سد النهضة مخطط سياسي صهيوني قديم

mainThumb

14-07-2020 03:11 PM

منذ قيام إسرائيل في فلسطين عام 1948 وهي تسعي بدعم غربي بشكل عام الى إفناء وتدمير كل سبل الحياة في محيط فلسطين والعالم العربي. بادرت اسرائيل بعد 17 عاما فقط من اعلان قيامها الى تجفيف نهر الأردن ونقل مياهه بعيدا عن مجراه التاريخي وذلك بسد مخرجه من بحيرة طبريا وضخ زيادة المنسوب اليومي لمياه هذه البحيرة إلى خزان مائي عملاق مكشوف بني في جبال الكرمل خصيصا لهذا الغرض.

المسافر الى فلسطين عبر جسر الشيخ حسين وأثناء مرروه من منطقة طبريا والناصرة إلى الداخل الفلسطيني عبر سهل مرج ابن عامر في شهور الصيف يلحظ مباشرة كثافة وارتفاع النباتات على جانبي الطريق مقارنة بالأردن وذلك بفضل حقن الفائض عن حاجة الصهاينة من المياه في فلسطين المحتلة في الأحواض الجوفية إضافة إلى تغذية مزارع الأسماك العديدة المنتشرة في الشمال الفلسطيني.

قبل توقيع اتفاقية وادي عربة مارست اسرائيل الإرهاب علينا لمنعنا من استغلال مياه الأحواض الجوفية في وادي عربة على الجانب الأردني من الحدود السياسية على مدى عقود من قيامها الأمر اللذي أعاقنا عن تطوير مشاريع التنمية في وادي عربة لعقود. المتصفح لخرائط مواقع آبار المياه المنشورة في أبحاث عالمية مستقلة أول ما يلحظ الكثافة الكبيرة لأبار المياه على الجانب الفلسطيني المحتل من وادي عربة مقارنة بعدد قليل جدا من هذه الآبار في الجانب الأردني وذلك على طول المسافة الفاصلة بين البحر الميت وحتى خليج العقبة.


من المعروف أن حوض الديسي المشترك بين الأردن والسعودية هو حوض مائي أحفوري عملاق تشكل بفضل العصور الجليدية المطيرة الرئيسية في مناطق الشرق الأوسط التي تتكرر كل عشرين الف عام في المتوسط يتخلل هذه المدة عادة عصور جليدية مطيرة صغرى تستمر لعدة عشرات من السنين. قبل البدء بتنفيذ مشروع نقل مياه حوض الديسي من اقصى جنوب الأردن إلى مختلف المدن الأردنية شمالا وفي أجواء ذلك لجأت إسرائيل إلى تسويق مقولة أن العصور الجليدية في منطقة شرق المتوسط ليست عصور مطيرة دون الإشارة ولو بكلمة واحدة في تفسير وجود ألأنهر والبحيرات الجافة في الجزيرة العربية والعثور على متحجرات نباتية على جانبي نهر الباطن ولا إلى إرتفاع مستوى سطح البحر الميت الى أكثر من 160 متر عن مستواه الحالي (420 متر تحت مستوى سطح البحر قبل أكثر من عشرة أعوام) وكأنها تثنينا عن استغلال هاذا الحوض بحجة أنه لا يمكن تعويضها مستقبلا.


عندما لم تقنع العلماء والباحثين رواية أن العصور الجليدية في منطقتنا ليست مطيرة، لجأت بعدها إلى التشكيك في نوعية مياه حوض الديسي بادعاء أنها مضرة للصحة لإحتوائها على نسب عالية من الإشعاعات استنادا لما أدعي أنها أبحاث لعلماء صهاينة نشرت في دوريات، بينما هي في حقيقة الأمر مجرد منشورات سياسية تشكيكية تهدف إلى التحكم في مصائرنا كعرب ومسلمين على المدى البعيد ومنعنا من إقامة مشاريع تنموية ذات طابع استيراتيجي. بين الفينة والأخرى نسمع أقاويل من أنها أي اسرائيل ترغب في حصة من مياه حوض الديسي بادعاء أن هاذا الحوض يمتد حتى وادي عربة. اذا ما صح أنها أي اسرائيل طالبت بحصة من مياه حوض الديسي المضرة صحيا كما تدعي بسبب إحتوائها على نسب عالية من الإشعاعات لماذا تريد حصة منها في سلوك مضحك إذا ما ثبت فعلا أن اسرائيل طالبت بذلك على الرغم من بعد هذا الحوض جغرافيا عن الحدود السياسية لفلسطين المحتلة ووقوعه كحوض مشترك فقط بين الأردن والسعودية.


يبعد موقع سد النهضة مسافة 8 كيلومترات تقريبا عن الحدود السودانية، الظروف الطبوغرافية الضرورية لبناء السد موجودة ضمن ما يشبه جيب حدودي اثيوبي داخل الأراضي السودانية، هذه الظروف الطبوغرافية المثالية لبناء سد بحجم سد النهضة غير متوفرة على مجرى هاذا النهر في عمق الأراضي الأثيوبية. الموقع الجغرافي الحالي لسد النهضة يطرح أكثر من استنتاج وأكثر من تساؤل. هل صيغت الحدود مع السودان أم عدلت أم أحتلت من طرف إثيوبيا بتوجيه صهيوني اسرائيلي لتلبي ما خطط له قبل وقت بعيد. السياسيين الاثيوبيين يقولون ان الهدف من اقامة هاذا السد هو انتاج الطاقة الكهربائية فقط ومن يمنعها غدا أن تنقل مياه بحيرة السد إلى مناطق بعيدة جافة تماما كما فعلت اسرائيل في مياه نهر الأردن. حتى على النيل الأبيض نجد أن الحدود السياسية لدولة جنوب السودان عند مجرى النيل الأبيض أيضا صيغت بوجود جيب حدودي حول مجرى النيل الأبيض بعرض 90 كيلومتر وطول 140 كيلومتر داخل الأراضي السودانية، فهل هناك مخطط لبناء سد مماثل لسد النهضة على النيل الأبيض، المستقبل القريب وليس البعيد سيكشف لنا ذلك.


إذا ما تفحصنا الأمور بشكل جيد واستقرئنا تبعاتها بتجرد نكتشف بأن عواقب سد النهضة كارثية على مصر حتى على البنية العمرانية في الدلتا نفسها. البنية العمرانية في منطقة الدلتا أقيمت تاريخيا فوق تربة ترسيبية منقولة بحد مستوى مياه جوفي ثابت، إذا ما هبط مستوى المياه الجوفية في منطقة الدلتا أكثر مما هو عليه الآن سيكون هناك جفاف وبالتالي خلخلة بنية التربة المقامة عليها جل مدن وقرى الدلتا وكذلك الخرطوم ايضا. هاذا علاوة على الأضرار البيئية المترتبة على تراجع معدل انسياب مياه النيل إضافة إلى أضرار وكوارث صحية ناجمة عن تراجع حصة الفرد المصري المائية. سيترتب على ذلك أيضا تضرر أنظمة الري التاريخية وتضرر الصناعة المقامة على ضفاف النيل لأن الكثير من الصناعات تعتمد على المياه ضمن أنظمة تشغيلها الأمر اللذي سيترتب عليه تلوث حاد في مياه النيل وبما يهدد الثروة السمكية النهرية.


ينبغي على الأشقاء المصريين عدم التهاون البتة في حقوقهم المائية سيما وأن نهر النيل يجري منذ ملايين السنين والطبيعة هي المسؤولة عن شق مجراه وليست أثيوبيا أو السودان أو مصر. بناء على ماسبق ينبغي علينا أن نوجه عقولنا نحو ما يخططه لنا هاذا الكيان وداعميه من حرماننا من كل سبل البقاء والحياة كعرب مستقبلا. ما تطالعنا به الأخبار من أن الجانب المصري يقول أن سد النهضة الحالي ليس هو ما أتفق عليه سابقا بهاذا الحجم وبهذه القدرات التخزينية للمياه. اسرائيل تعرف أن أخطر ما يهدد وجودها هي مصر لذا حركت كل طاقاتها في مراكز دراساتها السياسية وكذلك المراكز الدراسية السياسية الغربية المؤيدة والداعمة لها في اتجاه التحكم في قدرة مصر على التحرك مستقبلا راهنة مصير مصر وشعبها بين ايديها من خلال اثيوبيا في النيل الأزرق وربما غدا دولة جنوب السودان التي من الممكن جدا أن تقوم ببناء سد مماثل على النيل الأبيض ولا ننسى أن إسرائيل هي التي لعبت دورا رئيسيا في انفصال جوبا عن الخرطوم. إسرائيل تسعي إلى تجفيف وإفناء كل سبل الحياة في عالمنا العربي فأين نحن من ذلك سيما وأن لنا تجارب في ذلك من خلال نهر الأردن وإرهابنا من أي محاولة استغلال لمياه حوض وادي عربة في جانبنا الحدودي مع فلسطين المحتلة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد