تسارع في الهدايا الأمريكية للسلطة الفلسطينية‎

mainThumb

06-02-2018 10:27 AM

 أود أن ألفت نظر القارئ أولا بأن مقالي هذا يتضمن عنوانا ساخرا في فحواه ومبتغاه عطفا على ما سيرد في داخل المقال من واقع مؤلم وصلت إليه القضية الفلسطينية بفعل توجهات الإدارة الأمريكية وانحيازها الأعمى للكيان الصهيوني في المجالات كافة، سياسية واقتصادية وعسكرية وغيرها.  ولا ينبغي الشك الآن في النتائج المتعاقبة للسياسات الأمريكية التي تسوقها الإدارات المتعاقبة وفقا لمنهجية مؤسسية تتعامل معها مع القضايا العالمية، وبخاصة القضية الفلسطينية التي تشكل حجز الزاوية لحل مشاكل المنطقة التي يشكل فيها الوضع الفلسطيني جرحا نازفا منذ بدايات الانتداب البريطاني على فلسطين، والرعاية التي أولتها الإدارات الأمريكية للكيان الصهيوني منذ أن تبنته ووفرت له أسباب القوة المادية حتى الآن.

 
حينما وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم في أمريكا، كان ثمة تفاؤل بأنه سيعمل على التوصل على حل القضية الفلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين، بما يبقي على دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويؤسس لدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، لكن الأماني شيء والواقع المر الذي تفرضه الإدارة الأمريكية على الفلسطينيين أمر آخر ما زال كريما في تقديم هدايا متواصلة للشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية على قبولها بالاستمرار في التفاوض مع الإسرائيليين استنادا إلى اتفاقية أوسلو التي تم التوصل إليها في تسعينيات القرن الماضي وأدت إلى قيام السلطة الفلسطينية في حينه.  ولا بد من الإشارة هنا إلى أن من يقرأ تلك الاتفاقية بتمعن وفيما بين السطور سيلحظ أن كل مادة فيها تحتاج إلى تفسير وتوضيح، وهو برهان قائم على المماطلة الإسرائيلية المعروفة في التعامل مع أعدائهم قدم التاريخ، وتلك كانت بدايات الهدايا التي قدمت للشعب الفلسطيني مقابل رغبته في الانخراط في عملية السلام.
 
أما وقد أعلن الرئيس الأمريكي أن القدس عاصمة موحدة لدولة الكيان الإسرائيلي، فتلك كانت المكافأة الثالثة للسلطة الفلسطينية لالتزامها باتفاقية أوسلو وما ترتب عليه من تعاون أمني مع الإسرائيليين على توفير سبل الراحة والطمأنينة لهم،وحال دون الكثير من العمليات الموجهة ضد المستوطنين في مختلف مناطق الضفة الغربية.   قد تقولون أين الهدية الثانية، فقد كان الحديث هنا عن الهدية الثالثة؟  للتذكير فقط، لننظر إلى استمرار الإسرائيليين في قضم الأراضي الفلسطينية ومصادرتها في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وهو ما يحمل فيه معناه الكثير الكثير، لا داعي من الوقوف عنده، إذ ليس هو الموضوع في هذا المقال.
 
ما يبدو من مواقف الإدارة الأمريكية، أنها تعمل على تجريد الفلسطينيين من كل حق لهم في أرضهم عموما وفي القدس خصوصا، والوصول بهم إلى مرحلة اليأس والاستسلام لما يريده الأمريكيون والإسرائيليون والقبول بما يتسرب عن صفقة القرن، وعدم تفوههم حتى بكلمة احتلال إسرائيلي على الإطلاق، والقبول بيهودية الدولة الإسرائيلية التي يعلمون على تنفيذها ليل نهار، والتخلي عن حقوقهم في المياه وفي الأرض، وحق العودة لملايين اللاجئين في أنحاء مختلفة من العالم، ومنحهم عاصمة في منطقة أبو ديس قريبا من القدس، والقبول ربما بدولة منزوعة السلاح تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وهو القليل القليل مما يصبو إليه الفلسطينيون في صراعهم مع اليهود، أو دفعهم باتجاه العمل السري والانتقامي من المصالح الإسرائيلية وحتى الأمريكية، مما يسمح للإدارة الأمريكية بفرض العقوبات التي تريد، وزيادة وتيرة العمل على تشريد الشعب الفلسطيني وإفراغ أرضه منه، وبالتالي إنهاء القضية الفلسطينية برأيهم ولو إلى حين.
 
لقد توالت الهدايا الأمريكية للشعب الفلسطيني، وليس أقلها، حرمان السلطة الفلسطينية من المساعدات المالية الأمريكية زيادة في الضغط عليها، نتيجة رفضها للإعلان الأمريكي بأن القدس هي العاصمة الأبدية للدولة المحتلة، بل يتضمن ذلك العمل إنهاء منظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، مع يتضمنه ذلك، من حرمان الملايين من اللاجئين الفلسطينيين من المعونات التي تعينهم على تحمل أعباء الحياة، وفرص التعليم للناشئة من الشباب، وحرمان كثير من العائلات من مصادر دخلها إذا ما تم حل تلك المنظمة.
 
لم يتوقف الأمر من إغداق الهدايا على مختلف شرائح الشعب الفلسطيني، الغني منها والفقير، المشرد منها والفقير، والحاكم والمحكوم، على ما أسفلنا ذكره، بل ها هو الأمر يصل إلى وضع السيد/ إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على قائمة الإرهاب.  ومن المعروف أن هذا الرجل عمل على مقاومة الاحتلال فحسب، ويعيش بين أهله في غزة، ولم تشر الصحافة العالمية يوما إلى انخراطه في أي عمل إرهابي موجه نحو مصالح أية دولة من الدول، فعمله اقتصر على مقاومة الاحتلال في الداخل، وهو حق محسوم للشعوب وفق ميثاق منظمة الأمم المتحدة. لن تتوقف الهدايا الأمريكية للشعب الفلسطيني على ما يبدو في المستقبل، لكن إرادة الشعوب تبقى فوق كل الإرادات متى ما أرادت، ولن تؤثر على شعب ما زال يتحمل نتائج قرارات ووعود لأطراف عملت على تمكين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ عشرات السنين.
 
 
 
كاتب ومحلل سياسي مستقل
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد