عزل ترامب وأبواب الجحيم

mainThumb

14-01-2021 07:20 PM

خاتمة الرعونة طريق مسدود.. فمسيرة حكم الرئيس الأمريكي دوناند ترامب منذ أربع سنوات حتى نهايتها، كانت تجربة مريرة بالنسبة لغالبية الأمريكيين على كافة الصعد الداخلية والخارجية، فبدا كأنه زوبعة عصفت بالبلاد فاسترعت المصلحة محاصرتها والقضاء عليها درءاً من عواقب استمرارها المخيف؛ لتنتهي فترة حكمه بكل أطرافها إلى منطقة الخطر، وكان على أحدهم أن يغادر المركب طوعاً أو يُلقى به في البحر؛ كي يصل المركب بالبلاد إلى بر الأمان. من هنا جاء الموقف الأمريكي الرسمي ليحسم معركة المواجهة مع رئيس ثبت بأنه متهور وغير متوازن، مما جعل مجلس النواب الأمريكي يصوت لصالح قرار عزل الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، ويتهمه بـ"تحريض" أنصاره علناً وعلى رؤوس الأشهاد في أعمال الشغب التي شهدها مبنى الكابيتول (مقر البرلمان) الأسبوع الماضي في سابقة غير مشهودة.
 
وانضم عشرة نواب من حزب ترامب الجمهوري إلى الديمقراطيين في التصويت على القرار، الذي جاء بنتيجة 232 صوتا مقابل 197.. وهو فارق يدل على مدى الاحتقان الذي تسبب به الرئيس المقامر ترامب من جراء سياساته المتهورة وغير المألوفة من قبل الأمريكيين التي يرمي من خلالها إلى وضع العراقيل في طريق الرئيس المنتخب جو بايدن وإشغاله في قضايا لم تكن بالحسبان، بعدما سُدَّتْ المنافذ في طريق استعادته للفوز الذي قال بأنه مُختطف من قبل الديمقراطيين عن طريق التزوير وهو ما عجز عن إثباته أمام القضاء الذي حكم لصالح الرئيس الذي ثبت فوزه بنسبة عالية.
وبهذا، أصبح ترامب أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يُعزل مرتين أو يتهمه البرلمان (الكونغرس) بارتكاب جرائم بمعاونة أنصاره ممن أدرجوا في قائمة الإرهاب اليميني الداخلي.
وسيواجه الرئيس الجمهوري ترامب الآن محاكمة في مجلس الشيوخ. وإذا أُدين، قد يُمنع من تولي المنصب مرة أخرى.
 
لكن من غير المرجح أن يضطر ترامب إلى ترك البيت الأبيض قبل انتهاء فترة ولايته خلال أسبوع، وهي فترة مناسبة يستطيع من خلالها اتخاذ قرارات مدمرة غير محسوبة في إطار خيارات عديدة يتوقعها المراقبون ولعل أسوأها ضرب إيران نووياً، وإشعال حرب ضروس في الخليج العربي يكون من شأنها أن تعطل آلية تسليم السلطة إلى جو بايدن؛ فيحظى بذلك على أطول مدّة ممكنة للبقاء في الحكم وفق القانون الذي سيجيز له ذلك، وخاصة أن مجلس الشيوخ الذي ينتظر منه المصادقة على قرار العزل، لن ينعقد قبل حفل تنصيب جو بايدن المزمع إقامته في الثاني من فبراير المقبل حيث ستسلم السلطة للرئيس الجديد من قبل مايك بنس، نائب الرئيس المنتهية ولايته، ترامب الذي رفض الحضور احتجاجاً على اختطاف حقه بالرئاسة وفق ما يدّعي.
 
 
فهل تأخذ الغطرسة ترامب نحو التصعيد الجماهيري من جديد لإفشال هذا الحفل خلافاً لتصريحاته الأخيره ووعوده بتسليم سلس لسلطة! وخاصة بعد إدانته من قبل مجلس النواب وصدور قرار بعزله!
التقارير الأمنية ترجح هذا السيناريو وفق ما يُنْشَرُ من تصريحات لمسؤولين أمريكيين. منها ما جاء في افتتاحية الغارديان بعنوان: (الديمقراطية في أمريكا: التهديد حقيقي)، " بأن هناك تقارير أوردت في طياتها تحذيرات مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن احتجاجات مسلحة محتملة في العاصمة وفي أنحاء من الولايات المتحدة في الأيام المقبلة. وأغلقت السلطات المنطقة المحيطة بنصب واشنطن، بالقرب من المكان الذي حث فيه ترامب مؤيديه على القتال من أجل حقه في البقاء في المنصب".
 
فاتخذت الإجراءات الأمنية اللازمة لحماية الحفل على هذا الأساس.. ففي أعقاب الغضب الناجم عن اقتحام أنصار ترامب للكونغرس الأسبوع الماضي، ستنشر السلطات ما لا يقل عن عشرة آلاف عضو من الحرس الوطني في واشنطن بحلول نهاية هذا الأسبوع.
 
ويبدو إن اختيار ترامب حَشْدِ أنصاره ضد تسليم السلطة يُعد بمثابة مقياس على نرجسيته وغطرسته وإرادته المشوشة.
 
ويرى مراقبون أن أعمال الشغب في الأسبوع الماضي لم تكن وليدة الصدفة أو عبارة عن مسرحية لمرة واحدة خرجت عن السيطرة، بل كانت ساحة للهجوم على الديمقراطية تدور منذ شهور.. أي استراتيجة لها أهداف محددة، وهنا تكمن الخطورة فاسترعى الأمر رداً حاسماً من قبل الكونغرس بتجريم الرئيس ترامب كونه حرض أنصاره على الفوضى واستغل صلاحياته لإحداث الضرر بالديمقراطية وتشويهها، ووضع سمعة أمريكا على المحك، حتى أن بعض الدول في الاتحاد الأوروبي رفضت استقبال وزير الخارجية بومبيو بذريعة أن التعامل يجب أن يكون مع إدارة الرئيس المنتخب، جو بايدن، بل أن الصين ذهبت إلى أكثر من ذلك أثناء تقديم واجب المواساة للأمريكيين، إذْ شبهت هجوم "الرعاع" على مبنى الكابيتول (مقر البرلمان) بالغوغائيين المعارضين للصين في هونكونغ، كونهم دُعِمُوا إعلامياً وسياسياً من قبل ترامب نفسه، في مفارقة قد تقلل من قدرة واشنطن على ممارسة السياسة الخارجية فيما يتعلق بحقوق الأقليات في الصين، بارتياح.
 
ورغم تنصل ترامب أخيراً من مسؤوليته إزاء ما جرى من هجوم سافر على الديمقراطية، في محاولة منه لاحتواء الضرر الذي من شأنه أن يصيب مستقبله السياسي، إذا ما صادق مجلسُ الشيوخ على قرار مجلس النواب لعزله.. فقد صرح بأنه سيسهّل عملية انتقال السلطة إلى جو بايدن في الموعد المحدد، وإنه أمر الأجهزة الأمنية لتقديم الحماية الأمنية اللازمة لحفل تنصيب الرئيس الجديد، وإن حركته الاحتجاجية غير مسؤولة عن "الهمجيين الرعاع" الذين هاجموا الكونغرس؛ لا بل أنها تأنف قبولهم في صفوفها، وطالب بمحاكمتهم على الفور وكأنهم كانوا خارجين عن طوعه!. وقال بأن أمريكا هي بلد القانون داعياً إلى تضافر الجهود لتوحيد الشعب الأمريكي المنقسم على نفسه؛ لمواجهة وباء كورونا.. الذي يعتبر العدو الوحيد لكل الأمريكيين.
 
ولم يتطرق ترامب في كلمته إلى موضوع قرار مجلس النواب الأمريكي بعزله، وفق نصائح مقربين إليه مثل كوشنر ووزير الخارجية بومبيو.
 
إن الفوضى العنيفة التي حدثت الأسبوع الماضي وأدخلت ترامب في مصيدة كان قد أعدّها لخصومه، والتي أدت إلى مقتل خمسة أشخاص في حادثة اقتحام مبنى الكبيتول، جاءت تتويجاً لاستراتيجية ترهيب وتشويه سمعة المؤسسات الديمقراطية في الدولة التي يقودها. لذلك فإن الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب محقون كما يبدو، في بدء إجراءات العزل للمرة الثانية ضد رئيس أتهم بأنه "مارق".
 
وفي سياق الضغط الاقتصادي على مصالح ترامب حتى يخضع لإرادة الكونغرس، صرح محافظ نيويورك، الديمقراطي بيل دي بلاسيو، يوم أمس الأربعاء، أن المدينة ستنهي عقودها مع مؤسسة ترامب الخاصة، بعد اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول.
 
ووفقا لصحيفة "الأندبنتدنت" الأمريكية، نقلا عن أحدث إفصاحات مالية للرئيس، تبين أن منظمة ترامب حققت حوالي 17 مليون دولار خلال العام. وعليه فإن خسائر ترامب ستكون فادحة لو توسع هذا الباب.. وهي فاتحة لتشكيل قوى ضاغطة اقتصادية لتهديد مصالح ترامب من خلال ضربات موجعة كهذه حتى يستقيم أمره ويتوارى وفق الممكن عن المشهد السياسي الأمريكي درءاً لخطورته.
فهل يخرج ترامب إذن من عنق الزجاجة دون ثمن باهظ سيدفعه من مستقبله السياسة، لأن الحزب الجمهوري الذي تضرر من وجوده، لن يتحمل عنه أعباء الفاتورة التي تسبب بها في غضون الأربع سنوات الماضية.
 
ما زالت التكهنات غامضة فيما قد يحدث في الثاني من فبراير من قبل أنصار ترامب لتخريب الحفل، وقد يصل أسوأها حدَّ الاغتيالات في مقامرة مفصلية قد تحول الانقسامات الشعبية إلى حرب أهلية محدودة قد يصعب الرجعة عنها، خلافاً لما يراه المتفائلون في أن القطار سيمضي وإن نبحت الكلاب مكشرة عن أنيابها.
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد