اغتيال ذاكرة الرحّالة إيزابيل إيبرهارت
كل الوثائق المتوفرة لدينا اليوم، بما فيها السيرة العظيمة الوافية التي كتبتها الباحثة المختصة إيدموند شارل- رو بين 1989 و1995 تشير إلى أن إيزابيل إيبرهارت توفيت في فيضان نهر «العين الصفراء» (الجزائر) الفجائي. فقد تمكنت الباحثة من الاطلاع على وثائق أرشيف ما وراء البحار، إيكس أون بروفان CAOM (المؤسسة التي تحتفظ في أرشيف إيزابيل إبيرهارت) إضافة إلى وثيقة الاعتداء عليها في البهيمة، في منطقة الوادي، التي أصبحت متاحة أمام الباحثين. الوثيقة بحوزتي. تتحدث عن محاولة اغتيالها في 29 جانفي 1901 بضربة سيف على رأسها، من طرف «عبد الله بن سي محمد بن لخضر» المعادي للزاوية القادرية التي كانت إيزابيل إبيرهارت تنتمي لها.
اقتيدت وقتها للمستشفى العسكري، وعالجها الدكتور ليون تاست الذي لاحظ خطورة الجروح. كل هذه الوثائق المتوفرة تؤكد وفاتها في فيضان عين الصفراء بعد أن أخرجت من تحت الأنقاض والطين والرمال. وقد سخر الجنرال ليوتي الذي تعرفت عليه إيزابيل في بني ونيف في 1903، كل الوسائل التقنية لإخراجها من تحت الركام. لم يعثروا عليها إلا بعد ستة أيام من البحث، أي يوم 27 أكتوبر 1904. وعلى الرغم من هذه الحقائق المادية، هناك من يلح على أنها قتلت على يد ليوتي الذي كان صديقاً لها وذلل لها كل الصعاب لتعبر نحو «زوايا» العمق الغربي الجنوبي للجزائر، دون أي سند تاريخي أو علمي.
ونعرف جيداً أنه هو الذي أخرجها من الركام وبنى لها قبراً في مقبرة سيدي بو جمعة الإسلامية، في العين الصفراء، لأنها كانت قد أسلمت. وقد توفي يومها في الفيضان 32 فرداً من بينهم 12 أوروبياً، وستة أطفال كانوا يتعلمون في مدرسة قرآنية، بينما عثر عليها هي في الطابق الأرضي تحت كل مخلفات الفيضان. وقد تولى ليوتي مهمة البحث عنها شخصياً وعن وثائقها التي أخرجها من الركام، وهو من تواصل مع ناشرها الأساسي Victor Barrucand ليخبره بما حدث ومن أجل نشر أعمالها حتى لا تضيع؟ كيف يقتلها؟ حتى الأستاذ المرحوم خليفة بن عمارة، ابن العين الصفراء، سار في فكرة وفاتها تحت الركام، وهو أول من أثار قضيتها في الجزائر وكتب سيرتها، وكان دليلي يوم أنجزت عنها وثائقي 52 دقيقة، لصالح التلفزيون الجزائري. أحيل من يصرون عن جهل أنها قتلت، إلى السيرة التفصيلية التي كتبها عنها، وأن يطلعوا على الوثائق الخاصة بها المحفوظة في مركز أرشيف ما وراء البحار Serie Q. Carton 3 Q 429. Conseil de guerre de Constantine.
والاطلاع عليها أصبح متاحاً في أرشيف أيكس أون بروفانس. إلى هذه اللحظة، لا أدري ما الذي دفع بصاحب رأي مقتل إيزابيل إبيرهارت على يد الجنرال ليوتي؟ إلى الإصرار على شيء لا يستند إلى أية وثيقة؟ بينما نعرف جيداً أن ليوتي الذي تربطه علاقة متينة بالإصلاحي جونار، حاكم الجزائر، ساعدها في عملها الصحافي في الجنوب الوهراني لصالح جريدة «الأخبار» المتعاطفة مع الأهالي، إضافة إلى ثبات وجود طوفان العين الصفراء الذي محا جزءاً مهماً من القرية الواقع في المنحدر، لأن الجانب العلوي نجا بما في ذلك المستشفى العسكري. قرأت أعمالها كلها، رحلاتها وقصصها ويومياتها ومقالاتها، كما اطلعت على ما كتب عنها باللغة الفرنسية يوم أنجزت الوثائقي عنها في سنة 2001 تحت عنوان [الرحالة] في سلسلة [الديوان] لا توجد إشارة واحدة عن وفاتها مقتولة وتحويلها إلى مناضلة، وهي لم تكن كذلك. سيدة طيبة متعاطفة مع المنطقة، ظلت تبحث في الصحراء عن مثلها الصوفي الأعلى. حالة واحدة يستقيم فيها الادعاء هي أن يكون الجنرال ليوتي، المالك لقدرات خارقة، هو من حرك الطوفان ووادي العين الصفراء؟ يقول جمال غلاب وهو «خالق» جريمة القتل، في محاورة معه، مدافعاً عن أطروحته: «عندما تقرأ الأعمال الكاملة لإزابال، وخاصة روايتها [تريمادور] يتضح لنا أن الجنرال ليوطي كان أكبر سفاح ومجرم لأنه كان يجمع كل مجرمي أوروبا والمسبوقين قضائياً في ثكنات الغرب الجزائري، والمسماة آنداك الفيالق الأجنبية»، ثم يدعم رأيه بسيناريو الاغتيال كما أوله:
ـ استدعاء (سليمان هني) زوج (إيزابيل ابرهاردت) من الثكنة العسكرية لمدينة سطيف على جناح السرعة الى مدينة عين الصفراء للحضور يوم 20 أكتوبر 1904م في مهمة عاجلة؟
ـ يوم 21 أكتوبر 1904م خبر اختفاء (إيزابيل ابرهاردت) يصل إلى قاعة تحرير (الأخبار) بحي لقصبة… اختفت، لا يعني أنها ماتت. هكذا كان الجميع يفكر ويتصور؟ يقول (فكتوري باري كوند).
إلى غاية 27 أكتوبر1904م، كان الأمل يحدونا بأنها مازالت على قيد الحياة وفي عداد المفقودين. لكن في هذا اليوم وفي حدود منتصف النهار، وصلتنا برقية من (الجنرال ليوتي) قاطعة الشك باليقين مفادها (وجد جثمان إيزابيل ابرهارت تحت الأنقاض).
ــ حسب الرسالة التي كتبتها (إيزابيل ايبرهارت من المستشفى العسكري للفيالق الأجنبية؟ بعين الصفراء الى صديقتها (بارث) أنها كانت طريحة الفراش إلى غاية 15 أكتوبر 1904م، أي منذ نقلها من زاوية القنادسة بتاريخ 1 أكتوبر 1904م. وإليكم نص الرسالة:
«صديقتي العزيزة (بارث كلافيل)
… إنها الحمى التي أصبت بها في طريقي بوطن المستنقعات، وإذن لا خطر. وحالياً أيضاً، أمتلك القدرة على الوقوف والتجوال ببطء، وليس في فناء المستشفى الكائن في مرتفع والمطل على منظر جميل. إنها الأيام الناعمة للخريف بسمائه الصافية وأشعة شمسه المشرقة والرمال المخضرة بنبات الحلفة… أنا أعمل كثيراً وقد انتهيت من كتابة (الجنوب الوهراني)، وفور شفائي سأنزل إلى الواحات الصحراوية لبني عباس وتيميمون وعين صالح؛ لكتابة مؤلف ثان، وعلى الأرجح سأقضي الشتاء في تيميمون لكتابة (تريمادور) الذي سينشر في الربيع، وقبل ذلك لا أمل في العودة إلى العاصمة.
أعانقك بكل ود.
سي محمود غرفة رقم 4، مستشفى عين الصفراء (الجنوب الوهراني 15أكتوبر 1904م )».
لا شيء في رسالتها إلى بارث كلافيل سوى سرد وضعيتها ومرضها وروايتها «تريفادور» التي لا يوجد فيها أي شيء من ادعاءات الكاتب. وأعتقد جازماً أنه لم يقرأ الرواية لأنها مناقضة كلياً لما ورد في حجته. النص يتحدث عن رحلة التريمادور، الباحث عن عمل، من روسيا مروراً بفرنسا إلى الجزائر. أورشانو الذي درس الطب في سان بيترسبورغ وناضل في صفوف الجمعيات الثورية والذي أحب فيرا حد الجنون، لكنه اختار رحلة بحثه عن الحرية الفردية. وينتقل من روسيا إلى مارسيليا قبل أن يصل إلى الجزائر وينتمي إلى الفيلق الأجنبي في سيدي بلعباس. ومن يعرف قصة إيزابيل إبيرهارت يدرك بسرعة أنها تتحدث عن رحلتها الاستكشافية وعن أخيها الذي لم يتحمل النظام الصارم للفيالق الأجنبية فانتحر. لا توجد في الرواية ذرة واحدة مما زعمه الكاتب، أما المغالطة التاريخية الثانية، فلم يكن ليوتي مسؤولاً عن الفيالق العسكرية؛ فقد عين في 1903 بمقاطعة العين الصفراء قبل أن يعين ثانية في منطقة وهران في 1906. كانت وظيفته صد المقاومة التي جعلت من أرض المغرب منطقة انكفائها عند الضرورة. أما البرقيات التي استرشد بها الكاتب، فتؤكد وفاة ايزابيل في الطوفان، وتم إعلان خبر وفاتها بعد أن عثروا عليها في الطابق التحتي وسط الركام. فأبرق ليوتي لجريدتها «الأخبار» ولمديرها، لإخباره بالمأساة. أين هو دليل الاغتيال؟ ثلاث حقائق ثابتة لا نقاش فيها إلا بتوفر الدليل المعاكس: الأولى أن إيزابيل ايبرهارت كانت في الجنوب الوهراني في زواية القنادسة، وأصيبت بالحمى التي أقعدتها، فرجعت إلى العين الصفراء، باقتراح من قيم زاوية سيدي بوريان التي كانت تقيم بها، وطلب منها أن تعود إلى العين الصفراء حيث المستشفى العسكري، ساعدها ليوتي على الدخول إلى المستشفى الموجود على المرتفع. فقد كانت صحافية متمرسة وفرنسية وصديقة له ومراسلة حربية في منطقته. الحقيقة الثانية أنها اكترت بيتاً صغيراً في العين الصفراء في المنحدر لاستقبال زوجها سليمان أيهني الذي طلب إذناً من ثكنته في سطيف، ليرى زوجته المريضة. وهو أمر طبيعي جداً. لم يأت بأمر من ليوتي؛ لأنه -عسكرياً- لم يكن تابعاً له. وفوق هذا، رتبة سليمان إيهني لا تعطي الحق لليوتي لكي يأمره؛ فقد كان ماريشالا يتحكم في فيلق السبايسية. والتقى سليمان وإيزابيل في البيت. على الساعة 11 اندلع طوفان العين الصفراء بشكل عنيف آخذاً في طريقه كل شيء، بما في ذلك سليمان الذي استطاع أن ينجو بأعجوبة، بينما توفيت هي تحت الحطام والركام. وتلفيق الحقائق هو اغتيال لذاكرة امرأة أحبت الجزائر واختارتها في حياتها وفي موتها.
وزير الزراعة يزور الرمثا لمتابعة احتياجات القطاع الزراعي
سؤال نيابي عن صيانة سكن رئيس سلطة العقبة بـ 150 ألف دينار
22 قتيلاً في فاس المغربية جرّاء سقوط عمارتَين
حجم التداول في بورصة عمّان الأربعاء
رئيس عمّان الأهلية يشارك في المنتدى الخامس لرؤساء الجامعات العربية والروسية
المناطق الشمالية تسجل أعلى نسبة هطل مطري
اغتيال ذاكرة الرحّالة إيزابيل إيبرهارت
افتتاح مدرسة جديدة في المفرق بتمويل ألماني
تحذير من خطورة البرق القادم من السحب .. إرشادات
الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية
ميسي يعلّق على مواجهة الجزائر والأردن في مونديال 2026
الغذاء والدواء تحتفظ بحقها القانوني تجاه هؤلاء
مديرية الأمن العام تطلق خدمة التدقيق الأمني للمركبات
بلدية إربد تحدد ساعات البيع بسوق الخضار المركزي .. تفاصيل
تخريج الفوج الثامن من معسكر نشامى السايبر
قفزة جديدة في أسعار الذهب اليوم الأربعاء
سوريا وفلسطين إلى ربع النهائي كأس العرب .. خروج تونس وقطر
تربية الطفيلة تكرّم معلمَا لموقف إنساني مع أحد طلبته


