في صبيحة القمة العربية أكتب - الدكتور رجائي حرب

mainThumb

29-03-2017 06:39 PM

في الوقت الذي ينظر فيه كل الأردنيين كما وكل العرب إلى مؤتمر القمة العربي في دورته الثامنة والعشرين بعين التفاؤل والأمل، ووسط كل هذا الإبداع الأردني في التنظيم والتخطيط والتجهيز لأرضاء كل المشاركين من قادة دول وضيوف رسميين وإعلاميين عرب وأجانب وتوفير سبل الراحة والعمل بارتياح، ينتابنا فرحٌ أردنيٌ يعربي يجعلنا نتأكد من قيمة الأرض الأردنية التي يجتمع العرب عليها دائماً؛ في ساحاتها وعلى امتداد رقعتها المقدسة التي تجاور المسجد الأقصى حيث غدت بقعةً مباركة في كل أبعادها الدينية والسياسية والعربية.
 
اليوم تزهو الأردن بالأشقاء الذين شرفوا الدار بلا استئذان فاحتضنتهم راضيةً مرضيةً، وأسبغت عليهم بعضاً من عبق أثواب الكرامة التي ما زال عبيرها يفوح في الوادي وعلى شواطيء البحر الذي يحيا اليوم بلقاء الإخوة وينتعش بنَفَس العروبة التي وإن كانت تعاني إلا أنها تنفس الصعداء وتقول أن هناك بوحٌ من الأمل يمكن أن يشكل خارطة الطريق لهذه الأمة التي عاشت المجد والعز في غابر أيامها وتتلمسه من جديد لتبني عليه ما فات لتنهض من جديد بهمة أبنائها ومريدين الخير لها.
 
عمان تقول للعالم كله هذا اليوم بأننا ما زلنا ننعم بالشرف والعفة الذي ما زال يعمر النفوس الأردنية بهمة كل الأردنيين الذين قالوا كلمتهم وسط أصعب الظروف؛ والذين نذروا أنفسهم للحفاظ على هذا الحمى المبارك وهذه البلد الآمنة. وما زالت تُنذر نفسها عاصمة للعز العربي؛ عفيفةً شريفةً رشيدةً لا يصدر عنها الا ما هو كبير وما يحقق مصلحة العرب جميعاً، وتُشْهدُ القاصي والداني أنها لم تعرف سياسية التحزبات ولا العنجهيات ولا الكولسات بل كانت دائماً منحازةً لقضية الأمة الخالدة التي سمَّاها رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم بأنها أعظم أمةٍ أُخرجتْ للناس، فكيف لا وما زال فينا بضعٌ من تلك السلالة الهاشمية القرشية العربية الشريفة يعيش بين ظهرانينا ويشكل عامود بيتنا الأردني الحر الأبيْ؛ الذي بيناه بصبرنا وتحمُّلنا للموجات البشرية التي شكلت فسيفساء بشرية قلّ نظيرها، فكان الأردن باقةً من الزهور تشكلت من كل الرياض والحياض العربية والإسلامية.   
 
عمان اليوم يلوذ إليها كل العرب يتلمسون في أرجائها حكمة المكان وقيمة الإنسان ومعنى طمأنينة الكيان بعد ضاقت بالعرب الأرض بما رحُبتْ، عمان اليوم هي آخر موئلٍ للأمة ينعم بالهدوء والطمأنينة والقدرة على الاستمرار؛ الأمةُ التي أصبحت بين خيارات أن تكون أو لا تكون، وبعدما اضطربت أركان الحياة في الديار العربية بفعل الفوضى والانقسام، فينكشف المشهد عن حقيقة أن الرؤساء العرب يرون في عمان عاصمةً للوفاق والاتفاق، وعاصمة الربيع الأخضر، كما هو وادي الأردن في آذار ونيسان، والعاصمة التي تعمل على حقن الدم العربي، وعاصمة التعاون والمهاجرين والأنصار، وسدنة البيت، والحاملين لثقل الأمانة في الزمن الصعب من أجل الامة وبلا أيادٍ ولا ألسنةٍ مرتجفة.
 
ورغم ما يحوم حول القمة من ظروف ولواعج قاسية وفرص ضيقةٍ للمناورة على المستوى القومي والعالمي، إلا أن ما نراه كأردنيين يجعلنا نشعر بالفخر عندما نجحنا في تحقيق هذا التوافد العربي الكبير الذي لم يحصل منذ سنوات عديدة في مؤتمرات القمة، ونشعر بالحرص الملكي على متابعة كل صغيرة وكبيرة، وعلى خلق أجواء مفعمةٍ بالأمل تؤهل لتحقيق نجاحاتٍ كبيرة أولها التقارب العربي الذي صنعه موقع الأردن في هذا التجمع بميزاته التوافقية وقيادته الملهمة، ومكانته العالمية، ودعوته الوسطية المعتدلة، وقدرته على خلق المبادرات بصورةٍ دائمة.
 
إن الظرف الحالي للأمة العربية بما ينتابه من حرج وخطورة، في ظل خلافات وانقسامات عربية– عربية يدفع الأمة بأكملها للنظر في التجربة الأردنية المتوازنة في الممارسة السياسية وفي كل الظروف والتي كانت بمنأى عن استخدام العنف أو حمل السلاح في وجه أي عربي, ولم تساند عربياً ضد أخيه، ودفعت أثماناً باهضةً لمواقفها الجريئة في كل الأوقات بالثبات على محبتها لكل العرب لأنها دائمة الاستشعار لمعاني ومنطلقات الثورة التي حملت رايتها في ذلك اليوم المفعم بالنخوة والشهامة من صيف حزيران سنة 1916.
 
وهنا وعندما نستعرض كل هذا السمو في الموقف الأردني وسردٍ لكل هذه الوقائع يبدو جلياً أهلية الأردن لان تقود القمة، قيادة الواثق من النجاح في السعي لوحدة الصف العربي، وقيادة الحريص على نبذ الفُرقة ومنع التشفي ووقف التشظي، مع طموح كبيرٍ على قدر دعوات وأمنيات كل الأردنيين وأشقائهم العرب من خلفهم بوقف نزيف الدم العربي وصحوة الضمير والقول كفى لكل ما جرى.
 
إن عمان اليوم بقائدها الهاشمي ورسالتها الإسلامية الوسطية المعتدلة، ونداء الوئام الذي أطلقته بين المسلمين والمسيحيين، وأهلها الوادعون الرحماء بينهم؛ الذين يحبون الضيف ويقاسمونه لقمتهم، وبأعمدتها التاريخية، وجبالها التي ما انحنت يوماً الا لله، وصبر أهلها على ضنك الحياة، وشموخ بيت العز رغدان فيها، كلهم يلهجون بالدعاء للباري أن يوفق قادة أمتنا العربية على مواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية اليوم كالإرهاب الداخلي والخارجي والتطرف الديني والتفرقة وكل ما يستهدف تراثها وماضيها وحاضرها ومستقبلها.
 
كما وتلهج بالدعاء لله أن يتمكن القادة العرب من العمل على تحقيق المادة الثانية من ميثاق الجامعة الذي يدعو إلى تعميق الصلات وتنقية الأجواء بين أبناء أمتنا العربية مع التركيز على القضايا العربية الأساسية التي تنفض الغبار عن اللحمة القومية العربية في موقف موحد حول قضية الأمة المركزية وهي القضية الفلسطينية ووإقامة الدولة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريفة.
 
إن قمة عمان في هذا اليوم تقول أنه آن الآوان لقادة أمتنا بكل أطيافهم لأن ينصرفوا لتحقيق وحدة الوطن والأرض والإنسان العربي الممزق ورفع مستوى معيشته ثقافياً وإقتصادياً وسياسياً وعربياً ووجودياً، وتعزيز مبادئ الحرية والمساواة وتحقيق العدالة، والعمل على بناء الأمل بين صفوف شبابنا العربي الذي تزدريه البطالة ويحط من قيمتة الفقر ويفت عضده تهديد الجماعات الإرهابية الساعية إلى شراء ذمته أمام العوز والبحث عن لقمة العيش. كما وتجأر القمة بأعلى صوتها داعيةً للملمة أشلاء الإنسان العربي الذي مزقته الحروب وسرقت أحلامه تداعيات المخططات الخارجية والتشرذم الداخلي وجعلته النزاعات لاجئاً يطمح للهروب من الواقع المرير.
 
إننا كشعوبٍ عربيةٍ ننظر بكل تفاؤلٍ لهذه التظاهرة العربية، ونقدر خطورة المرحلة التي نعيش، ونعلم علم اليقين الى اين نحن ذاهبون إذا لم يتم إعادة الدور العربي إلى مكانته الحقيقية، وبناء الامل للشعوب العربية ونحن متأكدون ان جلالة الملك سيعمل بأقصى ما يملك من اجل تحقيق هذه الغاية المنشودة.
 
 

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد