التعليم بين الامس واليوم

التعليم بين الامس واليوم

04-06-2009 12:00 AM

خالد العلاونة
التعليم بين الأمس واليوم كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن موضوع التعليم في الأردن لما لهذا الموضوع من أهمية في تنمية المجتمع ودفع عجلة تقدم الوطن في كافة المجالات كون التعليم هو نقطة الإنطلاق الأولى نحو الأفضل لهذا أردت أن أتحدث عن ما كان عليه التعليم سابقاً وما هو عليه الآن .
خلال الفترة من منتصف السبعينيات الى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وهي الفترة التي كنت فيها طالباً على مقاعد الدراسه كانت العملية التعليمية رغم قلة الإمكانيات أفضل مما هي عليه الآن من خلال ما تنتجه هذه العملية من تأثير في شخصية الطالب وتنمية فكره في كافات المجالات وقد كانت العملية التعليمية ترتكز في تأثيرها على الطالب على ثلاثة عناصر رئيسية هي الأسرة والمدرسة والدولة .
الأسرة كانت الأسرة الأردنية في تلك الفتره ما زالت تشعر بذلك النقص في الثقافة والتعليم وتشعر بالجهل والأمية هذه الصفات الذي ظل متراكمة لعقود طويله نتيجة ما تعرض له الاردن مثله مثل باقي البلاد العربية من عمليات التجهيل والتخلف من قبل الدولة العثمانية التي كانت تصر على تجاهل مطالب العرب في الحصول على حقوقهم واحتياجاتهم الاساسية في الحياة ومنها التعليم وكان ذلك بدافع طمس الهوية العربية وتذويبها في القومية التركية وبعد ذلك جاء الدور الاستعماري الذي لم يختلف دوره عن دور الاتراك في اهمال مطالب الشعوب العربية في ان يكون لها كيانها المستقل للانطلاق في العلم كأمة لها تاريخها العريق وامجادها القديمة خاصة بالنسبة للعلم والتعليم من هنا حرصت الاسرة الاردنية على ان تعلم ابناءها للحاق بركب المتعلمين من الدول العربية التي سبقتنا في هذا المجال .
ومن مظاهر هذا الحرص ان الاسرة كانت ترسل ابناءها الى المدارس وتعتبر المدرسة هي الاسره الثانيه لابنها ويحق لهذه الاسرة ان تتصرف بهذا الابن كيفما تشاء في سبيل ان تخرجه ابناً متعلماً مثقفا"ينطلق الى الحياه لاكمال مشوار تعليمه في الجامعات خارج الوطن وداخله فيما بعد فكنا نرى اولياء الامور يتابعون ابنائهم ويراقبونهم ويمنعونهم من التصرفات التي يرون فيها انحرافاً عن الهدف ويضعون لهم حدودا لا يجوز تخطيها ولم نكن نرى من اولياء الامور أي امتعاضاً من العقوبات التي كان يتعرض لها ابنائهم بل كانوا هم ايضاً يوقعون عقاباً اضافياً على الطالب عندما يعود الى البيت وذلك لكي يزرعوا في نفسه حب المدرسة والمعلم والخوف منهما في آن واحد .
انطلاقاً من هذه المعطيات كنا نحن الطلبه في تلك الفتره اكثر ما نخاف من المعلم ويصل حد خوفنا الى اننا لم نكن نتواجد في مكان يتواجد فيه المعلم وكنا اذا سلك المعلم طريقاً سلكنا طريقاً اخر خوفاً من السؤال في اليوم التالي عن سبب تواجدنا في الشارع او الحاره ، كنا نرى في المعلم هيبة توازي هيبة الاب لاننا كنا نعرف ان الاب سيقف الى جانب المعلم في كل عقاب او تأنيب او حتى عتاب فكانت كتبنا دائماً نظيفه ودفاترنا مرتبه وواجباتنا تحل اولاً بأول وكنا نكنُ لاساتذتنا كل الاحترام والتقدير لاننا نعرف ان أهلنا ارادو ذلك حرصاً منهم علينا وعلى مستقبلنا ورغبة منهم بان نحقق ماحرموا منه من التعليم.
المدرسة واقصد هنا المدرسة بهيئتها التدريسية مجتمعه وبشخصية المعلم منفرده حيث كنا نرى بالمدرسة بيتنا الثاني من خلال ما كنا نشاهده من اخلاص وتفاني في العمل من الجميع وكانهم في خلية نحل فكانت المدرسة على قلة امكانياتها تحاول ان تقدم لنا كل ما نستفيد منه من وسائل تعليمية مختلفة او انشطة رياضيه اوعلمية او ثقافيه ورغم تأخر ظهور ما يسمى بالاذاعة المدرسية الا ان المدرسة كانت آنذاك تحثنا على ان نقدم بعض القراءات او ما كان يسمى الكلمات الصباحيه مباشرة امام هيئة المدرسة من طلبه ومدرسين وذلك لتنمية روح المواجهه المباشرة في نفوسنا كما كنا نجد تشجيعاً متواصلاً لنا في ممارسة الانشطة الثقافية والعلمية في المدرسه فكان المعلم يجتهد في خلق روح المنافسة بيننا من خلال اقامة المسابقات التقافية والعلميه المتواضعه وكذلك تشجيعنا على اصدار مجلة الحائط فكان التنافس بين الصفوف على اشده في هذا المجال فتجد جدران المدرسة مطرزة بمجلات كرتونيه تزخر بمختلف الرسومات والكتابات والابداعات التي يقدمها الطلبه من خلال الكم الهائل لهذه المجلات كما كنا نمارس في المدرسة كافة انواع النشاطات الرياضية ولم يكن حثنا وتشسجيعنا مقتصراً على معلم التربيه الرياضية بل كان كل اعضاء الهيئة التدرسيية والادارية في المدرسة ــ بما فيهم الآذن ــ يحثوننا ويشجعوننا ويمارسون الالعاب الرياضية معنا وكان هذا طبعاً ينسحب على كافة مدارس المملكة في تلك الفترة حتى كانت المدارس ترفد الفرق المحلية والاندية الرياضية والمجتمع المحلي بألمع نجوم الرياضة والثقافة والعلم.
اما المعلم فقد كان قديماً يختلف كثيراً عن الوقت الحاضر حيث كنت ترى المعلم مهتما" بنفسه وهندامه فتراه يرتدي اللباس الرسمي (البدله وربطة العنق ) فتجد فيه الشخصية التي تستحق الاحترام والتقدير وكان المعلم يترك كل مشاكله الشخصية والعائلية والمادي ويتفرغ لرسالة التعليم التي جاء من اجلها فيجتهد ويتفاني ويخلص في تقديم ماهو مفيد للطالب والمدرسة على اعتبار انه العنصر الرئيس في العملية التربويه فكان يقف على مسافة واحده من جميع الطلاب يثني على المتفوق ويحث المهمل الكسول على النشاط والاجتهاد وكانت تشتد المنافسة بين مربي الصفوف في اخراج كل منهم طلابه بمستوى عال من العلم والثقافه والتفوق والاجتهاد ليباهي به زملاءه في المدرسة او حتى على مستوى مدارس المحافظه مما اكسبه كم?Zاً من الاحترام والتقدير من الطلبة والاسرة على حد سواء كما كان المعلم يرى في مدرسته المكان الذي يستطيع من خلاله تنمية قدراته ومواهبه في مجال تخصصه فكان يحب مدرسته ويحافظ عليها ويغار على مكانتها وتقدمها .. الدولــه كانت الدوله فيما مضى تقدم للمدرسة وللمعلم وللطالب كل الدعم والرعايه وكانت تمنح المعلم صلاحيات واسعة تمكنه من تحقيق هدفه وإيصال رسالته بالشكل الصحيح فكانت لا تمنع او لنقل تتغاضى عن الضرب في المدارس واقصد هنا الضرب التأديبي لا الانتقامي المبني على اسس عشائرية او طائفية كما كانت تعطي المعلم دوراً كبيراً في التدخل بالعلامات للطلبه فاوجدت الرسوب في الصفوف المدرسية دون تحديد نسب لذلك وكل هذا كان طبعاً يشعر الطالب بان معلمه جزء من نجاحه وتفوقه فكانت تتولد لديه مشاعر الخوف المصحوب بالاحترام من معلمه لانه يعرف ان اهماله وكسله لن يوصله الى النجاح المنشود لذا لا بد من الانتباه اثناء الدرس ولا بد من مراجعة الدروس في البيت ولا بد من احترام المعلم والخوف منه وتقديره حتى تتحق له عناصر النجاح كما كانت الدوله توفر للمدرسة كافة عناصر النجاح والتقدم في كافة المجالات من خلال توفير الوسائل التعليميه والادوات الرياضيه والفنيه .
هذا ما كانت عليه العملية التربويه في ذلك الزمان الذي اصبح ماضياً في طي النسيان اما في ايامنا هذه فقد فقدت كثير من هذه المظاهر فلو نظرنا الى الاسره لوجدناها اكثر حرصاً على تدليل ابناءها من حرصها على تعليمهم فكثيراً ما ترى اولياء الامور يهاجمون المدارس بعدوانية واضحه لمحاسبة هذا المعلم او ذاك بحجة ان ابنهم تعرض للضرب او التوبيخ واصبح الطالب يعزو اسباب فشله واخفاقه الى المدرسة والمعلم واذا اراد بمعلمه شراً عاد للبيت باكياً ليحرض والده على معلمه فضعف دور الاسره في تنمية روح المحبة للعلم والمعرفه لدى الطالب فاصبحنا نجد طلاباً قد يصلون الى الجامعه وما زالوا غير قادرين على الكتابة باسلوب او املاء صحيح .
اما المعلم في هذا الزمان فاصبح اهتمامه بمشاكله وقضاياه العائليه والشخصية والماديه يطغى على اهتمامه بايصال رسالة التعليم التي جاء من اجلها فقلما تجد معلماً يهتم بهندامه ومظهره واصبحت البدلة الرسميه وربطة العنق مظهراً مفقوداً في مدارسنا حتى انك قد تجد الطالب او الاذن لا يقل اناقة عن المعلم كما أصبحت المدرسه مكاناً لعقد الصفقات التجاريه وكثيراً ما نرى ان معلماً يعمل في التجارة مثلاً او الزراعة على حساب رسالته النبيله كما ان العلاقة بين المعلم والطالب انقلبت الى الاتجاه المعاكس حيث اصبح المعلم في كثير من الاحيان يخشى من توجيه اي لوم لاي طالب لان ذلك قد يؤدي الى ان يقتاده رجل الامن من المدرسه امام طلابه او قد يقف امام القاضي متهما بينما طالبه يقف منتشياً لانه المشتكي ومطلوب من المعلم ان يطلب منه السماح كما ان المعلم بات يخشى التواجد في مكان فيه بعض طلابه خوفاً من الغمز واللمز والتعليق او التعرض للاحراج وربما يكون للدولة دوراً في ذلك من خلال انظمتها التي منعت الضرب ــ التأديبي ــ والغت الرسوب واعتمدت النجاح التلقائي لسنوات عده ثم عادت الى اعتماد الرسوب بنسب قليله كذلك فان رواتب المعلمين وحوافزهم ليست بذاك القدر الكافي لحث المعلم وتشجيعه على الانصراف الى تادية رسالته بعيداً عن البحث عن مورد رزق اخر .
كل هذا ادى الى اضعاف دور المعلم في السيطرة على الطالب وبالتالي اخراج اجيال ليست قادره على مواصلة الطريق فها نحن نرى في جامعاتنا طلبة يبحثون فقط عن علامة النجاح وقد تجد الكثيرين يدرس هذا المساق او ذاك مرتين او ثلاثه فاذا به طالب جامعي يحتاج الى مساق استدراكي قبل كل مساق يدرسه . اما بالنسبة لدور الدوله غير ما ذكرنا سابقاً فاننا نرى ان هناك الكثير من مساهمات الدوله في تراجع العمليه التربويه ويكون ذلك من خلال كثرة الدمج والفصل بين وزارة التربيه والتعليم ووزارة التعليم العالي مما يربك العمل في مدخلات ومخرجات العمليه التعليميه بالاضافة التي التغيير المستمر والغير مدروس في القيادات التربويه ابتداءاً من مدير المدرسه وانتهاءاً بالوزير وهذا يؤثر سلباً في عملية التعليم على اعتبار ان كل قيادي سينفذ برنامجاً جديداً وخططاً يظن انها المنقذ فما ان يصل الى منتصف الطريق حتى يحدث التغير فيبدأ التخبط وتبدأ القصه من جديد هذا بالاضافة الى استيراد التجارب الغربيه في العملية التعليميه ومحاولة تطبيقها على مجتمع يختلف تماماً عن المجتمع الغربي ناهيك عن ان هذه التجارب والبرامج والنظريات كانت قد لاقت فشلاً ذريعاً في بلادها فلا اظن ان طالباً بالكاد تجد اسرته قوت يومها يستطيع ان يذهب الى المدرسه وهو يحمل (سي دي ) بدلاً من حقيبة الكتب ما كان يرى احد وزراء التربيه السابقين هذا بالاضافة الى التشجيع على استبدال الوسائل الحديثه(الحاسوب ) بديلاً عن العقل والذهن والابداع الشخصي لدى الطالب فتراه ان طلب منه بحثاً علمياً فلا يكلفه ذلك اكثر من خمسة دقائق وبالضغط على مجموعة من الازرار حتى يحصل على مراده فاصبح الكمبيوتر عاملاً رئيساً وربما وحيداً بدلاً من ان يكون عاملاً مساعداً وهذا ربما يكون السبب في وصول المعلم الى الدرجه التي تحدثنا عنها من الضعف وعدم الاهتمام .
والمعضلة الكبرى ربما تكمن في ابقاء القرارات المصيريه المتعلقه بذلك بايدي ثلاثة جهات فقط هي وزارة التربيه والتعليم ووزارة التعليم العالي والمجلس الاعلى للتعليم العالي. هذا هم تعليمنا بين الامس واليوم اما ما هو مطلوب فهو تشكيل لجنة وطنيه من الحكومة والاهالي والاحزاب والحركات والجمعيات والجامعات الرسمية والاهليه والاكادميين واساتذة الجامعات ومن كافة اطياف المجتمع الاردني بكافة مكوناته لوضع خطط طويلة الامد للنهوض بالعملية التربوية والتعليمية حتى نستطيع انتاج مجتمع يتمتع ابناؤه بدرجة عالية من العلم والثقافة والمعرفه ونعود بالعملية التربوية الى ماكانت عليه قبل سبعينيات القرن الماضي .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد