زيادة الرواتب مطلب شعبي

mainThumb

09-11-2025 11:42 PM

مشروع موازنة 2026 تحفظ الاستقرار وتؤجل الاصلاح

قبل اقرار مشروع الموازنة العامة لسنة 2026 يقف المواطن الاردني على حافة التعب، يراقب الأيام وهي تمر ببطء ثقيل، كأنها تختبر قدرته على الاحتمال لا على الصبر. يحمل في ذهنه حسابات الشهر الطويل، بين قسط يثقل كاهله وفاتورة تقترب من حافة الانتهاء واحتياجات تتكاثر بلا توقف. وفي المساء يعود الى بيته مثقلا بذات الهموم، يبحث عن لحظة تهدئة، عن بصيص يخفف ضغط الحياة، فلا يجد سوى الأمل المؤجل الى اشعار آخر.

الاسواق لا تنبض بالحياة كما كانت. المحال مغلقة مبكرا، وحركة الشراء محصورة بالضروريات فقط. الراتب بات محدودا في تغطية التزامات المواطن، والأسعار تواصل الصعود بلا رحمة. حتى نزول الراتب أصبح حدثا ينتظره الناس بترقب، كأن الأيام التي تليه موسم مؤقت للعيش قبل أن تعود دورة الضغط المالي من جديد.

مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2026 جاء بلغة حذرة، تميل الى ضبط الارقام أكثر من البحث عن الحلول الجذرية. ركز على الحفاظ على نسب الدين والعجز وفق توصيات صندوق النقد الدولي، وعلى الانضباط المالي لمواجهة التحديات، لكن ذلك تم على حساب بنود تؤثر مباشرة على حياة المواطن اليومية. النفقات الجارية ما زالت تستحوذ على الجزء الأكبر من الانفاق، بينما تُصرف نسبة كبيرة من الإيرادات لخدمة الدين العام، تاركة مساحة محدودة لتحسين المعيشة وتحريك الدورة الاقتصادية.

المواطن يجد نفسه محاصرا بين ارتفاع الأسعار والقروض المتراكمة وفواتير الطاقة والمياه والاتصالات. حتى الضرائب والمخالفات الجديدة تزيد العبء على دخله المحدود. الأسواق راكدة، لا تتحرك سوى لأيام قليلة بعد نزول الرواتب، حين يتنفس الناس قليلا قبل أن تعود دورة الانتظار الطويلة.

الموازنة، رغم دقتها في الأرقام، تبدو بعيدة عن واقع المواطن. فهي تحافظ على التوازن بين الدين والعجز، لكنها لا توازن بين الدخل ومتطلبات الحياة. لا زيادة ملموسة في الرواتب، ولا خطة واضحة لتحريك السوق أو تخفيف الأعباء. هي موازنة دقيقة في الحساب لكنها باهتة في أثرها على حياة الناس.

الامل اليوم معقود على مجلس النواب ليقف مع المواطنين، ويضع مطالبهم في قلب النقاش. فالزيادات في الرواتب ليست رفاهية، بل ضرورة حقيقية لانعاش الاقتصاد واستعادة الثقة بالدورة المالية. النواب أمام اختبار حقيقي، بين الالتزام بالمعايير المالية وبين الدفاع عن حياة الناس وقدرتهم على الصمود. موقفهم سيكون مؤشرا على مدى ارتباطهم بالواقع، وقدرتهم على اتخاذ القرار الذي يعيد قيمة الراتب ويمنح السوق حياة جديدة.

ان موازنة 2026 ليست مجرد اوراق مالية، بل اختبار لقدرة الادارة على التوازن بين الحساب والانسان. فالانضباط المالي قد يحفظ الاستقرار مؤقتا، لكنه لا يخلق نموا ولا يزرع الأمل في حياة أثقلها الانتظار. المواطن الذي يقف عند نهاية كل شهر ينتظر الراتب كنافذة صغيرة على الحياة، لا يطلب معجزة، بل قرارا يعيد للتعب معنى وللصبر جدوى.

وفي المساء، تعود الأسواق الى صمتها، والأرصفة خاوية على ما فيها. المواطن يحدق في راتبه، كأنها نافذة قصيرة على الحياة، يعد الايام، ويتمنى أن يحمل له النواب في الموازنة القادمة بعض الفرح المؤجل. وهكذا تستمر الدورة، بين انتظار ومجهود وصبر، حتى يأتي يوم يرى فيه أثر القرار، ويشعر أن التعب لم يكن بلا جدوى.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد