الأردن وتعويم صرف الدينار

mainThumb

16-03-2021 09:36 PM

تعويم سعر صرف العملة بات يطرق ويهدد جميع أبواب الدول العربية، وأصبح حاجة وضرورة ملحة إلى بعض الدول مثل الذي حدث في مصر والسودان، وبالرغم من التحديات والمخاطر التي ينطوي عليها التعويم، الا أنه ضرورة لا مفر منه ولو بعد حين، والأردن ليس ببعيد عن هذا التحدي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل الدينار الأردني وسعر صرفه الثابت مع الدولار يتطلب مقدمات مؤسسية وتشغيلية قبل اتخاذ قرار التعويم؟ وهل نحن جاهزون للخوض في غمار هذة المسألة؟ وهل الوقت الحالي هو الوقت المناسب للتعويم؟ وأي أنواع التعويم يجب علينا أن نتبع اذا أردنا تعويم الدينار الأردني؟ 
 
الأردن كباقي الدول فهو معرض إلى تعويم سعر صرف الدينار، بجعل الدينار الأردني يخضع إلى قوى السوق المتمثلة في الطلب والعرض وبإشراف ومراقبة البنك المركزي، ولكننا لا نريد أن نكرر تجربة التعويم التي حدثت في مصر والسودان التي لم يسبقها إجراءات وإصلاحات إقتصادية ضرورية، والتي كانت على حساب الشعب، فهل هناك فسحة من الوقت للتفكير في توقيت التعويم الأمثل، ففي ظل جائحة كورونا وانتشار السلالة الثانية، وفي ظل الاغلاقات التي تشهدها البلاد، يصبح التعويم أشبة بالكارثة كما أن التعويم يحتاج إلى تهيئة في القضايا المؤسسية والتشغيلية إلى جانب الإصلاحات الإقتصادية وعلى مستوى جميع القطاعات. 
يمتاز سعر صرف الدينار الأردني بالثبات والاستقرار مقارنة بعملات الدول العربية الأخرى التي قامت بتعويم عملتها، حيث أنه لا يوجد للدينار الأردني سعرين صرف في السوق،  كما لا يوجد سوق سوداء في الأردن، وبمقارنة ذلك مع سعر صرف الجنية المصري والسوداني فالأمر مختلف، ففي مصر كان الدولار الأمريكي يساوي 8 جنية مصري في البنك المركزي والبنوك التجارية المصرية بينما يساوي الدولار نفسه 16 جنيه في السوق السوداء في مصر، كما أن في السودان كان الدولار الأمريكي يساوي 50 جنية سوداني في البنك المركزي والبنوك التجارية السودانية بينما يساوي الدولار نفسه 400 جنيه في السوق السوداء في السودان، وهذا الأمر بطبيعة الحال غير موجود في الأردن. 
 
ولكن ما يهدد سعر صرف الدينار الأردني أن الدولار الأمريكي إنخفضت قيمته في السنوات الأخيرة، وبطبيعة الحال الدينار الأردني مربوط بالدولار الأمريكي، وشاهدنا كيف انخفض الدولار بنسبة 13% من قيمته خلال جائحة كورونا نتيجة طباعة ترليونات الدولارات، وهذا سينعكس بشكل مباشر على الميزان التجاري والمدفوعات الأردنية من الدولار، وسيترتب علينا ارتفاع في قيمة المستوردات مقابل هذا الانخفاض في الدولار، وبالنظر إلى جانب المستوردات، فإذا كانت مستوردات الأردن تساوي 14 مليار فسوف ترتفع بنسبة 13% لتصبح تقريبا 16 مليار، وهناك حديث عن طباعة 2.5 تريليون دولار للبنية التحتية في أمريكا الى جانب 1.9 تريليون الذي تم الموافقة عليها مؤخرا، وكما نعلم كلما زادت طباعة الدولار كلما زاد المعروض منه مما يؤدي إلى انخفاض في سعر صرف الدولار أكثر، وبالتالي هذا الانخفاض سيؤثر علينا سلبا وسيزيد من العجز في الميزان التجاري وزيادة المديونية كما حدث في أعوام  2013 و 2014 عندما انخفض سعر صرف الدولار نتيجة إنخفاض الطلب على الدولار وزيادة الطلب على المنتجات الصينية واليوان الصيني. 
وإذا كان لا بد من تعويم سعر صرف الدينار الأردني فلا بد من تهيئة الحكومة والمؤسسات والتجار والأفراد بخصوص الإنتقال إلى هذه المرحلة، والتدرج في عملية التعويم حيث ننتقل من نظام سعر الصرف الثابت المربوط بالدولار إلى التعويم الزاحف مقابل سلة عملات كخطوة مبدأية وليس كما حدث في مصر والسودان وقفزهم نحو التعويم الموجة أو المدار، كما أن التعويم الزاحف أقل خطورة من التعويم الموجه أو المدار لأن نسب التذبذب في سعر الصرف تكون ضمن نسب قليلة، ودول كثيرة اتبعت هذا الشكل من التعويم ونجحت في ذلك مثل نيوزيلندا والصين وأوغندا وشيلي. 
والتعويم الزاحف يتطلب مراقبة وتدخل البنك المركزي الأردني في سوق النقد الأجنبي، وأن يمارس الشفافية والإفصاح والمصداقية العالية بكمية البيع والشراء للعملة كما يحدث في البنوك المركزية في بريطانيا ودول منطقة اليورو التي تصدر بشكل شهري، ووزارة الخزانة الأمريكية تصدر تقارير ربع سنوية، وسنغافورة وسويسرا التي تمتاز بالمصداقية والكفاءة العالية، وتأتي بمرتبة بعدها مباشرة أستراليا والسويد وتركيا والفلبين. 
كما يتطلب التعويم الزاحف الاعتماد على ركيزتين أساسيتين أو على جناحين ليتمكن من التحليق وهما: (1) سعر الصرف (2) والتضخم، ولكي نحافظ على سعر صرف الدينار الأردني وعدم السماح له بالتذبذب الكبير والمحافظة على الطلب الكلي فمسئولية السياسة المالية العامة وسياسة الدخل أن تأخذ بعين الاعتبار جميع هذه المتغيرات، وبالتأكيد سينخفض سعر الصرف قليلا بعد التعويم ولكن ليس بمقدار انخفاض سعر صرف الدولار في السنوات القادمة، وهناك أمثلة كثيرة على نجاح الدول في هذا الجانب مثل هنغاريا وبولندا وشيلي، كما أن التضخم وإدارة السيولة مسئولية السياسة النقدية وأهمها معدلات الفائدة، وهذة ستكون مهمة سهلة في ظل إنخفاض أسعار الفائدة في كل دول العالم، وقد نجحت دول في إدارة معدلات الفائدة وعلى رأسها كوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند والبرازيل. 
كما أن الإنتقال من سعر الصرف الثابت إلى نظام سعر الصرف الزاحف يقوم على تشاركية القطاع العام (البنك المركزي) والقطاع الخاص، وهنا يمكن إيجاد سوق عملات آجلة ضمن ضوابط متوازنة للتقليل من المخاطر وإدارتها بشكل مؤسسي وتشغيلي كفؤ، لنتجاوز ما حدث في تايلاند عام 1997 حين استخدموا المشتقات المالية في الاستدانة بشكل كبير لتمويل استثمارات راهنوا في وقتها على ثبات أسعار الصرف. 
التعويم يمكن أن يصبح ضرورة ملحة أمام طباعة تريليونات الدولارات والانخفاض المستمر في سعر صرف الدولار الأمريكي الذي سينعكس علينا بشكل سلبي وخاصة في الميزان التجاري، والذي يضغط علينا في زيادة الحاجة إلى العملات الأجنبية لدفع المستوردات ويزيد من المديونية، ولكن قبل إتخاذ قرار التعويم يجب علينا أن نقوم بإجراءات مهمة منها إيجاد تهيئة مؤسسية وتشغيلية كما ذكرنا سابقا، إضافة إلى عمل إصلاحات إقتصادية، وتهيئة القطاعات وعلى رأسها القطاع الزراعي والسياحي والتعليمي. وعلى كل حال، إذا لم نضطر إلى التعويم، سنكون على الأقل قدد حققنا الكفاءة في القضايا المؤسسية والتشغيلية والاصلاحات الإقتصادية، وهذا ما نحتاج اليه في الفترة القريبة القادمة، والحديث عن الإصلاحات الإقتصادية سيكون في المقالة القادمة ان شاء الله.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد