيا، في مقابل تحالف غربي تقوده واشنطن ويضم أوروبا وبريطانيا واليابان وكندا وأستراليا. لم يعد الصراع بين الشرق والغرب يدور حول الأيديولوجيا كما كان في الحرب الباردة الأولى، بل حول من يملك مفاتيح الاقتصاد الرقمي العالمي: أنظمة الدفع، والعملات المشفرة، والذكاء الاصطناعي، وسلاسل الإمداد.

الصين تمضي بثقة نحو هدفها؛ فهي لا تسعى إلى حرب عسكرية، لكنها تبني نظامًا ماليًا موازياً يُضعف مركزية الدولار. إعلان دول البريكس عن نيتها طرح عملة موحدة، وازدياد التعاملات باليوان في التجارة البينية، يعكسان تحوّلًا عميقًا في بنية الاقتصاد العالمي. وكل صفقة نفط تُسعّر بغير الدولار هي رصاصة مالية تُطلق على هيمنة أمريكا.

لكن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي. القوة التي بنت نفوذها على النظام المالي الدولي وعلى سيطرة الدولار، لن تسمح بانهيار نفوذها بهدوء. ما نراه اليوم من توترات في بحر الصين الجنوبي، ومن حرب تكنولوجية في قطاع أشباه الموصلات، ليس سوى تمهيد لحرب باردة جديدة بدأت بالفعل.

إنها حرب من نوع مختلف: حرب على الزمن المالي، على سرعة التحويلات، وعلى من يملك العملة التي تحكم التجارة العالمية. وفي هذه الحرب، تتراجع أمريكا من موقع القيادة إلى موقع الدفاع، بينما تتقدم الصين بخطى محسوبة لتصبح القطب الاقتصادي الأول في العالم.

ليس السؤال بعد اليوم: هل ستقع الحرب؟ بل متى ستنشب. الصدام بين الإمبراطوريتين المالية والتكنولوجية أصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها، والعالم كله على موعد مع تحول قد يعيد كتابة قواعد القوة العالمية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد