عندما لبس الثعلب لباس الواعظين

mainThumb

13-06-2009 12:00 AM

ما زالت أصداء خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة يوم الخميس قبل الماضي، تتردد حتى يوم الناس هذا و ربما لفترة طويلة. وهي الاصداء التي بدأت حتى قبل أن يصل الرجل الى بلادنا . فقد استغرقنامثلاً في التحليلات عن أسباب قرار أوباما الذهاب الى السعودية قبل خطابه في القاهرة. حتى لقد ذهب بعض الكتاب والمحللين الى أن في ذلك تقليلاً من مكانة مصر ودورها. ورفعاً لشأن السعودية ودورها. وتلك من أعاجيب هذا الزمن الذي صارت فيه قيمة الدول تستمد من زيارة هذا الأمريكي أو ذاك لها. وليس من تاريخها وحضارتها ودورها في صناعة الحدث. ولا غرابة في ذلك أيضاً فقد صار قدرنا في هذا الزمن الرديء أن نتلقى الحدث لا أن نصنعه؛ أو نشارك في صناعته. وفي هذا السياق يمكننا أن نفهم هذا التهويل وتلك المبالغات في استقبال أوباما. تم الاستغراق في تحليل خطابه، واثار هذا الخطاب على مستقبل المنطقة رغم أن المتأمل بالخطاب لن يجد فيه جديداً ينبئ بتغير في سياسة وأهداف الولايات المتحدة الامريكية في بلادنا. بل على العكس من ذلك فقد ثبت أوباما ومن قلب القاهرة سياسة بلاده العدوانية ضد أمتنا. فالخطاب لم يكن في النهاية أكثر من طبق دسم معجون بالسم الفاتك، قدمه لنا على وقع التصفيق. فاوباما الذي صفقنا له كثيراً ثبت حق اسرائيل في الوجود، على أرض فلسطين، التي احتلتها العصابات الصهيونية، عام 1948. متحدثاً عن دولتين يهودية وأخرى فلسطينية لم يحدد مساحتها وموقعها وصفتها. وحل الدولتين ليس جديدا جاء به اوباما. فقد تحدث اسلافه بمن فيهم سيء الذكر بوش عن الدولة الفلسطينية، التي وعد بقيامها قبل انتهاء ولايته. ثم لم يف بوعده تماماً كما سيحدث مع أوباما. الذي أعلن أنه لن يمارس الضغط لتمرير مقترحاته. و الذي تفطر قلبه على معاناة اليهود على أيدي النازي. رافضاً اخضاع فكرة المحرقة اليهودية للنقاش. حتى ولو من باب معرفة حجمها ومدى المبالغة فيها. والذي كان يجب أن يسمعه أوباما أنه لسنا نحن العرب والمسلمين الذين خلقنا مأساة اليهود المزعومة. والتي كانت جزءاً من مأساة الشعوب الاوروبية على يد النازي، حتى نتحمل نحن ت?Zبعات مأساة اليهود، لتُحل على حسابنا باحتلال أرضنا وتشريد شعبنا. علماً بأن وقائع التاريخ تؤكد بأننا الذين حموا اليهود من جرائم الاوروبيين غير مرة في التاريخ. وقد كان على الاوروبيين أن يكفروا عن جرائم النازي بحق اليهود في اوروبا. وليس في فلسطين التي أشار أوباما إلى معاناة أهلها، دون أن يكلف خاطره حتى بأن يشير مجرد اشارة الى المسؤول عن معاناة أبناء فلسطين وتشردهم ولجوئهم. وعن حقهم بالعودة الى أرضهم وبيوتهم فهل يريد أوباما من أبناء فلسطين نسيان جذورهم؟ وهل نسي هو جذوره الافريقية حتى ننسى نحن جذورنا الضاربة في عمق أرض فلسطين وتاريخها، تماماً مثلما لم يكلف نفسه عناء الاشارة الى المحرقة التي يرتكبها الإسرائيليون في غزة المحاصرة. وهو الحصار الذي لم يشر اليه اوباما أيضاً . ولا نريد أن نقول أنه لم يطالب برفعه وهو يتحدث عن حقوق الانسان. وعن الحرية والعدالة والمساواة. ويبدو أن ذلك كله شعارات يرددها أوباما لتحسين صورة بلاده دون أن تجد لها طريقاً الى التنفيذ. علماً بأن القيمة الحقيقية للمبادئ تكمن في تطبيقها لا في ترديدها. ولا أدري لماذا حضرني قول الشاعر العربي لبس الثعلب يوماً لباس الواعظين وأنا أستمع الى خطاب الرئيس الامريكي باراك أوباما.
لم يكن تجاهل أوباما لمعاناة أبناء فلسطين، وخاصة في غزة، هو التناقض الوحيد بين أقواله وأفعاله، فالرجل الذي تحدث عن الديمقراطية فاته أن بلاده هي الداعم الرئيسي للكثير من أنظمة الرجل الواحد المستبد. كما فاته أن بلاده هي التي تآمرت على حركات التحرر الوطني خاصة في بلادنا . وان بلاده هي التي تحتل أفغانستان والعراق وتدعم الاحتلال الإسرائيلي لكل فلسطين ولأجزاء من الاراضي العربية وتصادر حقوق أبنائها في الحرية والاستقلال. وهي أبسط حقوق الانسان.
لم يكن تثبيت حق اسرائيل في احتلال أراضي فلسطين، هو السم الوحيد الذي عجن به أوباما طبقه، الذي قدمه لنا مؤكداً سياسة بلاده العدوانية تجاه أمتنا . فقد زاد على ذلك أنه صادر حق الفلسطينيين بأن تكون القدس عاصمة دولتهم الموعودة. بل لقد ذهب الى ما هو أكثر من ذلك، عندما طرح صيغة حول القدس لا تعدو كونها صيغة التدويل التي سبق وأن رفضتها أمتنا. فجاء أوباما ليحييها. تماماً مثلما حافظ على حياة المستوطنات الإسرائيلية عندما اكتفى بالدعوة لوقف بناء المستوطنات. دون أن يطالب بضرورة إزالة هذه المستوطنات، التي قطعت أوصال أراضي فلسطين. وجعلت من قيام دولة فلسطينية موحدة الجغرافيا أمراً يدخل في باب المستحيل في ظل بقاء المستوطنات الإسرائيلية.
غير تثبيته لحق اسرائيل في الحياة كثابت من ثوابت السياسة الامريكية، فان الرئيس الامريكي اوباما أكد على ثابت آخر من ثوابت السياسة الامريكية، وهو انكار حق أبناء فلسطين بمقاومة من يحتل أرضهم ويصادر حقوقهم، وفي طليعتها حقهم في تقرير المصير. ووصف مقاومتهم بأنها اعتداءات تقع على اسرائيل. وبأنها عنف يجب أن يتخلى الفلسطينيون عنه دون أن يطالب الإسرائيليين بوقف اجرامهم المستمر بحق المدنيين من أبناء فلسطين. الذين تحتل أرضهم. ولا تقوم بواجبات المحتل في حماية المواطنين وممتلكاتهم. وبدلاً من ذلك تحدث عن اطلاق الصواريخ على أطفال الاسرائليين في مضاجعهم، أو تفجير حافلة على متنها سيدات مسنات. ناسياً أو متناسياً هدم اسرائيل للمدارس على رؤوس أطفال فلسطين وهدمها للبيوت، ودور العبادة ودور العجزة في فلسطين. واطلاقها للقنابل الفسفورية، ولكل الاسلحة المحرمة دولياً على أطفال وأبناء فلسطين. كما أن الرئيس الامريكي في خطابه بجامعة القاهرة لم يساو بين الجلاد الإسرائيلي والضحية الفلسطينية فقط بل ذهب بعيداً في البكاء تضامناً مع الجلاد الإسرائيلي الذي يحاول حماية أطفاله من الصواريخ الفلسطينية . متجاهلاً الطلب من اسرائيل التخلي عن سلاحها كما طلب ذلك من الفلسطينيين. علماً بأن ما يمتلكة أبناء فلسطين من اسلحة لا يساوي قطرة في بحر السلاح الإسرائيلي المتدفق من الولايات المتحدة التي يرأسها أوباما.
ومثلما ثبت أوباما سياسة بلاده نحو اسرائيل فقد ثبتها نحو سائر المسلمين. عندما تحدث عن التطرف وضرورة محاربته. دون ان يحدد معنى التطرف واسبابه علماً بأن جل المشاكل التي يعاني منها العالم، وخاصة في منطقتنا تنبع من عدم تحديد معاني المصطلحات. وعلى رأسها العنف والارهاب. فمن هو الارهابي و المتطرف؟ وهل من يدافع عن بلاده وحقوقه ويأتي عمله كرد فعل على الاعتداء على هذه الحقوق هو الإرهابي المتطرف؟ أم هو الذي يرسل الجيوش والاساطيل لاحتلال الارض وقتل اهلها كما حدث في فلسطين والعراق وأفغانستان؟
كذلك ثبت اوباما بخطابه في جامعة القاهرةا مبدأ التدخل الامريكي في الشؤون الداخلية للمسلمين. عندما تحدث عن التعليم وتمكين المرأة والتنمية، الى اخر ما هنالك من مسميات عرفناها وخبرناها. وعرفنا وخبرنا أنها من وسائل الولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص للتدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب. وفرض قيمها ومبادئها ومصالحها على هذه الدول والشعوب. وهو ما يسعى اليه اوباما سيراً على نهج سلفه الذي فرض على دولنا تغيير مناهجها التعليمية وتعديل تشريعاتها لكن الرجل اختار أسلوباً يختلف عن اسلوب سلفه. فبينما كان السلف واضحا وصريحا ومباشراً. وسيلته لقتلنا الصاروخ والمدفع. فان الخلف اختار أن يخنقنا بقفاز حريري ويدس لنا السم بالدسم، سعياً منه لتجميل الصورة القبيحة لبلاده. وظن أنه يحقق ذلك من خلال خطاب وصف حالة أغرقه بالعموميات ولم يدخل في أي تفصيل من تفاصيل حل أي قضية من القضايا التي تناولها. لانه يعلم علم اليقين ان الشيطان يكمن في التفاصيل. فليس المهم أن يتحدث عن الدولة الفلسطينية. فالأهم من ذلك شكل هذه الدولة ومساحتها وقدراتها. وليس المهم ان يتحدث عن الديمقراطية فالأهم هو شكل الديمقراطية ومحتواها، فقد تدخلت بلاده مرات عديدة لاجهاض تجارب ديمقراطية لم تأت على هواها، أخرها تجربة حماس وخيار الشعب الفلسطيني الذي اختار حماس من خلال انتخابات شهد العالم بنزاهتها.
لقد حاول أوباما من خلال خطابه بجامعة القاهرة، أن يجرعنا السم على أنه ترياق. فتحدث طويلاً عن الاسلام ومبادئ الاسلام. وهذا اعتراف من الرجل بالفضل يشكر عليه. لكنه اختار المكان الخطأ، والجمهور الخطأ ليتحدث عن الاسلام فنحن نعرف عظمة ديننا وسمو مبادئه وتعاليمه فديننا دين الحرية في كل مجالات الحياة فقرآننا هو الذي يعلمنا لا اكراه في الدين . وقادتنا هم الذين وضعوا القاعدة الذهبية للمساواة بين الناس متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا . وقد كان على السيد اوباما ان يتوجه بحديثه عن تعاليم الاسلام وقيمه ومبادئه. وعن دور المسلمين في بناء الحضارة الانسانية. وفي بناء بلاده الى مواطنيه الأمريكيين. وخاصة الإعلاميين والسياسيين. فهم الذين يشوهون صورة الاسلام والمسلمين. وينشرون الاسلاموفوبيا بين مواطنيهم، ويحرضون لشن الحروب على المسلمين، الذين يمدون أيديهم لهم، فيردون عليهم بالمدافع والصواريخ واحتلال اراضيهم، بسبب أو بدون سبب. فهل يعقل أن يكون الرد على تفجيرات نيويورك في 11 أيلول 2001 بكل هذه الدموية؟ وبكل هذا الدمار؟ وبكل هذا التشريد للشعوب؟ وباتهام اتباع دين بأكملهم بالإرهاب والعنف وشن حرب شاملة عليهم ؟
أننا لا ننكر بأن خطاب الرئيس الأمريكي باراك، أوباما، قد حمل ايجابيه يجب ان نبني عليها. وهذه الايجابية هي أن الإدارة الأمريكية باتت مقتنعة بأن العنف والقوة لا يجديان نفعاً مع امتنا. التي اثبتت مقاومتها قدرة فائقة على الصمود، وعلى منع العدو من تحقيق اهدافه. حدث ذلك في أفغانستان. وحدث ذلك في العراق. وحدث ذلك في غزة. وحدث ذلك مراراً في لبنان. حيث أجهض مشروع الشرق الاوسط الجديد وقد ادى فعل المقاومة الاسلامية الى تغير في الموقف الامريكي والمزاج الامريكي فلم يعد الأمريكيون قادرين على تحمل رؤية المزيد من النعوش تحمل اليهم أبناءهم، ولم يعودوا قادرين على سماع المزيد من هزائم بلادهم السياسية والعسكرية على أيدي مقاومة أمتنا. مما ادى الى سقوط المحافظين الجدد وعدم تمكنهم من تنفيذ مشروعهم. مما يستدعي من امتنا الالتفاف حول مقاومتها واحتضانها ودعمها. لانها الضمان الوحيد للحفاظ على حقوقها. واجبار اعدائها على التراجع عن أهدافهم، وأول ذلك تغيير وسائلهم في التعامل معنا.
اما الايجابية الثانية لخطاب اوباما فهي التأكيد بأن المسلمين يشكلون كتلة واحدة وهي حقيقة تعامل معنا الغرب على أساسها عندما شن حروبه علينا. لكن بعض المحسوبين على امتنا ينكرونها ونظن أنه قد أن الآوان ليجد المسلمون صيغة لتنسيق مواقفهم وجهودهم للتخاطب مع العالم الذي صار يخاطبهم ويتعامل معهم ككتلة واحدة نظنها ستكون حاسمة في تحديد خيارات العالم في حال قيامها


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد