الزمان

mainThumb

22-08-2018 09:46 AM

 كنت أتجول في أعالي الجبال أتأمل الوديان، عندما جذبتني  أصوات كانت تنبعث من عمق الوادي من مكان معين تملأه الأضواء في حين كانت الشمس تنحدر للمغيب،.. حاولت أن أتقصى الأمر بمنظار مقرب كان معي فوجهته الى المكان، مع علمي أنه عرس! كان الشباب يمرحون ويرقصون والكل يضحك وسعيد، ألقيت المنظار جانبا وتنهدت متعجبا منهم وما يقومون به. وقلت في نفسي من مكاني الهادئ البعيد عنهم.. سبحان الله كيف يفكر هؤلاء وما هي نفسياتهم، وكيف يتمايلون ويدبكون على صوت "المجوز" بهذه الطريقة المضحكة.

 
لم أمكث طويلا في مكاني فقد حركت سيارتي وبدأت انحدر في طريق ملتف الى الوادي، ودون أن أخطط قادتني الطريق الى المكان الذي رأيته من اعلى الجبل، واذا أصوات الموسيقى منعشة والإضاءة مبهجة! اقتربت أكثر حتى دخلت في خضم الحفلة! ودون ان أقرر او أختار انخرطت مع الشباب في الرقص والدبكة، وشعرت بالنشوة التي غمرني بها المكان وحالته، وسيطرت على كياني ظروف الفرح والغناء..
 
ما حدث معي في الحالتين سيحدث مع كل شخص يعيش في عصرنا عندما يريد ان يحكم على انتاج عالم عاش قبل الف عام او اقل، فالظروف التي سيطرت قبل ألف عام، والواقع الذي فكر من خلاله ذلك العالم، وعمل واتخذ أحكاما معينة بناء عليه، تختلف عن ظروف الشخص الذي انبرى لمحاكمته بناء على ظروف عصره الحاضر، وحتى لو كان الأمر يتعلق بالعلماء، فلا يقول أحدهم: إن الاحكام التي اجتهد في استنباطها عالم معين ثابتة، لأن النص ثابت!، نقول له.. العالم يجتهد في وعاء من الزمكان كما عبر عنه انيشتاين.. أي الزمان والمكان وما يتبعها من متغيرات، فالظروف التي احاطت به عند اصدار أحكامه المرتبطة بمكان وزمان، غير متوفرة الآن، وغير مهيأة في زماننا لانهما في تغير دائم ومختلفة، وهذا طبعا لا ينسحب على الحدود..
 
 أيضا من يتهجم على هذا العالم او ذاك في الزمن الماضي، هو يجرد اجتهادات العلماء من الزمان والمكان، ويحاكم اجتهاداتهم ب"زمكانه"، وهذا الامر لم يقره علماء المسلمين.. فالشافعي مثلا غير فتاواه بتغير المكان في نفس الزمن، لذلك من الخطر ان يفتح أحد الأشخاص كتابا قديما ويأخذ منه حكما ويسقطه على زمنه الحالي دون دراسة واقعه الحالي، ويلغي الواقع الذي هو متعلق بالزمان والمكان، بل يجب عليه ان يسأل أحد علماء زمنه الموثوقين الذين يستطيعون انزال الحكم على الواقع بعد دراسته دراسة واعية، وهذا الإشكال هو الذي وقع فيه أشخاص ودارسون وحركات أغفلت "الزمكان" وعاشت في الزمن الماضي منكرة زمنها الحالي حاجاته، ووقعت في حيرة كبيرة حتى أصبحت منفصلة عن زمانها شكلا ومضمونا، وكانت بوابة للفتن ما ظهر منها وما بطن ..
 
                             


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد