مطر السياب على مظلة بلقيس شرارة
لم تبدأ الضجة التي رافقت تصريحات الباحثة والكاتبة العراقية بلقيس شرارة عن بدر شاكر السياب لأنها مست مكانته في تاريخ الشعر العربي الحديث، ولا لأنها راجعت منجزه الفني بنبرة تقليل أو تشكيك. ما فجر الجدل حقا هو انتقال الحديث، وبسرعة، من الشعر إلى الهيئة الخارجية للشاعر، أي من الأثر الجمالي إلى تفاصيل الملامح والهشاشة الشخصية، في بلد لا ينظر فيه إلى السياب بوصفه شاعرا كبيرا فحسب، بل بوصفه رمزا ثقافيا لمرحلة كاملة من الوعي العراقي الحديث.
في مثل هذا السياق، يصبح الحديث عن المظهر، خصوصا حين يتعلق براحل ليس لديه قابلية الرد، منطقة شديدة الحساسية. كثيرون شعروا أن الكلام خرج من فضاء “التذكّر” إلى فضاء “التقريع”، وأنّ الوصف قد يسمع كنوع من “التنمر المتأخر” على غائب لا يملك حق الدفاع عن نفسه. هكذا تحولت المسألة إلى اختبار لحدود اللياقة في التعامل مع الراحلين، أكثر مما هي اختبار لقيمة السياب كشاعر.
الأهم هنا هو أن نعيد ترتيب القصة بوصفها صداماً بين نوعين من الخطاب: خطاب الذكرى والسيرة الشفوية من جهة، وخطاب التقييم العام الذي يبحث عن عبارة فاصلة من جهة أخرى. شرارة تحدثت بلسان الذاكرة، بينما استقبل الجمهور حديثها بوصفه حكما علنيا نهائيا؛ وفي هذه الفجوة تضاعف الاتهام وتضخم الغضب.
برأيي أنه من المفيد هنا النظر إلى طبيعة الصوت الذي تكتب به شرارة قبل الحكم على جملة عابرة خرجت في سياق شفاهي. ففي كتابها “وهكذا مرّت الأيام”، تقدم شرارة الكتابة بوصفها استعادة للحياة لا بوصفها ملفا نقديا مُحكما؛ ذاكرة تتقدم عبر المشهد والتفصيل والملمح اليومي، لا عبر أحكام مدرسة ومصطلحات جاهزة.
ففي هذا الكتاب، تتأمل بلقيس من داخل تجربة قلق ووحدة وانكشاف شخصي، وتعرض لحظات يتداخل فيها اليومي بالوجودي: كيف تصبح التفاصيل: المكان، والروتين، والإيماءة شرايين تستعيد بها الحياة معناها حين يثقل الفقد وهي تلمح إلى أن: “الذاكرة لا تعود إلينا كقائمة مرتبة من الأفكار، بل كحقيبة غير مرئية ترافقنا وتبهت إن لم نفتحها ونستخرج ما فيها…”، وهذا المنطق يفسر كيف يمكن أن تنزلق جملة شفوية من دون قصد إلى مفردات أكثر خشونة مما يحتمله المقام العام.
أقسى تفسير وُجّه إلى شرارة هو أن حديثها انطوى على نظرة طبقية: أنها وصفت شاعرا فقيرا ومريضا من زاوية “النقص الجسدي”، ثم ربطت ذلك بتفسير نفسي وعاطفي بدا لبعضهم مهيناً. هذه القراءة ليست بلا أساس؛ فالمجتمعات العربية، والعراق من بينها، تحمل ذاكرة طويلة من الإهانة المرتبطة بالفقر والمرض والجسد “غير المعياري”. لذلك يُستقبل أي وصف ظاهري للراحلين، حتى لو كان بلا نية إساءة، كجرح اجتماعي يعيد إنتاج الازدراء.
لكن في المقابل، تُظهر مراجعات عديدة للجدل أن شرارة لم تبدأ من إنكار عبقرية السياب، وأنها كانت، في جوهر حديثها، تحاول قراءة الحرمان والتوتر بوصفهما جزءاً من مأساة إنسانية، لا بوصفهما نقصاً فنياً. الإشكال أنها اختارت طريقا عفويا محفوفا بالألغام: حين يتقدم وصف الهيئة ويتحول إلى بوابة لتفسير النفس، فإن المتلقي هنا يسمع “حكما” وليس “شهادة” من شخصية مجايلة للسياب.
يضيف إلى فهم السياق ما كُتب عن خلفية شرارة الثقافية ومعارفها، بما في ذلك توصيفها بأنها مرتبطة بحس أقرب إلى الرصد الاجتماعي في الكتابة، تنطلق من صلتها بالأنثروبولوجيا وأثر هذا المناخ المعرفي في مقاربات النظر إلى المجتمع والمدينة. فالأنثروبولوجيا حين تُمارس بصرامة، لا تتعامل مع الجسد كقيمة أخلاقية، بل كعلامة: كطريقة لقراءة أثر المجتمع في الفرد، وأثر الحرمان في السلوك، وأثر العنف الرمزي في الصورة الذاتية. لكن الأنثروبولوجيا أيضاً خطاب بطيء يحتاج سياقاً واستدراكاً واحتراساً لغوياً. وعندما يتحوّل إلى كلام مرتجل أمام كاميرا، يسهل أن يُساء فهمه بوصفه حكما معياريا أو “تشهيرا”، خصوصا إذا تعلق الأمر برمز وطني في المخيلة العراقية.
ليست الفكرة أن “كل شيء مباح”، بل أن الثقافة الناضجة تميز بين القيمة الفنية وتفاصيل السيرة، وتناقش تفاصيل السيرة بلا شماتة ولا استعلاء. في تقاليد كتابة السيرة العالمية، لم يكن وصف هشاشة العبقري أو مرضه أو غرابة أطواره سبباً لإسقاط منجزه. كُتبت سير أعلام الأدب في الغرب متضمنة طبائعهم العصابية ونوباتهم النفسية وارتباكاتهم الاجتماعية من دون أن يُنظر إلى ذلك على أنه نوع من الفضيحة تُبطل القيمة الإبداعية للعبقري.
في الموسيقى، غالباً ما تُذكر معاناة العباقرة بوصفها جزءاً من صورة الفنان الحديث لا بوصفها مادة للتهكم؛ وفي الفن تحولت ملامح بعض الفنانين إلى “لغة هوية” تُقرأ جماليا وثقافيا بدل أن تكون معيارا أخلاقيا للحكم عليهم. هذه الأمثلة لا تشرعن الإساءة، لكنها تذكر بأن التفريق بين العمل وصاحبه، وبين الإنسان وصورته الرمزية، شرط لنقاش ثقافي أقل عصبية وأكثر رصانة.
بهذا المعنى، لا تختزل المسألة في سؤال “هل أخطأت بلقيس شرارة؟” بل في سؤالين أكثر فائدة: كيف نتحدث عن رموزنا من دون أن نحولهم إلى أصنام تمنع فهم بشريتهم؟ وكيف نحاسب عبارة جارحة محتملة من دون أن نحاكم صاحبها وكأنه تعمّد الإهانة؟
نعم، ربما خانت شرارة العبارة في موضع شديد الحساسية، لأن الحديث عن مظهر الراحلين سريع الاشتعال، ولأن ربط الملامح بالضعف النفسي قد يُسمع كتقليل، حتى لو لم يكن مقصوداً. لكن تحويلها إلى “متهمة أخلاقيا” على نحو مطلق يهدد بإنتاج مناخ يخاف فيه الناس من الشهادة والذاكرة والتوثيق، ويفضل فيه الجميع الصمت أو نفتتح مقالنا بعبارة: وكان الراحل وسيماً إلى درجة أزعجت أقرانه والمدينة بأكملها قبل أكثر من نصف قرن من الزمن.
تسع علاقات رئيسية بين الفوركس والسندات والذهب وأسواق الأسهم
الكنيست يصادق نهائيا على قطع الكهرباء والمياه عن الأونروا
ماذا كان في طريقنا ل 447 يوما مع رئيس الوزراء؟
مطر السياب على مظلة بلقيس شرارة
ترامب يتوعّد حماس بأشد العواقب إذا لم تتخل عن سلاحها خلال فترة وجيزة
هدى رمزي تكشف تفاصيل اعتزالها الفن
صبحي خليل يكشف عن ملامح تعارفه بزوجته
ما هو مرض السكري من النوع الخامس
نشوى مصطفى تستذكر زوجها الراحل
7 مراحل أتبعيها لتحصلين على بشرة صحية
انتقادات حول فيلم الملحد ما القصة
جريمتان خلال أسبوع في محافظة ديالي العراقية
وظائف شاغرة ومدعوون للتعيين في القطاع العام .. أسماء
وفاة فينس زامبيلا إحدى مصممين ألعاب الفيديو
أوبر تتلقى كل 32 دقيقة بلاغا خطيرا
إعلان توظيف .. الشروط والتفاصيل
وظائف حكومية .. وتنويه من الإفتاء بشأن طلبات التوظيف
بني سلامة مديراً لمركز دراسات التنمية المستدامة في اليرموك
طرح بطاقات بريدية تذكارية لـقديسو الأردن
مدعوون لاستكمال اجراءات التعيين في الصحة .. أسماء
كأس أمم أفريقيا .. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة
تمديد فترة التقديم لمشاريع البحث والإبداع الجامعية
محافظة البلقاء تحتفل باليوم العالمي للتطوع وتُكرّم جامعة عمّان الأهلية
الفراية يتفقد الأعمال الإنشائية بجسر الملك حسين



