حضور لإمرأه غائبه

mainThumb

25-10-2008 12:00 AM

إنها امرأة حاضرة برغم غيابها. حاضرة في كل الأشياء . حاضرة في قصيدته,في جريدته,بين أسطر رواياته التي يقرأها ...تخرج له من رحم قهوته وصوت مذياعه وتلقي عليه الصباح والعصافير,وبحضورها يحس بأن كل النساء اللواتي حوله هي (عصافير شمعية)عاطلة عن التغريد والزقزقة ,بحضورها هالة من ضوء خافت,ليس له طابع محدد,أهو حضور سياسي,حضور شعري,أم حضور وجداني,حضورها أقوى من دواوين الشعر والوجدان ومنابر الخطب والسياسة,يتسامى جمالها فوق المجد ليصبح المجد خائبا محض كذبة.

في أثناء عودته إلى قريته الصغيرة تتراءى له على أسقفٍ من عشب وطين ,تتوارى له خلف الضباب المشروخ بضوئها ,تذكره برائحة أمه المبثوثة من رائحة أوراق الورد التي(تتكئ على كتف السياج). كانا (هو وهي)يمارسان معاً مهنة التمريض في قسم الجراحة,ما أجمل أن يعرفهما الجميع بملائكة الرحمة!!! وفي كثير من الأوقات أثناء توحدهما في جلسة من جلساتهم ,كان هو تغويه القصائد في عينيها للشاعر (أمل دنقل) وكانت هي تحب قراءته لوابل الكلمات لشعر محمود درويش الذي قهره الحنين إلى قهوة أمه حتى توارى يشربها روحا في غير الأرض.

بحضورهم يتهافت عليهم المرضى والمشوهين في قسم الجراحة ويتبادلون معهما الحديث والغناء والدموع على متن أضابير سيرهم المرضية.

وها هو يحتفل بتأبينها بعد أن غيبها الموت بثلاثة أشهر,وفي احتفاليته يعاتب محرر صفحة الموتى وعمال المطبعة وعلب الأحبار السوداء الذين نسجوا خبر وفاتها على صفحات الجرائد .

نعم يستحضر روحها بعد ثلاثة أشهر ,يستحضر روحها من على رفوف الدواء المهدئ وأسرة المرضى الموشحة بالبياض ,ونوافذ قسم الجراحة المطوية الستائر المطلة على أشجار الحور.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد