تهافت الخطاب حول الاستلاب للمشرق والغرب
أقصد بتهافت الخطاب كل الخطابات التي يرسلها البعض متى رأى أنها لا تنسجم مع معتقده، وتخالف أيديولوجيته، فيتهم غيره بالعنصرية، والإقصائية، متناسيا أنه يقوم بالفعل نفسه بقوة وعنف أشد، مقدما نفسه بأنه الضحية، مدعيا أنه يقوم بالعلم، والآخر بالأيديولوجيا. وخطاب الاستلاب دليل على ذلك. كان الاستلاب مقولة يقرنها البعض بالغرب، من قِبل من يتهمون خصومهم بأنهم ضحايا «المركزية الغربية»، وصار متصلا بالمشرق العربي بدعوى الهوية، ليس المغربية، ولكن «المورية».
عرفت الثقافة العربية، منذ عصر النهضة، ثنائية الشرق والغرب، من خلال الأصالة والمعاصرة، إبان النضال ضد الاستعمار. وصارت منذ أواخر القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، خاصة في المغرب بين «المشرق العربي» و»الهوية المورية». يُختزل «المشرق العربي» هنا في كل تفكير يؤكد الهوية الثقافية التاريخية المغربية، التي تشكلت منذ الفتح الإسلامي، والتي ساهم فيها كل المغاربة، بغض النظر عن أصولهم اللغوية والثقافية. ويراها نقيضَ، بل عدوَّ الهوية المورية ما قبل الإسلامية، داعيا إلى محو كل ما يتصل بتلك الهوية الثقافية المغربية، وإحلال الهوية المورية محلها، وأي دعوة إلى الاحتكام إلى الواقع والتاريخ الذي يؤكد التفاعل بين المشرق والمغرب، يعتبر استلابا للمشرق، وتنكرا للهوية المورية.
إذا سلمنا بهذا المنطق، سنعتبر كل الأمازيغ الذين ساهموا في بناء المغرب، منذ الفتح الإسلامي، سياسيا وثقافيا مستلبين للمشرق، وأن أحفاد البورغواطي، الآن، يتهمونهم في هويتهم، ويصححون تاريخ أربعة عشر قرنا من أجل «الرجوع» إلى أصلهم الموري. ولا يلتفتون، وهم يدَّعون بقولهم إن كل المغاربة ليسوا عربا، إنهم يُدينون، ويعادون كل أمازيغي، وكل تاريخ الأمازيغ منذ أن دخلوا في الإسلام واعتنقوا العربية لغة رسمية. إذا تجاوزنا هذا المنطق المنافي للتاريخ والجغرافيا والثقافة، يدرك من له معرفة ولو بسيطة بالمغرب، أن المسألة ليست عرقية، ولا علاقة لها بها، لأن تاريخ الأمازيغ والعرب وغيرهم، يؤكد أنهم تعايشوا وتزاوجوا منذ عدة قرون، وتاريخهم السياسي المغربي الخاص جزء من التاريخ السياسي والثقافي المشرقي العام، لأن مصائرهم تشكلت وتطورت في تناقض تاريخي صريح، سياسيا وثقافيا ولغويا مع الغرب المسيحي طيلة الحروب الصليبية، في العصور الوسطى، ومع الاستعمار والإمبريالية حديثا، التي كانت بين شمال حوض المتوسط وجنوبه في المشرق العربي ومغربه. هذا التاريخ ساهمت فيه كل الإثنيات، فرسا، عربا، أتراكا، أكراد، أمازيغ، أفارقة..، وبمختلف الأيديولوجيات والديانات. ولم تتخلل كل هذا التاريخ، باستثناء حقب الفوضى والاضطراب، أي دعوة إلى إقصاء أي لهجة، أو مذهب، أو ثقافة سواء في المشرق أو المغرب. كان الصراع يشتد بين الطوائف والمذاهب أحيانا، وكان سياسيا دائما. وكان التفاخر الثقافي يشتد بين مختلف الأقاليم التي ظلت لكل منها خصوصيتها، وكانت مساهمتهم جميعا في الثقافة العربية.
عندما ألف ابن عبد ربه العقد الفريد، لم يقل الصاحب سوى: إن «بضاعتنا ردت إلينا». وعندما هاجر المقري التلمساني إلى دمشق، كانوا يستزيدونه في الحديث عن الأندلس، فكرس عدة مجلدات للتعريف بها. وأمثلة التفاعل الثقافي بين المشرق والمغرب ظلت متواصلة إلى الآن، رغم التحديات الجديدة. وفي الوقت نفسه كان كل منهما يبني تاريخه الخاص. وكان المغرب بدوره يؤسس هويته الخاصة، ومذهبه المالكي، وسياسته في الجهاد والاتحاد في ضوء ما كانت تمليه عليه مصلحته ومركز قوته. ومحاولة الموحدين الوصول إلى مصر، والمرينيين إلى تونس مثال على ذلك. لقد تشكلت طيلة هذه الصيرورة هوية ثقافية تاريخية. عماد هذه الثقافة اللغة العربية الجامعة التي وظفتها كل الأعراق والإثنيات التي تعايشت في هذه الجغرافيا الممتدة من فارس إلى المحيط الأطلسي. إن هذه اللغة والحضارة الإسلامية التي ارتبطت بها لم تحارب أي دولة، في أي منطقة مشرقية أو مغربية، وكيفما كانت درجة فسادها وعنفها، أي ثقافة خاصة أو لهجة، بما فيها اللهجات العربية، أو اللغات الكتابية (الفارسية والكوردية مثلا)، وحتى المذاهب الدينية المختلفة والمتعارضة ما يزال العديد منها موجودا إلى الآن. ظلت الخصوصيات المحلية، ومنها المغربية قائمة، وتطورت في آن واحد ممتزجة مع نظيرتها المشرقية، وفي الوقت نفسه، محملة بذاتيتها المميزة. واستمرارها إلى الآن دليل على ذلك. فعن أي مشرق يتحدث هؤلاء؟ انتهى زمن الأمويين الذين قضت عليهم الإمبراطورية المورية البورغواطية منذ قرون، فماذا بقي من هؤلاء وأولئك؟ التاريخ والثقافة أم الأسطورة والهوية السردية المتخيلة؟
هل التأكيد على هذه الهوية الثقافية التاريخية، والتي تتميز بلغتها العربية، والتي يوظفها الجميع بغض النظر عن لهجاتهم ولغاتهم وثقافاتهم، بمن فيهم الأمازيغيويون، يمكن أن يفهم منه أنني ضد الأمازيغية؟ وهل يعني أنني مستلب للمشرق؟ في كل الدول العربية التي زرتها أحرص على معرفة خصوصيتها الثقافية. ودفاعي عن الثقافة الشعبية دليل على ذلك. أختلف مع الأمازيغويين في المغرب، لأنهم بدل أن يعملوا على القيام بالبحث العلمي لخدمة الأمازيغية، وتدوين تراثها المهددين بالانقراض في زمن العولمة اللغوية وثقافاتها يقومون بـ»سلخ المعزي»، و»تقطار الشمع» ضد الإسلام والتاريخ واللغة العربية في «الحلاقي الافتراضية».
في المغرب هوية ثقافية تاريخية، وهويات محلية عامة وخاصة، وكلها تتطلب منا البحث والاجتهاد. كما أن الثقافة المغربية لها خصوصيتها، واستقلاليتها عن أي استلاب. أقرأ جيرار جنيت بلا عقدة «المركزية الغربية» التي يتهمني بها البعض. كما أقرأ الإبداع العربي قديمه وحديثه. والفكر المغربي الحديث دال على غياب أي استلاب للمشرق. وحوار حنفي والجابري، ومحاورتي مع فيصل دراج خير مثال، وما صار يعرفه الإبداع والنقد المغربي والتقدير المشرقي الخاص اللذان يقابلان به دليل على خصوصية تصب في عمومية ثقافية تزعج المتربصين بوحدة الشعوب والمدافعين عن التفرقة.
كاتب مغربي
منطقة موسكو تتعرض لانقطاع واسع النطاق للكهرباء
العليمي يحذر من فوضى ويطالب بمغادرة القوات الخارجة عن التحالف
تراجع أسعار النفط وسط توترات روسيا وأوكرانيا
الطلب على أسطوانات الغاز المنزلي بلغ 216 ألف أسطوانة الثلاثاء
السنغال والكونغو وبنين يتأهلون لثمن نهائي إفريقيا 2025
نتنياهو يقدم أرض الصومال قرباناً لترامب
تهافت الخطاب حول الاستلاب للمشرق والغرب
من يانون إلى أرض الصومال: اغتيال وطن
أدوات ذكاء اصطناعي قد تغير حياتك في 2026
80% ارتفاع الطلب على الذهب محلياً و75% عالمياً في 2025
الصناعة الأردنية تحقق طفرة تصديرية ونمو اقتصادي 2025
إعلان توظيف .. الشروط والتفاصيل
وظائف حكومية .. وتنويه من الإفتاء بشأن طلبات التوظيف
مدعوون لاستكمال اجراءات التعيين في الصحة .. أسماء
الفراية يتفقد الأعمال الإنشائية بجسر الملك حسين
طرح بطاقات بريدية تذكارية لـقديسو الأردن
كأس أمم أفريقيا .. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة
ألتمان يتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي بذاكرة لا نهائية 2026
تمديد فترة التقديم لمشاريع البحث والإبداع الجامعية
محافظة البلقاء تحتفل باليوم العالمي للتطوع وتُكرّم جامعة عمّان الأهلية
بعد الاعتراف الإسرائيلي .. ما هي أرض الصومال وما علاقتها بتهجير الفلسطينيين
سياحة الأعيان والنواب تبحثان التنسيق المشترك
عطية يهنئ المسيحيين بعيد الميلاد
نواب يطالبون بمحاسبة الحرامية وحيتان الفساد

