مسلسل جن .. وأبناؤنا المراهقون - د. عاطف القاسم شواشرة

mainThumb

14-06-2019 07:32 PM

قبل ما يزيد عن عشر سنوات من الآن، عندما كنت أعمل في التدريس الجامعي، طلبت مني إحدى الطالبات مساعدة صديقة لها في تحسين علاقتها بابنتها المراهقة، حيث وصفت لي وقتها أن هذه الابنة متمردة على أمها ولا تحترمها أبدا، بل وتسمعها الكثير من الشتائم في النقاشات البيتية، وقد بدأ لي وقتها أن المشكلة في أعقد حالاتها ربما تتعلق بنمط شخصية الفتاة أو مشكلة سلوكية تربوية.
 
بعد الجلسة الأولى مع  الأم وتحديد أبعاد المشكلة من حيث نمط التنشئة والقيم والديناميات السائدة في الأسرة كانت الملامح تشير إلى تفكك العلاقات داخل الأسرة وسيادة الطلاق العاطفي بين الزوجين، وغياب دور الأب والأم العاطفي والتوجيهي للأبناء، وكانت هذه الفتاة تعيش نمطا متحررا متسيبا يخلو من أي رقابة أو توجيه وهي منضمة لمجموعة من رفقاء الصف وجميع أفراد "شلتها" ذكوراً وإناثاً من عبدة الشيطان ولهم طقوسهم الخاصة في الحفلات والرحلات والتواصل، وبعد عدة جلسات وذكر الكثير من الأحداث توصلت إلى قناعة مفادها أن بيئة بعض هذه المدارس ظاهرها فيه التعليم والتربية وباطنها فيه الفساد والانحدار والانحلال الخلقي لدرجة أنني رفضت وقتها جميع الفرص المتاحة أمام بناتي للحصول على منح دراسية للالتحاق بهذه النوعية من المدارس.
 
اليوم وبعد الضجة الإعلامية على مسلسل "جن" أرى أنه يمثل شريحة لا يستهان بها من طلبة هذه الشريحة الاجتماعية، فهم ينتمون لأسر غنية بل موغلة في الغنى والثراء ممن يرون أن القيم المادية  هي أهم القيم في حياة الانسان -وليس كل الأغنياء كذلك طبعا- إضافة إلى قيمة التحرر "الغبي" المنفصل عن البناء القيمي للانسان، وهذا عكس الطبقة الوسطى التي تتضخم لديها قيمة التعليم أكثر من باقي القيم الأخرى.
 
 وعلى الرغم من أنني اعتبر نفسي متحرراً وحداثياً بمفهوم التحرر الفلسفي المبني على الحكمة والحق والخير وليس الانسلاخ عن الذات واللهاث وراء النماذج الغربية ، وقد ربيت أبنائي على هذه القيمة العليا المتوائمة مع الأخلاق والقيم والدين، إلا أن مسلسل جن معيب في حق الحداثة والتحرر قبل أن يكون مسيئاً للعادات ولقيم المجتمع الأردني، وينبغي أن يستفز الليبراليين قبل المحافظين، لأنه تجاري وليس هادفاً. هو من طراز أفلام السبكي، لا يوسف شاهين، فلا تندفعوا ايها الليبراليون إلى التبرير والدفاع عن منتج أقل ما يقال عنه أنه بعيد كل البعد عن الابتكارية والابداعية ويكرس مستوى معينا من الفكر الضحل (حتى في الانحلال فاشل)، المسلسل لا يستحق المتابعة، من حيث القصة وسردها، خصوصاً ما تعلق فيها من حوار وتسلسل الافكار وترابطها، كما لا يستحق الاشادة بمن عملوا به، فقد فشلوا في تقديم وجبة دسمة عن خيال سردي موجود، فخلقوا عملاً مشوهاً لا يلبي متعة طالب في الصف الخامس، إضافة لمشاهد العلاقة الأبوية الشاذة، والتي تظهر الأب المنفصل عن الواقع الهارب من الحقيقة ،  القصة ساذجة نوعاً ما، مبنية على أفكار مجتزأة من أفلام ومسلسلات عالمية إضافة إلى اللهجة السوقية في أحاديث الأصدقاء، مثلما اعتمد على لقطات حب وغرام طفولي اشتعلت  جذوته في قلوب طلاب مراهقين، فحسب المسلسل الحشيش مسموح، والتقبيل مسموح، والشرب مسموح، خدمة للرغبات الجنسية ! 
 
أيها الأردنيون لتقاوموا العولمة الثقافية وهذه الهجمة على قيمكم بالعمل الجاد على أبنائكم، وبنائهم بناءا صلباً لمواجهة هذا الانحلال ولا تسمحوا لثقافة أو هجمة بأن تقتلعكم من جذوركم.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد