امبراطورية بلقيس الأردنية من الحبشة الى الصين

mainThumb

03-07-2018 11:15 PM

من خلال الدراسات العميقة في موضوع الملكة الأردنية بلقيس نخلص الى نتيجة مفادها انها كانت على راس دولة اردنية أدومية تسمى سبأ عاصمتها دومة الجندل في شمال جزيرة العرب، وتمتد من الحبشة الى بلاد فارس الى الصين الى الاناضول الى مصر وتشمل الأردن وأجزاء كبيرة من بلاد الشام. وقد اسلمت وحسن اسلامها لان القران الكريم ختم موضوعها في النص الكريم بقوله تعالى على لسانها (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) سورة النمل، حيث ينتقل النص الكريم بعدها للحديث عن قوم ثمود، والتي منهم الملكة بلقيس أصلا، وكانوا في شمال جزيرة العرب وبلاد الشام.

وعندما اسلمت الملكة بلقيس، وامنت الحدود الغربية لمملكتها، وان سليمان كان همه ان تعتنق بلقيس الإسلام، تفرغت بلقيس بما اتاها الله من الحكمة والعمق وبعد النظر، لمزيد من بناء الدولة والقوة، فتوسعت رقعتها وصارت تمتد من الحبشة وشرقي افريقيا الى الصومال، لتسيطر على سائر بلاد جزيرة العرب وبلاد فارس والاناضول في تركيا وتصل الى تخوم الصين، وحيث نجد اثرا لها في كل منطقة من هذه البلدان تشير الى تلك الحقبة وهي القرن العاشر قبل الميلاد. وتتحدث عن الملكة بلقيس. وتحول البحر الأحمر الى بحر أردني ادومي بكامل مساحته وبلدانه الساحلية.
    ومنها نجد ان روايات التوراة التي تتحدث عن زواج  بلقيس من سليمان انما هي روايات وهمية لا دليل عليها ولا صحة لها , وانما وهم صدقه من كذبه , لأنها عربية وتزوجت احد أبناء عمها وهو امر كان سائدا ضمن مفهوم الزواج الداخلي endogamy  عند العرب أي زواج  الأقارب من العائلة او القبيلة , كما ان زواج سليمان لو تم فانه لا يليق بالملكة ان تتزوج بالمراسلة او من ملك ليس من جنسها وعرقها وتفصله عنها مئات الكيلو مترات  , وان بلقيس لا تقبل ان تكون ملكة للفراش وحده وقضاء النزوة للنبي سليمان فهي ليست جارية ولا يجوز ان تحمل من صفات الجارية شيئا ابدا . 
   ولو تم الزواج لما حظيت باحترام وطاعة وتبعية قومها وشعبها لها.  ولو تم الزواج لما توسعت رقعة المملكة الأردنية زمنها، ولو تم كما تقول روايات اليهود الوهمية لما استطاعت ان تتخذ قرارا سياسيا وسياديا الا بموافقة زوجها سليمان، ولو تم لصارت ممتلكاتها تابعة لسليمان وحينها فان روايات اليهود وكتبهم ستتحدث عن الدولة ولا يقتصر حديثها على عملية الزواج فحسب. ولكن العلاقة بين سليمان وبلقيس لم تتجاوز الإسلام، مع الاخذ بعين الاعتبار ان عقيدة بلقيس السياسية كانت واضحة بنص القران الكريم، بان دخول الملوك الغرباء الى بلد سيؤدي الى افساد البلاد وإذلال اعزتها وسائر أهلها وتدمير منجزاتها (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34) النمل.
  ولو تم الزواج لالتحقت بلقيس بزوجها بالقدس لكنها لم تذهب هناك الا مرة واحدة التي ذكرها القران الكريم، وحتى كتب اليهود والنصارى لا تتحدث عن إقامة بلقيس في القدس ولا العيش مع سليمان كزوجة.  كما ان أيا من المصادر لا تتحدث فيما إذا كانت متزوجة قبل ان تأتي الى سليمان ام لا، وفي الغالب عندنا انها تزوجت بعد عودتها من زوج ليس له عليها ولا على مملكتها سلطان او قرار، ومن الواضح انها ماكنت تقبل بزوج تتبع له سياسيا وانما بزوج يكون تابعا لها، لان الحديث عنها في القران الكريم يخصها هي كصاحبة قرار سياسي وسيادي نهائي قائم على المشاورة وتبادل الراي، وقدسية قرارها (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) النمل. 
 ولا ننفي زواجها أكثر من مرة في حياتها، وهذا امر كان سائدا عند العرب بتعدد الزوجات للرجال، وتعاقب الأزواج للمرأة بعد الطلاق او موت الزوج، ونحن مع ترجيحنا الى انها لم تكن متزوجة وقت لقائها سليمان، الا ان ذلك لا ينفي انها كانت متزوجة من قبل او مطلقة او ارملة، وليس هذا عيب ولا اشانة لها وليس مغاير للعادات والتقاليد والمفاهيم الأردنية من قبل ومن بعد.  
ومن الواضح ان بلقيس قد ورثت ممتلكات الدولة الأدومية الأردنية التي كانت عاصمتها الرئيسة في بصيرا بالطفيلة في جنوب الأردن ، وكانت مملكة سبأ تتبعها ، وجزءا منها , حيث ان مملكة سبأ كانت ضمن الاتحاد الفيدرالي الثمودي الأدومي الأردني، وأنها أيضا ورثت بقية الممالك الثمودية الارنية بعد ان تلاشت قوة العاصمة المركزية وادارتها وهيمنتها وتحولت بصيرا وسائر حواضر الدولة الأدومية الى حواضر ضعيفة او اقل قوة مما هي عليه حال دومة الجندل / سبأ ، فملات الفراغ السياسي والإداري، فحافظت بلقيس على الدولة الأدومية الأردنية واعادت انتاجها وبائها بطريقة مختلفة وقوية، وكونت امبراطورية قوية وهامة تستحق إعادة الدراسة. ولكن الدولة تفسخت بعد موتها رحمها الله. حيث كانت الدول القديمة تقوى بقوة الشخص الذي ينبوا العرش 
    ولا يمكن لها ان تحكم هذه الإمبراطورية الشاسعة انطلاقا من اليمن لأنها تقع في خاصرة جزيرة العرب وبعيدة عن أطراف ومركز الدولة، وانما من سبأ الشمال أي من أدوماتو او دومة الجندل   في عمق البادية حيث تتمتع المنطقة هناك بالأمن والحماية والحصانة الطبيعية وتعذر الوصول اليها، الى درجة ان النبي سليمان لم يسمع بها من قبل، بينما كانت بلقيس ورجال دولتها يعرفون عنه، وهذا يبين تقدم سبأ على مملكة بني إسرائيل. .
   ولولا ان سليمان كان نبيا واتاه الله ما اتاه فانه كان لا يساوي شيئا مع عظمة الملكة بلقيس. كما ان أدوماتو في البادية الأردنية كانت أكثر قربا من بلدان الدولة، وهي نقطة الاتصالات والطرق التجارة القادمة من الشرق والغرب والجنوب والشمال، كما انها ارض منبسطة والطرق اليها سهلة وامنة، وارضها خصبة والمياه متوفرة فيها على مدار السنة، كما كان موقعها متوسطا ومحصنا بالطبيعة
  ففي قصة القران يقول الهدهد (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) سورة النمل، فالقران الكريم يبين ان  الملك سليمان عليه السلام لم يكن يعلم شيئا عن مملكة سبأ، ولولا ان الهدهد اعلمه عنها  لبقي الامر مجهولا بالنسبة له، وهذا يدحض الروايات الوهمية التي يدعيها اليهود والروايات الإسرائيلية التي لا تتفق مع عقل ان سليمان كان يتجول في العالم على بساط الريح الذي تحمله الملائكة، ولو صحت روايتهم لعرف مملكة سبأ ولكنها روايات لا يصدقها عاقل 
 اما الملكة بلقيس فقد كانت وقومها يعرفون كل شيء عن سليمان الى درجة انها قالت لقومها ( انه من سليمان ) وهذه جملة تعني انه معروف لديها ولدى قومها وعلية القوم من شعبها ( الملأ) وانها تعرف انه نبي  , لذلك وصفت رسالته بانها كتاب كريم (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) سورة النمل , فالملكة بلقيس هي أدومية ثمودية روفائية اردنية وكانت دولة ادوم قد منعت بني إسرائيل عند خروجهم من مصر من العبور بارض ادوم , ونظروا الى بني إسرائيل على انهم الأعداء ويجب الحذر منهم , وبالتالي فان الدولة الأدومية الأردنية  كانت تراقب التطورات في  الدولة العبرية عن كثب عبر الأجيال .
       من الواضح ان الدولة / الإمبراطورية الأردنية السبأية الأدومية الثمودية امتدت وازدهرت بعد ان كانت محدودة قبل اسلام الملكة بلقيس  , ولا  اشك ان اليمن كانت تابعة لها قبل اسلام الملكة وبعده , وان المساحات الفاصلة بين الشمال واليمن كانت جنات خضراء تعج بالسكان والإنتاج الزراعي والحيواني وقوافل التجارة,  وان معابد الشمس التي بنيت في اليمن انما كانت في عصرها ولكن  قبل اسلامها , وليس شرطا ان شعبها كله امن بالتوحيد , لأنها كانت دولة واسعة الارجاء وتشتمل على العديد من  الأعراق والأديان واللغات  , ومنها عبادة الشمس في اليمن / سبأ الجنوب , كما الحال من عبادة الشمس في الشمال/ أي سبأ الشمال .وليس غريبا ان بقيت عبادة الشمس سائدة في اليمن بينما الملكة بلقيس ومقرها في الشمال كانت مسلمة . فحرية العبادة كانت حقيقة حضارية وسلوكية لدى الأردنيين في الزمن القديم، دون ان يؤثر ذلك على العلاقات الاجتماعية والسياسية والانتماء الوطني للدولة.
 وان ما نجده في سورة الكهف من التسامح الديني في الدولة الأدومية  انما كانت سياسة تلك الدولة  وملوكها وشعبها , حيث سمحت للناس ممارسة حرية العبادة والايمان , ولذلك نجد من كان يعبد الشمس في اليمن الجنوبي لم يخرج البلاد عن طاعة الملكة التي امنت بوحدانية الله سبحانه (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) سورة الكافرون , ولم تجرد الملكة جيوشا للقضاء على الأديان واتباعها  ولا ممارسة التهجير والاقصاء والاضطهاد والتهميش والتطهير العرقي الذي مارسته دول أخرى عبر التاريخ , وانما كان مفهوم المواطنة هو الأساس السائد وتساوي الحقوق والواجبات بين الجميع وان الفرص امامهم  في الوصول الى المواقع والمناصب بغض النظر عن الدين الذي يعتنقه الشخص , ومن البراهين ان بلقيس صارت مسلمة وبقيت ملكة لمملكة وثنية , وكان سيدنا يوسف نبيا وعزيز مصر لدولة كافرة . 
 كانت قوة دولتها تقوم على أساس حكمة القيادة والتركيز على ازدهار الناحية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية التي كانت موجودة للدفاع فقط، وليس للتعدي والحملات الجائرة، فضلا عن التعايش بين الشعوب والأديان، مما جعلها مملكة قائمة على العدل والحرية والمساواة، وان المواطنة للدولة مع تعدد البلدان والأديان كان اساس الحقوق والواجبات. وهذا يبين ان الازدهار الاقتصادي التي تمتعت به مملكة سبأ قد اغرى البلدان والشعوب الأخرى بالانضمام اليها والانضواء تحت خيمتها.
   وهناك روايات أخرى تشير إلى أن تجارة البخور والأطايب قد نمت وزادت وازدهرت في عهد الملكة "بلقيس" من خلال التجارة مع القدس والإمبراطورية اليونانية واوروبا. ومن خلال زيادة الإنتاج المحلي لكل مواد التجارة والتصدير من انتاج البلدان التي انضوت تحت لواء المملكة الأردنية السبئية الأدومية. كما ان ايمانها قد أشبع طبيعة الشعوب النابعة لها في التدين بغض النظر عن هذا التدين سواء اكان وثنيا ام إسلاميا.
     كانت ملكة بلقيس تتعامل مع الصين بندية واضحة واحترام ومصالح متبادلة حيث قام الامبراطور الصيني بزيارة دومة الجندل واللقاء بالملكة بلقيس، وأنها كانت محبوبة في الصين ودخلت في تراثهم وحكاياتهم ولا زالت مذكورة في تاريخهم واساطيرهم الى يومنا هذا. وقد كانت العلقات مع الدول الخارجية علاقات مودة ومصالح وسلام وتجارة مما ساهم في ازدهار الدولة وتوسيع رقعتها وتوفير العيش الرغيد لشعبها. وكانت امبراطورية الصين ضمن الدول التي تواصلت معها بلقيس وتبادلت الهدايا مع الامبراطور بنفس الأسلوب والطريقة التي تبادلتها مع سليمان الذي رفض الهدية واتهمها انها وقومها يفرحون بهديتهم وان ذلك ليس ضمن ثقافته وثقافة قومه بني إسرائيل في زمنه (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) النمل 
 ولكن ملك الصين قبل الهدية وقبل الدعوة بزيارة الملكة ومملكتها بعكس ما كان عليه سليمان الذي قرر ان يأتوا اليه صاغرين (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) النمل. وكان همه ان يأتوا اليه مسلمين ومنعهم من حرية الدين والعبادة الا ضمن الدين الإسلامي. اما امبراطور الصين فلم يطلب منها تغيير دينها ولا هي طلبت منه ان يغير دينه، بل انها علاقات مصالح لخدمة الشعبين وازدهار الدولتين. 
  ولا اشك ان اسطولا بحريا قد تحرك من بحر الصين الى بحر الغرب الى الخليج العربي وسواحل اليمن متزامنا مع رجلة الإمبراطور البرية، وانه تم توقيع اتفاقات تجارية بين البلدين، وإيجاد طريق رديف وبديل لطريق الحرير الذي كان بين الصين وأوروبا، وكان لا بد من هذا البديل ليغطي بلاد العرب وشمال افريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط وحوض البحر الأحمر وشرق افريقيا  
لذا كانت زيارات الوفود والهدايا المتبادلة بين الدولتين ومن ثم ترتيب زيارة الامبراطور ومعه جيش جرار لحمايته في طريقه وعمال لتمهيد الطريق حيث احتاج الامر وقوافل الهدايا والتجارة والعمال المهرة لنقل الصناعات وبخاصة صناعة الورق والبوصلة والخزف والطب والموسيقى، فضلا عن حيوانات الصيد من الفهود والنمور والخيول التي كانت مهمة في الهدايا المتبادلة أيضا. وقد كانت الملكة بلقيس باستقباله على أطراف المملكة بما يليق به ويليق بها ولا اشك انه تم ترتيب رحلات وتخييم لهما في الديار للنزهة والصيد وزراعة النباتات وتبادل أخرى تناسب المناخ في البلدين 
  وجاء في تاريخ الأدب السوداني أن هناك بعض القبائل التي هاجرت من اليمن واستقرت شمال الحبشة (وهي حقيقة تاريخية) وحملت معها اللغة العربية الفصحى التي تفرعت منها ثلاث لغات هي (الأمهرية، التقري والتقرينية)، وهي لغات متداولة الآن في شمال الحبشة وشرق السودان، وفي مناطق عديدة باليمن وجنوب العربية السعودية وسلطنة عمان.
    واثباتا لنظريتنا ان كل شعب ابتدع روايات وخرافات حول الملكة بلقيس , فإننا  نرى ان اسم بلقيس ظهر في اكثر من زمن ومنطقة وشعب , وبنيت حول كل اسم من هذه الأسماء حكايات وخرافات لا صحة لها , وكل ملك حكم في المنطقة ادعى انه من نسل بلقيس وتخيلوا انها تزوجت سليمان وان جدهم الأعلى ثمرة ذلك الزواج , بهدف إيجاد شرعية تاريخية وسياسية وروحية لهم , وهذا ما ادعاه إمبراطور الحبشة هيلا سيلاسي, ووصل الامر الى ان الأمهرة يدعون  انهم من نسل منليك بن سليمان الحبشي، وأن منليك هو من تزوج بلقيس اليمنية (ملكة سبأ)،وروايات أخرى ان منليك ابن بلقيس وابن سليمان , ولكن بعض الروايات أوردت أنها نوبية سودانية، وكان منليك يحكم المنطقة شمال شرق السودان وتسمى عيداب (عيذاب) أو (محمد قول) في مثلث حلايب، فهل تدخل مصر في الخط لاحقاً.وهذا يبين كم كان اسم بقليس ساحرا بحيث اصبح جزءا  من الحكايات والاساطير في كل مكان في العام القديم .
وورد في مذكرات رحلة الدكتور "محمد نيازي الطيب" إلى السودان سنة 1282هجري، أنه سمع أحد الأطباء الفرنجة يقول: قرأت في بعض المؤلفات القديمة إن ذلك المولود " منليك الأول"، هو بن سليمان من بلقيس التي كانت تخاف عليه من قومها، فبعثته إلى مدينة (سبأ) للعيش بها، وبتقادم الزمن حور اسم المدينة إلى (سوبا) التي هي الآن إحدى ضواحي الخرطوم الشهيرة.  وليس مقنعا ان تقوم ملكة بحجم بلقيس في الانجاب السري او ممارسة عمل العصابات واللصوص في إخفاء طفلها وترحيله الى مناطق بعيدة وهي قادرة ان تبقيه امام عينيها. فمثل هذا العمل الشائن لا يليق بملكة حكيمة وليس لديها ما يحرم عليها او يمنعها ان تتزوج وان تنجب وبالتالي فان هذه الفرضية خرافة لا تتقف مع العقل والنقل، ولا تليق بالملكة عربية ولا تتقف مع عاداتنا الأردنية والعربية.
كما توصل فريق بحث بريطاني إلى ما سمى بكنز بلقيس بعد اكتشاف منجم شمال أثيوبيا يعتقد أنه كان يتبع لها، عزز من ذلك وجود معبد إلى جانبه، إضافة إلى مكان يعتقد أنه شهد معركة طاحنة. وهذا يبين ان اثيوبيا كانت ضمن الدولة السبئية الأردنية التي كانت بلقيس تتربع على عرشها، وان الأمم السابقة كانت مهووسة ببناء المعابد ونسبة المعبد الى الملك او الفرعون الذي كان يحكم البلاد أي بلاد، رغم بعده مكانا عن موقع المعبد. كما نجد معبد بلقيس وعرش بلقيس أيضا في اليمن ومناطق كثيرة أخرى، وهذا لا يمنع ان تكون هي حاكمة الجوف / دومة الجندل ويتم بناء معبد او تخت او عرش لها في اليمن او غيرها، حيث كانت تزور ولاياتها ويتم تكريمها ببناء مثل هذه الصروح، وهي عادة قديمة كانت سائدة في الحضارات الغابرة.
وبحسب صحيفة (الجارديان) البريطانية، يعتقد أن بلقيس كانت تحكم مملكة سبأ التي كانت تشمل اليمن وأثيوبيا، أقول كانت تحكم ولكن لم يقل ان مركزها وعاصمتها كانت في اليمن وانما كانت تحكم اليمن وعاصمتها خارج اليمن، وزارت قبل ثلاثة آلاف عام مدينة القدس، وحملت معها كميات كبيرة من الذهب للملك (النبي سليمان)، ونقلت الصحيفة عن الباحث "لويس شوفيلد" قوله إنه عثر في اثيوبيا على كتابات تحمل رمز الشمس والهلال الذي كان يرمز لمملكة سبأ، وهذا يبرهن على ان اثيوبيا كانت ضمن مملكة سبأ الأردنية.
وان الحفريات بينت ان مملكة سبأ الجنوب في حالها ووضعها المستقلة عن مملكة سبأ الشمال بدأت في حوالي 750 ق. م. أي بعد بلقيس الشمال بحوالي ثلاثة قرون. كما ان عاصمة سبأ الجنوب كانت صرواح وكان سدها مارب، واما في الشمال فكان هناك بركة ماء كبيرة واسعة صنعها القوم من الينابيع والامطار وان الامبراطور الصيني قد تنزه مع بلقيس على شواطئها 
وفي عام 2010 رأيت بحيرة ماء عذب واسعة يتنزه الناس فيها وحولها بنفس الوصف الذي وصلنا عن رحلة الامبراطور الصيني، وهو امر يبدو ان جزء من ثقافة الذاكرة لدى امارة الجوف الشمالي / دومة الجندل / سبأ الشمال. ومن الواضح ان تسميات الشمال انتقلت الى الجنوب في اليمن وهذه كانت سياسة وعادة سلكتها الدولة الأدومية حيث أنشأوا مدنا كثيرة في ارجاء الدولة الأدومية، وأطلقوا عليها أسماء المدن الاصلية الموجودة حول العاصمة في بصيرا. 
  وعندما انتقلت الملكة بلقيس الى الرفيق الأعلى عادت الناس الى وثنيتها وتفسخت الدولة الى الأجزاء الأساس التي كانت تتألف منها، فضعفت الدولة المركزية في بصيرا وسبا الشمال، واستقلت الحبشة وقامت ممالك المكروبات في اليمن وهم يعبدون الاصنام في الاساس، وقامت فيما بعد دولة الانباط على أنقاض دولة الأدوميين ولكن عاصمتهم صارت البتراء بدلا من بصيرا. 
 اما المؤرخون العرب فأكثر ما يتحدثون عن اسم واحد وهو بلقيس وملكة واحدة وهي بلقيس، رغم تعدد الشخصيات والملكات، والتسميات   اللواتي يحملن الاسم نفسه. وعند تفحص الروايات زمانا ومكانا واحداثا، نجد ان الملكات اللواتي يحملن اسم بلقيس متعددة اسما وأمكنة وأزمنة، وان ذلك جعل الامر يلتبس على المؤرخين الذين لم ينتبهوا في بحوثهم لتباين الأزمنة والأمكنة والمجتمعات والشعوب والملوك المعاصرين والعقيدة الدينية التي تدين بها هذه ال بلقيس او تلك  ، والاحداث التاريخية المرتبطة باسم بلقيس، ولم يحددوا أيا من هذه الملكات اللواتي حملن هذا الاسم، وانما جعل كل منهم أن الاسم يعني أنها المذكورة في القران الكريم وليس سواها وهو امر لا يتفق مع مجريات وتعدد التسميات والامكنة والعبادات والعقيدة الدينية التي تدين بها بلقيس هذه او تلك .
   ومن المؤسف ان سائر الروايات واراء المؤرخين ركزت على بلقيس اكانت باليمن حصرا ولم يكلف أي منهم نفسه ان يمحص الروايات او يبحث بالعمق، ولم يتطرق أي منهم الى سبأ الأردن، وهي سبأ الشمال المذكورة في الحديث الشريف أعلاه.
 من هنا فان كثيرا من روايات وتفسيرات التاريخ تخضع للعرف الخاطئ والاسرائيليات التي لا أساس لها، لأنه لم تكن لدى المؤرخين العرب دراسات وبحوث وحفريات تظهر لهم اراء أخرى، وهي أمور متوفرة لدينا الان. فتاريخهم يعتمد على الروايات والاجتهادات والاسرائيليات، واما دراستنا فنها تتوفر لها معطيات جديدة ومتعددة 
اما الملكة بلقيس الأردنية (مدار حديثنا هنا) فظهرت في القرن العاشر قبل الميلاد (قبل حوالي ثلاثة الاف سنة من الان)، زمن سليمان عليه السلام الذي عاش في الفترة ما بين 970 ق. م حتى 931 ق. م)، فقد وردت قصتها في القران الكريم/ سورة النمل ,  مقترنة بقصة النبي سليمان عليه السلام، فضلا عما أضيف اليها من البريق والخرافات والاساطير ، فألهمت ولا تزال تلهم الفنانين والكتاب والشعراء والموسيقيين وكتاب القصص والمسلسلات ، من مختلف الأمم والعقائد والاتجاهات الفكرية, لأنها شخصية ظريفة ومثالية ومكتملة بالنسبة لخيال أي كاتب يريد ان يتحدث حول امرأة ذات صفات واخلاق وسلوك متحضر , ويشكل مدرسة وقدوة لسائر النساء .
       صحيح ان اسم بلقيس واحد مرتبط بملكة الجوف / أدوماتو / دومة الجندل في شمال جزيرة العرب أي في جنوب شرقي الأردن التاريخي وفي الجزء المتاخم للربع الخالي، ولكنه اسم لعدة ملكات، ظهرن في اليمن والحبشة فيما بعد، مما يدل على شغف العرب بإطلاق اسم بلقيس، على كثير من ملكات العرب عبر العصور القديمة بعد بلقيس مدار البحث، مما أدى الى هذا اللبس والالتباس، 
    وذكرتها التوراة بالخير تارة وبالسوء تارة اخرى، وان كانت التوراة لا تحدد مكانها، رغم ان العهد القديم مغرم بذكر الأماكن، لكنه يصمت عندما يتحدث عن بلقيس، كما ان الأنجيل الذي ذكرها بخير، لا يحدد المكان أيضا. وبالتالي فان كلا الكتابين لا يستدل بهما حول المكان، وانما يستدل بهما من حيث حقيقة وجودها. وادعت نصوص في التوراة أن الملكة بلقيس السبئية الأردنية، تمثل الشيطان، وكان ذلك كرها وحسدا من اليهود لهذه الملكة العربية العظيمة، لأنها كانت مثالا للجمال والحكمة والحنكة والدهاء والقوة والسلطان والثروة والجاه والاحتشام والرقي والديموقراطية، وهي الصفات التي لم يعرفها اليهود في زمنها ولا قبلها.
      واما القران الكريم، فقد أشار الى مكانها تلميحا يمكن الاستدلال عليه بالقرائن بقوة ، مثل قوله تعالى: (فمكث غير بعيد) فضلا عن ذهاب الهدهد في رحلة مكوكية بين القدس والجوف الى حجرة الملكة بلقيس، وهو امر متعذر بل مستحيل على طائر الهدهد الضعيف ان يقوم به في وقت قصير لو كانت بلقيس في اليمن، وانما الامر ينطبق على سبأ الأردن، وهي سبأ الشمال الوارد ذكر اسمها أي سبأ في الحديث الشريف الذي اشرنا اليه انفا في هذا البحث ، مما حدا ببعض المؤرخين ان يجزموا بقرب المكان، ووضعوا مواصفات تدل على انها الجوف / أدوماتو الاردنية، وقد كرمها القران الكريم بالثناء الضمني عليها . 
  واما علاقتها باليمن / جنوب جزيرة العرب، فان مارب واليمن كانت مقاطعة من مقاطعات الدولة السبئية الأردنية التي كانت تحكمها بلقيس وعاصمتها العامة دومة الجندل. وتم اتخاذ مأرب عاصمة لمقاطعة اليمن في زمن الملكة بلقيس، والتي تبعد / أي مارب حاليا نحو 170 كم من صنعاء، وتحولت “مأرب “، في العصر الحديث الى مركز لمحافظة مأرب، وسط البلاد، وصارت مارب والتي فيها السد المشهور المعروف باسمها والذي ذكره القران الكريم وقص قصته في سورة سبأ عاصمة للملكة سبأ الجنوب القديمة بعد وفاة بلقيس وتفسخ دولتها، أقول كانت العاصمة الثانية لمملكة سبأ القديمة،  
كما، يقع "عرش بلقيس في مديرية الوادي بمحافظة مأرب، وبالتحديد في الجانب الغربي من الطريق الذي يصل بين محافظتي مأرب، وحضرموت ". ويشكل عرش بلقيس المعلم الأشهر من بين كل المعالم التاريخية اليمنية، الذي تحول شيئا فشيئا إلى كنز مهجور، بعد أن هجره الزوار والسياح، جراء المخاوف الأمنية، وانتشار الجماعات المسلحة. وليس شرطا ان تكون هي بلقيس دومة الجندل وانما ربما لاسم ملكة أخرى تحمل اسم بلقيس، وحتى لو كانت هي بلقيس الأردنية فان بناء العرش انما كان تكريما لها وهي في الشمال لان المنطقة ضمن مملكتها وبالتالي فان الشعب شعبها والملكة مملكتها ويقوم شعبها بتكريمها ببناء مثل هذا العرش، ومن الواضح ان تم بناء هذا العرش باليمن الجنوبي. 
    يقع "عرش بلقيس"، في بداية صحراء الربع الخالي من الجهة الغربية، أي في منطقة الجوف / دومة الجندل المحاذية للربع الخالي من الجهة الشمالية الغربية، وهو المكان الذي نقول انه كان عاصمة مملكة سبأ الشمال التي كانت بلقيس تتربع على عرشها، ويطلق عليه أيضاً "معبد بران"، أو "معبد الشمس"، التي عبدها السبئيون واليمنيون قديما في عهد مملكة "سبأ" قبل أن تدخل الملكة بلقيس في دين النبي سليمان عليه السلام وهو دين الإسلام.
   وبقي عرش بلقيس، الذي تقول المصادر التاريخية إنه بني في عهدها في القرن العاشر قبل الميلاد?‎، أقول ظل مطموراً تحت رمال دومة الجندل / سبأ الشمال حتى العام 1988 عندما كشفت بعثة أثرية أجنبية النقاب عن هذا الكنز الأثري بديع الجمال. .
وسمي العرش "معبد بران"، تمييزاً له عن المعبد الآخر الذي يقع بالقرب منه ويطلق عليه "معبد أوام" أو "معبد المقة" ( إله الدولة)،  كما ان اسم المقة هو احد أسماء الملكة بلقيس الشمال , ويختص معبد بران بالكثير من المميزات المعمارية والهندسية، بالإضافة إلى مكانته الدينية في الفترة ما بين القرنين العاشر والرابع قبل الميلاد حيث كان الناس يحجون إليه من مختلف أنحاء الجزيرة العربية.حيث يتكون "عرش بلقيس" من 6 أعمدة، أحدها مكسور، كما يضم وحدات معمارية مختلفة أهمها "قدس الأقداس"، والفناء الأمامي وملحقاتهما، مثل السور الكبير المبني من الطوب، إضافة إلى المنشآت التابعة له.
وبحسب كتاب "اليمن السعيد" الصادر عن وزارة السياحة اليمنية، فقد تطورت العناصر المعمارية لمعبد "بران"، في حقب زمنية مختلفة منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد، ويبدو أن المعبد مكون من وحدة معمارية متناسقة يتقابل فيها المدخل الرئيس والساحة مع الدرج العالي، بشكل يوحي بالروعة والجمال وعظمة المنجز".
 
(انتهى المقال / ح 3 وللحديث بقية)


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد