الخيارات الاقتصادية والسياسية للأردن - د. حسين البناء

mainThumb

28-02-2017 01:04 PM

يعاني الاقتصاد الوطني من جملة عقبات على امتداد تاريخه، ولعل من أبرزها العجز المزمن في الموازنة العامة مقترنا مع جملة مشاكل أخرى مبنية ومتسلسلة على ذلك كعجز الميزان التجاري في ظل صادرات متواضعة ومتذبذبة بشكل أو بآخر. 
 
الأكثر خطورة من كل ذلك الاعتماد على الهبات والمنح والدعم المالي الدولي أكان من دول الخليج العربي أو المانحين الأوروبيين والدعم بأشكاله من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية. الجيد بأن هذا المدد الخارجي يكون بالعملة الصعبة كالدولار الأمريكي عادة، (مم يعزز الموجودات من العملات الأجنبية التي ستمول المستوردات وسداد الدين الخارجي) والأجمل أن هذا الدعم متواصل ويرقى لمستوى (الديمومة) مجازا،  وقد ساعد في تحقيق دفعة تنموية ملحوظة عندما ذهب لتمويل البنى التحتية ومشاريع التنمية.
 
 المؤلم في ذلك أننا نعلم بأن المانح مقابل أمواله تلك مازال يتوقع وربما يملي مطالبه على حساب استقلالية وسيادية القرار الوطني.
 
منذ أن أعلنت الحكومة عن ضرورة توفير إيرادات  مقدارها (450 مليون دينارا أردنيا) وبشكل ملح ومن بند الإيرادات الضريبية، قامت الدنيا ولم تقعد، فمن جهة انطلقت حملات المقاطعة، ومن جهة عدنا لأجواء التظاهر والاحتجاج، ومن جهة أخرى غص الفضاء الإلكتروني وخاصة (الفيسبوك)  بسيل من الرسائل والمحتويات الرافضة والناقدة والساخطة والتحريضية على هذا النهج، لدرجة أن أجواء التوتر والاحتقان سدت الأفق لشهور.
 
التساؤل المبدأي المطروح كان: هل يوجد بديل لتوفير المبلغ غير العوائد الضريبية؟ الإجابة نعم وبكل تأكيد. 
فما زال مقترح تخفيض الإنفاق مطلب واقعي، أكان على هيئة ترشيد عام للإنفاق في بعض البنود الأقل أهمية كبدلات السفر والمحروقات والمكافآت ولجم الهدر والفساد في بنود الإنفاق أكان جاريا أو حتى رأسماليا في هيئة تجميد أو حتى إلغاء لبعض المشاريع الأقل حيوية للدولة.
 
ومازالت الحلول قائمة في بند الإيرادات كذلك. ماذا عن إصدار سندات حكومية بمديات متنوعة أو الاقتراض مثلا؟ هل سيعزف المشترون والمستثمرون بالأدوات المالية عن شرائها؟ هل سترفص البنوك والمؤسسات الإقراضية ذلك ولماذا؟ 
 
نعم قد يكون من الصعب الاقتراض أو إصدار السندات لتمويل العجز الحاصل نظرا لحجم ونسبة الدين  من إجمالي الدخل المحلي/القومي ، فقد بلغ نسبة خطيرة وسوف تنعكس على تصنيف الدولة الائتماني لاحقا باتجاه الأسوأ، الأمر الذي يعني مخاطرة أكبر على المقرضين مم يعني سعر فائدة وعائد متوقع أعلى يطلبه الدائن لقاء شرائه السند أو الدين. وربما تصل الحالة لوقف كامل للتعاملات في ظل مخاطرة مرتفعة وتصنيف ائتماني ضعيف.
 
ماذا عن الاقتراض محليا أو إصدار سندات بالدينار الأردني بما أنه دين داخلي ومسيطر عليه بادوات السياستين المالية والنقدية؟ في الواقع تتجنب الحكومة ذلك لما من شأنة مص السيولة في السوق المحلي، الأمر الذي قد يفاقم مظاهر الركود التي تضعف النشاط الاقتصادي الراكد أصلا. كما أن ذلك من شأنه منافسة القطاع الخاص على المال المتوافر في السوق لتحقيق استثماراتهم الخاصة والتي هي المحرك الرئيس للنشاط التجاري والاقتصادي محليا. 
 
ماذا عن إصدار نقدي (Money Supply) من البنك المركزي بما قيمته نصف مليار دينار أردني كأحد أدوات البنك المركزي في سياسته النقدية (Monetary Policy) ؟ 
من شأن هذا الإصدار وعلى المدى القريب تحفيز النشاط الاقتصادي وتوفير السيولة لجميع الأطراف وتسهيل تمويل متطلباتهم من النقد، لكن ما هي تبعات ذلك على المدى المتوسط والبعيد؟ إن إجراء كهذا يحتمل المخاطرة بسعر الصرف وتشكيل ردات تضخمية لاحقة، ومثل هذا الإجراء يشترط به التكاملية مع مؤشرات وأدوات أخرى مكملة كسعر الفائدة والطلب على الدينار وحجم من النشاط يعكس حقيقة الحاجة للنقد، هذا إذا تجاهلنا النظرة القديمة بضرورة توفر الغطاء الداعم للإصدار النقدي.
 
للأمانة، فإن صاحب القرار الأردني في وضع لا يحسد عليه، فالقرارات المؤلمة وغير الشعبية من شأنها عرقلة الخطط والبرامج الأخرى الموازية للدولة في ظل التوتر القائم والحذر المطلوب. وربما تتضرر الأجندة السياسية كرد فعل على ما يحلو للبعض تسميته (تعثر الإدارة الاقتصادية) للدولة. فحالة ما يشبه الإدمان على سلسلة الأزمات أصبحت جزءا من المشهد لا يخفى على مراقب.
 
ربما المخرج الأكثر رحابة لمغادرة عنق الزجاجة الممتد يتمثل في تعزيز الشفافية والإفصاح لأنشطة الدولة، وتمكين مجلس النواب من الاطلاع والمشاركة والانخراط في تفاصيل القرار، وتطوير آليات دستورية للتمكين الشعبي كالاستفتاء على القضايا العامة الرئيسية،  وتكثيف جهود وقف الهدر في النفقات، وضبط التهربات الضريبية، وجدية لجم الفساد والتعديات على المال العام، وتحقيق انفراج سياسي حقيقي وملموس عبر قانون انتخاب تقدمي، وحريات صحفية واسعة، ودعم السلطة القضائية واستقلاليتها وهيبتها في هيكل السلطة.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد