(أم الصبي)!

mainThumb

04-01-2014 10:20 PM

باغتيال المرحوم محمد شطح صبيحة الخميس الماضي، برزت على السطح من جديد القضية اللبنانية، الملف اللبناني لم يختفِ ولكن تراكمت حوله الملفات، حتى وضعته الدول الكبرى على لائحة غير العاجل من الأمور، وسوف يبقى على تلك اللائحة لفترة، فهو تابع وليس منشئا. الحكماء اللبنانيون يعرفون أن لبنانهم هو هامش على ضفاف الأحداث، ما يدور في المنطقة هو صراع أكبر من لبنان.

اللاعبون اللبنانيون بعضهم مؤجر آيديولوجياً وقابل للاستخدام كالمدفع غير المنضبط، كقتلة المرحوم شطح، وبعضهم يبحث عن طريقة لخلع الضرس الملتهب دون جدوى، الأخير كأم الصبي الذي تنازعته امرأتان، فلما قرر القاضي أن يقسم الصبي قسمين، صرخت الأم أن اتركوه للمدعية، فقط حتى يبقى الصبي على قيد الحياة.

إذا لم يفكر جانب «أم الصبي» اللبناني بجدية، فسوف تتلاحق النعوش، كما قال ستالين مرة، إن قتل أول ضحية مأساة، أما ما بعدها فهو مجرد أرقام لا أكثر، لقد تكاثرت أرقام النعوش في لبنان حتى تزاحمت على اللحود!! فالطريق مسدود، ومفتوح فقط إلى المقابر!

يمكن التفكير في أكثر من سيناريو لأسباب قتل محمد شطح؛ الأول دفع لبنان إلى الفراغ، وقد ذكر كاتب السطور الأسبوع الماضي في هذا المكان، وكانت الكتابة قبل الاغتيال، أن مطلب الفراغ مكتوب على الحائط من أجل أن يستفرد الحزب المسلح بكل لبنان، مع مساعدة من أطراف مسيحية لا ترى أكثر من أنفها! السيناريو الثاني أن بعض أهل الضاحية يرون من ثقب الباب أن هناك احتمالا أن تتنازل إيران قليلا للضغوط الغربية تجاه تقليل، ولا أقول سحب، تأييدها للطرف اللبناني الموالي لها والقابض على زناد التهديد، يريد هذا الفريق قطع الطريق على أي تنازل محتمل، بخطة استباقية، رغبة في دفع المعتدلين (أمهات الصبي) للتشدد، فيكون موقف الحزب مبررا وقتها، أنه يقوم بحرب ضد «التكفيريين من دون لحى ولا حتى شوارب»، حيث إنهم يريدون تصفية الطائفة من منطلق آيديولوجي متعصب، فالحال هو الدفاع عن النفس!

المعادلة في لبنان بين من يملك المال والسلاح والسلطة ومنزوع السلاح. المال لشراء من هو للبيع والسلاح للقمع، والسلطة للإغراء بالنفوذ، من لا يصل إلى فهم تلك المعادلة فهو واهم.

بعض الدوائر الغربية ما زال فيها من يعتقد أنه لم تظهر حتى الساعة نيات صادقة من طهران لإكمال مشوار الاتفاق، ومن يعرف كيف تدار اللعبة في طهران يشك أن تتغلب النيات الصادقة، كون القرار أكبر من رئيس الجمهورية، وأعمق من مصالح طبيعية لدولة طبيعية.

فوجئت عند تداول وسائل الإعلام بأن رسالة كان يعدها المرحوم محمد شطح للرئيس الإيراني، العنوان الذي توجه إليه الرسالة - إن صدق ما قيل - خاطئ، وتوسل أي مساعدة من هناك برجاء عدم «تقطيع جسم الصبي» عبث سياسي، إن لم يكن سذاجة مفرطة، فليس لبنان الدولة هو المهم، المهم هو استخدامه منصة تفاوض وعض أصابع، ومسرحا للنفخ في الكراهية بين العرب أنفسهم.

لقد أصبح لحزب الله في لبنان ركائز لا تحركها من موقعها الكلمات ولا الاستعطاف، هناك ركائز اقتصادية ومصلحية وشبكة اجتماعية مؤسساتية يمدها أوكسجين إيراني (المال النظيف)! وأي انقطاع في تدفق ذلك الأوكسجين يعرض فئة كبيرة من المناصرين للاختناق، وهذا ما لا ترضاه طهران المتشددة، ثم ألا يرى اللبنانيون أن هناك تعددية كبرت أو صغرت في كل الطوائف، إلا طائفة الحزب، ليس ذلك نقصا في التفكير الحر بين أفراد شجعان في تلك الطائفة، ولكن سبب التراص الأكبر، إما خوفا من التصفية المعنوية، وإن لزم الأمر الجسدية، أو طمعا في مغنم، حتى حركة أمل، الحركة الأم التي استسلم قادتها لتبعية سببها جزء من وعيد وجزء آخر من تهديد! ولا تعجز ماكينة الحزب عن خلق مؤسسات موازية للدولة في جانب، وفي التموضع في مؤسسات بقية الدولة القائمة من جانب آخر، حتى أصبحت الدولة اللبنانية معوقة من الداخل.

وبسهولة ينتقل الحزب بين الشعارات، فقد كان الأمر أولا «مقاومة» ثم أنتجت حرب 2006 قوات دولية على الحدود وقرارات دولية بإبعاد الحزب عن الاحتكاك بالدولة العبرية، ثم جاءت الحرب السورية لتعطي الحزب حقنتين في الذراع، الأولى دعم المقاومة، والثانية المستجدة حرب التكفيريين، إلى درجة استدعائهم إلى وسط بيروت! وسيبقى معنا شعار التكفيريين ليحل محل «الشيطان الأكبر»!

جماعة «أم الصبي» عليهم التفكير خارج استدرار التعاطف الدولي، فهو موجود فقط في التصريحات، وخارج الأمل في الصف العربي فهو ممزق منهك، عليهم والأمر ذاك ألا يضحوا أكثر مما فعلوا لأن «الصبي» ذاته بات من الهزال والضعف بحيث لا ترجى منه حياة. أمامهم طريقان؛ الأول هو انتظار ما يمكن أن تتمخض عنه الساحة السورية، معطوفا على المفاوضات بين طهران والغرب، وفي هذه الحالة لعلهم يتجنبون السير في الشوارع العامة حتى لا تزداد أرقام النعوش، ويفعلون كما فعلوا فيما بعد 2005 الذهاب للتقوقع في الفنادق المحصنة، والثاني أن يستنهضوا الشعب اللبناني، الذي هو الآن في وقف حال اقتصادي اجتماعي يدفع بشرائح كبيرة إلى الفقر واليأس معا جراء القهر، تحت شعار لا شيء يمكن الحرص عليه أو خسرانه، وجب القول الجمعي إما أن نحيا جميعا أو نموت، فلم توجد دولة تتسامح مع ميليشيات مسلحة في مخدعها، إما سلاح للكل أو لا سلاح للكل، فلم تعد حياة الصبي مهمة لأن إخوانه يقتلون بدم بارد.

آخر الكلام:

بعد اتفاق نوفمبر (تشرين الثاني) حصل الإيرانيون على أربعين مليار دولار، وفي الأسبوع الماضي سيّر المتشددون في مدن إيرانية مظاهرات ضد «المتصلين بالخارج والمتعاونين مع المحرضين على الفتنة، أهل الثورة الخضراء» يعني ذلك بدء الهجوم المضاد من القوى المستفيدة من التشدد، فالجزرة لم تحقق الأهداف التي تصورها بعض السذج!

 

* الشرق الاوسط



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد