صفات متنحية

mainThumb

07-11-2009 12:00 AM

لا يعجبه شيء حتى لو كان في أعلى درجات الإتقان، وإذا أبديت إعجابك في شيء أمامه، فلن تكون ردة فعله إلا سلبية! ولو شاهدت سيارة وقلت هي جميلة، يتصدى لك وينعتها بكل ما يستطيع من الأوصاف السيئة، ثم يقول عُرضت عليّ واحدة مثلها ولم أقبلها، ويعطيك جريدة بعيوبها وكيف أنها لا تصلح لشيء كل هذا يتخلله الضحك غير المبرر منه.

كانت هذه الصفة في جارنا منذ أن كان صبيا، ونمت معه حتى أصبحت أكبر منه وتعدت المعقول. عندما تقاعد وانزاحت أكداس العمل من فضائه وأحس بالفراغ من حوله، لم يجد له عملا يقطع به وقته إلا التنسك، فلزم المسجد حتى أصبح جزءا منه، وظلت تلك الصفة مسيطرة لم تتركه... انتقد كل شيء في المسجد من الباب الى المحراب حتى الإمام! فلم يترك كلمة يتكلمها إلا وانتقدها، وخاصة خطب الجمعة، فبعد صلاة الجمعة لا تراه إلا نزقا يتلفت يمينا وشمالا يبحث عن أحد يشاركه في نقد الخطبة وسيرها وأفكارها، وهو لم تتعد دراسته السادس الإبتدائي وإذا سُئل عن ثقافته أوشهادته نظر بعيدا وأظهر زهوا وقال: "سادس قديم" ولا ينسى أبدا أن ينتقد أساليب التعليم الحديثة ومستوى الطلبة وحتى مستوى المعلمين، ويسرد بعض القصص التي حدثت معه في أثناء الدراسة ليدلل على المستوى العالي الذي تلقاه من التعليم.

لم يترك خطبة إلا فصّل في قصورها، أسبوعا بعد أسبوع حتى شاع رأيه في نقد الخطب والخطيب وعرفه الجميع، وكلما مرت الجُم?Zع فشا أمره وطالت لحيته وأوهم الجميع أنه تبحر في الدين ولملم العلم من أطرافه، فتلاحى في أمره الشباب بين من يصفه بالعلم ومن ينكره، حتى جاء ذلك اليوم الذي كشف عنه اللثام!.

ففي إحدى الجُم?Zع وقبل الصلاة بدقائق والناس يأخذون مقاعدهم في المسجد، بدا القلق على المؤذن وراح يتصفح اللحى باحثا عن أحد ينقذ الموقف، فالخطيب لن يأتي اليوم لأمر طارئ... أسر بالأمر الى أحدهم لكنه احتار أكثر وحاول المساعدة بأن دار على مرتادي المسجد لعل واحدا منهم يقوم بالمهمة، ..الكل اعتذر... فبلغ المؤذن من الضيق والصغار أن رأى صاحبنا وهو يدخل المسجد بثقة جبلا عظيما! فاستقبله المؤذن بعينين لامعتين وأبلغه الأمر فجعله دكا، وبهت المؤذن من موقفه لكنه أصر عليه فلا يوجد غيره ولا أحد يمكن أن يقوم بهذه المهمة.

تملص من الأمر لكن أحدا لم يُقله فدُفع الى المنبر دفعا، صعد وصدره ضيقا حرجا، وجلس صامتا يكاد أن يصرخ بالناس أن ارحموني من هذا الموقف، أرجوكم!!....أنهى المؤذن واوعز له بالكلام ، فقام متثاقلا كأن حجرا يعترض صدره، عيناه تتضارب ووجهه مصفر، حاول أن يقول شيئا لكن خيول الكلام نفرت منه ولم يمسك منها واحدة، نظر في وجوه الناس فغيض الكلام واستوى على المنبر وحيدا صامتا يتمنى لو أنه لم يخلق أو كان نسيا منسيا.

تأتا ثم حوقل.. حك اللحية... حرك المنديل على رأسه.... ثم قال: أنا لم أحضّر خطبة وتفاجأت والأوقاف تتحمل هذا الأمر....! خرجت هذه الجملة ضعيفة يغلب عليها الشهيق والزفير، وعلى مدى خمس دقائق كانت عند البعض ومنهم المؤذن دهرا بكامله.. ثم نزل.

طأطأ الرأس بعد الصلاة، لبس " حفاية" مع أنه جاء يلبس" كندرة" وانطلق لا يلوي على شيء غير أنه سمع بعض الكلمات وكثير من الضحكات المكبوتة وقهقهات تتبع أثره ووخزت ظهره كالسهام، وتوارى عدة أسابيع .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد