حياء الرجال وقوامتهم

mainThumb

21-12-2020 08:12 PM

 موضوعٌ لطالما أزعجني… وقد عادت فاستفزتني لأكتب فيه قصصٌ وآراء متعددة سمعتها مؤخرًا في جلسات المعارف والأصدقاء من الجنسين

خلق الله الرجال والنساء بخصائص مختلفة ومتميزة لإحداث توازنٍ جميل في الكون ما بين القسوة والليونة، والخشونة والرقة، والعقل المطلق والعاطفة .. ولم يضع ميزانين مختلفين لتقييمهما ومحاسبتهما أو مكافأتهما… فالاختلاف هو للموازنة والتكامل وليس للتفريق وإعطاء أي منهما تميّزًا
 
إن أردت أن تعرف حجم رذيلةٍ ما فاستبدل الرجل بالمرأة للموقف ذاته 
وستدهش حين تدرك
 
أننا مجتمعٌ ذكوري يعاني من ازدواجية المعايير حدّ المرض المزمن
 
فقد وصلنا إلى مستوى تقبل الرذيلة من الرجل على أنها شيءٌ عادي بل ومتوقّع، نُدهش لعدم حدوثه.. لكن نرجم بالكلمات والسياط أي امرأةٍ تأتي بمثلها.. ونصوّرها بأبشع طريقة رغم أن كلاهما مخطئ بنفس الدرجة..
 
أن الرجل (من العدل أن نقول معظم الرجال وليس الجميع) لا يخجل أبدًا من ذكر معصيته وكشف ستر الله عليه وحتى المجاهرة بها أمام الملأ، وقد أُمرنا بأن نستتر إن ابتلينا بالمعاصي، فيكون رد فعل من حوله الاكتفاء بالضحك أو الابتسام هذا إن لم يُمتدح على “منجزاته”. وتذكر المرأة معصيتها فتوصم بأشنع الصفات وقد تُنبذ
 
أن ادعاءنا الدائم بأن عقليتنا متطورة ومنفتحة للغاية، وبأننا عادلون في محاكمتنا طرفي المجتمع هو ادعاءٌ واهم.. نحن لم نصل إلى هذه الدرجة من العدل بعد، ولن نستطيع ذلك في المستقبل المنظور بعد قرونٍ من ترسباتٍ اجتماعية وعادات تستحكمنا
 
معظمنا يقبل من الرجل النظر إلى النساء أو إبداء الإعجاب بأوصافهن الجسدية على أنه “أمرٌ طبيعي للغاية” و”صِفةٌ ليس باستطاعة الرجل تغييرها كونها متأصلة فيه جينيّا”، في حين نستهجن من المرأة القيام بذلك
 
يضع الرجل على صفحات التواصل الاجتماعي صور لنساء عاريات، أو ما يقارب ذلك، أو في أوضاع مغرية، تغزلًا بجمالهن وفتنتهن فيتقبلها الجميع بمرح واستحسان دون أي تأنيبٍ له أو تعزير. يُمتّع أصدقاؤه من الرجال أنظارهم بها على اعتبار أنها امرأة ارتضت لنفسها إظهار جسدها فلا حرج عليهم، ولا يدركون أنها محارم الله بغض النظر عن مسؤولية تلك المرأة. أما أصدقاؤه من النساء فإما يبدين إعجابهن إظهارًا “لتفتّح عقليتهن”، أو من الباب التملق الاجتماعي. وهو كله ما يشجعه على المضي في ذلك على اعتبار أنه ينال إعجاب واستلطاف الجميع بخفة دمه وعميق تذوّقه “للجمال الرباني”. في حين ستُرمى امرأة تجرؤ على وضع صور رجال عراة أو ما يقارب ذلك (وهو حقيقةً ما لم أشهده حتى الآن من أي امرأة أعرفها) بأسوأ الألقاب، بل وستزال تمامًا من قوائم أصدقائها من الجنسين على اعتبار جرأتها ووقاحتها.
 
لكأن الشرف وفقدانه مرتبط دائمًا بالمرأة.. ولكأن المرأة وأي ضعفٍ يصدر عنها هو وراء كل الآفات والمشكلات.. ولكأن العلم لم يثبت مرارًا أن الحاجات والغرائز والمشاعر تجاه الطرف الآخر واحدة بالنسبة للرجال والنساء… ولكأن ديننا لم يؤكد ذلك صراحةً عندما فرض عقابًا متطابقًا تمامًا لكليهما عند الإتيان بالذنب ذاته ولم يفرق بينهما في ذلك أبدًا
 
لا أكره شيئًا قدر الظلم.. ومِن أوجُه ذلك الظلم ازدواجية المعيار، وتحميل المرأة وشكلها وملبسها وتصرفاتها وأي لحظة ضعفٍ تقع فيها كل أسباب الفشل والفقر واللعنات، ووضعها تحت المراقبة المجهرية المستمرة والتشديد عليها في كلّ صغيرةٍ وكبيرة في حين لا رقيب على الرجل سوى ذاته
 
إن استغراب حدوث شيء ما أو الاهتمام الزائد به هو دليل على عدم تقبّل المجتمع لحدوثه مسبقًا. كي أوضح فإن الاستغراب لتولي أمريكي من أصول أفريقية الرئاسة هو دليل عقود سابقة من التفرقة ضدهم. بالمثل فإن الحماس الذي ترافق مع ترشح امرأة للمنصب ذاته هو دليل على تفرقة تاريخية ضد المرأة ونظرة دونية لها
 
حين يترشح شخص لمنصب ما فالطبيعي والمفترض، والذي يتشدق به الجميع نظريًا، هو أن الاختيار يتم وفقًا للشخص ذاته ومؤهلاته وخبراته دون النظر بأي درجة إلى أيٍ من صفاته الشخصية من عرق ولون وجنس وعقيدة. وبالتالي فإن ترشح امرأة أو شخص من أصول أفريقية يجب نظريًا أن يكون أمرًا طبيعيًا للغاية ومتوقعًا في كل يوم، ولا يرافقه هذه “الفرحة المفتعلة” بكوننا مجتمعات لا تعرف التفرقة وتتعامل بتكافؤ الفرص والحقوق والواجبات. لا يهمني مثلًا أن أصوّت لامرأة أو شخص من أصول أفريقية فقط لإظهار نظرتي المتكافئة للجميع، فهو أمرٌ مزروع في بصورة طبيعية وقد تربيت عليه فلا أحتاج لإثباته حتى أمام نفسي
 
أيتها المرأة: لا تكوني عدوة بنات جنسك بالتصرف والتفكير بذات الأسلوب الذي فرضه عليكِ مجتمعٌ سقيم، يتغذّى على تحميل المرأة كافة أوزاره وأخطائه حتى إخراج بني آدم من الجنة، ويسعى لإشعارها دومًا بالضعف ووجوب تبرئة الذات وإثبات الجدارة. أول المطالَبين بالخروج عن هذا الإطار هنّ النساء (وهو ما لن يحدث للأسف).  فيجب عليها مثلًا من منطلق المعاملة بالمثل وكما يفعل الرجال، أن لا تقبل الزواج إلا بمن “ما باست تمه غير إمه”.. وأن لا تنظر بعين الاحترام أو تفكر بارتباط جدّي برجلٍ لم يضع لنفسه قيود العذرية قبل الزواج، أو ارتضى الدخول معها في علاقةٍ غير شرعية لكون ذلك يجعلها “تشك في جدارته كزوج سيحافظ على شرف العائلة”.. إن كنت ستنبذين المرأة لإتيانها معصية (وأنا ضد ذلك لأن لله وحده حق الحساب وقد يكون ذو المعصية أحيانًا خيرًا من غيره من مدّعي الدين) فلتنبذي الرجل أيضًا للسبب ذاته. طبّقي العدل على نفسك وعلى عائلتك وأصدقائك، قبل أن تلومي المجتمع على ظلمه لك
 
عزيزي آدم: لك منا الحب والاحترام والاهتمام سواء كنت الأب أو الأخ أو الزوج أو الابن.. أما الوصاية فهي على القصر وفاقدي الأهلية.. وأما الولاية فهي تبعات ومسؤوليات وليست امتيازًا تفتخر به وتسئ استخدامه..  وما لا ترضى من أختك أو ابنتك أن تأتيه وتستهجنه منها هو بنفس الدرجة من السوء إن أنت فعلته
 
ليست لك أية امتيازاتٍ على حواء سوى بما فضّل الله بعضكم على بعض من العلم والتقوى، تمامًا كامتيازك على غيرك من الرجال. ذنبك ليس مغفور أبدًا حتى على مستوى النظرة، بداعي جنسك وكروموسوماتك إلا بقدر ما يشاء الله، وبقدرٍ يعادل ما يغفره لحواء من ذنوبها
 
الحجاب ليس فرضًا على المرأة وحدها، فللرجل حجابٌ يتمثّل في حجب نظره عما هو محرّمٌ عليه وإن عُرض أمامه
 
 والحياء مطلوبٌ من الرجل ومستحبٌ منه بقدر ما هو مطلوبٌ من المرأة
أيها الزوج: ما لا ترضاه من زوجتك في حضورك أو غيابك يجب أن تكون أول الممتنعين عنه في حضورها وغيابها، لا فرق بينكما ولست مسامحًا في أي تصرفٍ لا ترضى من زوجتك بمثله فقط لكونك رجل. إذا أردت أن تزن صحة تصرّفٍ ما توشك القيام به، فتخيّل أولًا أن زوجتك أتت به. فإن قبلته وارتحت لذلك فافعله، وإلا فهو ليس مسموحًا لك. الرعاية الصحيحة التي امتزت بها تتحقق بأن تكون القدوة بأفعالك، وليس بفرض ذلك على زوجك. قِوامَتُك تقتصر على إنفاقك عليها ورعايتك لمصالحها، وهي طرفٌ شريك وليس تابع أو خاضع لأوامرك. لن تُحاسب عنها ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى، إنما أُمرتَ بالنصح الطيب لا أكثر.
 
لسنا في العصر الذي كان الرجل فيه يضع حياته على راحة كفه ويتجه للحرب فتراتٍ طويلة، أو يكون مضطرًا معظم الوقت لأن يعرّض حياته للخطر دفاعًا عن المرأة الضعيفة من الحيوانات المفترسة والأعداء، أو يتحمل بمفرده أشغالًا شاقة لا تستطيع زوجته القيام بها ليوفّر لزوجه وعائلته كافة احتياجاتهم
 
ذلك الزمان انتهى… والمرأة تجاهد اليوم قدر جهاد الرجل بل يتجاوزه في كثيرٍ من الأحيان، ويكفيها أعباء زائدة عنك معاناتُها الشهرية وحملُها وولاداتها
 
لم نعد نحتاج منكم سوى للحب والمودة والرحمة والتشارك في المسؤوليات، وهو أيضًا ما نبذله لكم بمنتهى السعادة والرضا
مسؤولية الأهل عن تصرفات أبنائهم تنتهي مع بلوغ الأبناء سن الرشد، فما الذي يجعلك عزيزي الرجل تعتقد بمسؤوليتك ووصايتك على تصرفات المرأة، أيًا كانت بالنسبة لك، حتى مماتها؟
 
أيها الآباء والأمهات: ربوا بناتكم على مراقبة أنفسهن دون الحاجة إلى رقيب، تمامًا كتربيتكم أبناءكم من الذكور. وحاسبوهم على الخطأ بنفس الدرجة والأسلوب
 
كلماتي ليست دعوة للمرأة للخروج عن دينها ولا يفهمها بهذا المعنى إلا أعمى البصيرة، إنما هو دعوةٌ للعدل، ودعوةٌ للرجل والمرأة والمجتمع للعودة إلى الدين كما أراد الله له وليس كما يلويه مجتمعٌ ذكوري كي يناسب أهواءه ورغباته
 
في السياق ذاته أقول للمرأة في مجتمعنا توقّفي عن معاملة الرجل كما لو أنّه يتوجّب عليه بذل الكنوز والغالي والنفيس ومحاربة السباع و.. و.. و.. ليحظي بشرف الزواج بك. فكما أن المطلوب منه إثبات جدارته بك كرجل وزوج (وليس آلة سحب نقدي)، يتعيّن عليك أنت أيضًا أن تكوني جديرةً به. لا تعامليه كما لو كنت “السلطانة” فأمامه الكثيرات ممن هن جديرات به دون أن تعاملنه بهذا “الاستنزاف”. احترمي وقدّري عقله وشخصه ليري فيك ما هو أكثر من “حريم”.
 
على المجتمع استعمال الميزان ذاته في محاكمة جميع أطرافه .. وإلى أن يحدث ذلك سنبقى في المؤخرة


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد