فرخ البط عوام

mainThumb

27-07-2009 12:00 AM

د.محمد فلاح القضاة

 

يولد بعض الناس ، وهم ولله الحمد قلة قليلة ، وملاعق من ذهب في أفواههم، وتبقى ملعقة الذهب متوارثة من جيل إلى جيل . إلا أن المحزن أن هناك من يولد ولا يوجد في فيه معلقة من ذهب أو حتى ملعقة من خشب، وقد يبقى بلا ملعقة ولو طاف الدنيا شمالها و جنوبها وغربها و شرقها إلا من رحم ربي.

يحرص من ولد والملعقة الذهبية في فمه أن يورث هذه المعلقة لأبنائه حتى ولو كانوا بلا أسنان، فالحل بسيط يضع لهم أسنان صناعية، ويفصل لهم وعلى قياسهم المطلوب، ولكنه يمنع في الوقت نفسه الآخرين من الحصول على ملاعق ذهبية أو فضية أو حتى نحاسية أو حتى خشبية و بكل قوة .

الآمر المحزن الآخر أن هناك من يورث لأبنائه ما هو أدهى وأمر، ألا وهو توريث الوظائف الكبيرة، فالوزير يبقى وزيرا وبعد أن يأخذ الله وديعته أو يتقاعد الوزير يصبح ابنه وزيرا مكانه، فترى الأب وزيرا والابن وزيرا والحفيد وزيرا و هلمجرا.

الأمر الأخر أن هناك ولله الحمد قلة من الناس يورثون أبناءهم الأساليب المختلفة في كيفية الحصول على الامتيازات المالية الكبيرة، وبصور غير شرعية ويحللونها عليهم ،ويسخرون القوانين من أجل ذلك ،ويستخدمون مسميات مختلفة.

الأمر الأخر انه إذا سرق إنسان مبلغا بسيطا يزج به في السجون إلى أن يتعفن، وان سرق شخص من فئة الملاعق الذهبية مبالغ، وهي كبيرة دائما فان مصيره الإقامة في سويسرا وغيرها من الدول الغربية الديمقراطية.

صدق المثل القائل "فرخ البط عوام "،وهو مثل ينطبق على واقع مر في كثير من الدول النامية (عفوا الدول المتخلفة ) . تلك الفئة التي لا تستطيع العوم، ماذا تعمل ؟ وإن حاولت العوم فهي تغرق أو تفشل في معظم الأحوال، وان اقتربت من العوم تجد الجوارح تتربص بها لتنقض عليها لتجعل منها فريسة منهكة متعبة، جائعة، المتخبطة في مشاكل الحياة الكثيرة .

الأمر المر الآخر أن تلك الفئة ممن يولد والملاعق الذهبية في أفواه أفرادها الذين يتفاخرون بهذه الملاعق الذهبية في كل المناسبات، الفرح والترح منها . لا يحضر إلى أفراحهم إلا ممن هم مالكو لتلك الملاعق الذهبية، ليتناولوا أصنافا غذائية متنوعة وشهية ،و هم يرتدون ملابس من أرقى بيوت التصميم ،وترى الذهب يتدلى على صدور شبه عارية ،وسيارات فارهة فخمة لا يرى ما بداخلها ،وغير ذلك من الأمور ، أما أحزانهم فترى فيها ترفا كبيرا ،فهي تقام في أرقى الصالات أو الصيونات الكبيرة والمكيفة صيفا و شتاء ،وفيها مأكولات فاخرة أيضا ، وفيها (خدمة 7 نجوم ) من المعزيين .بينما تلك الفئة ،عفوا الغالبية العظمى حينما أفرادها يفرحو ،تجدهم يقيمون أفراحهم على قارعة الطريق ، والشاي الأصفر شرابهم ،والزغرودة طربهم ،وبضع طلقات من النار إعلانا لنخوتهم ورجولتهم ،أما أحزانهم فليست بحال أفضل من أفراحهم .

الأمر المر الآخر والأكثر إيلاما أن تلك الفئة ،وهي قليلة ولله الحمد يتمتع أفرادها بمعاملة فضلى أينما ذهبوا ويجدون الترحاب والبسمات ، فأكبر مدير يهرع لاستقبالهم ،وتقدم لهم الضيافة الفاخرة ،ويذهب احد الموظفين لإجراء معاملاتهم ،وعلى الجانب الأخر إن جاء احد من تلك الفئة المسحوقة ،تسمع الأوامر الصادرة من اصغر الموظفين :"تعالى غدا ، أو انتظر دورك ، وغير ذلك من العبارات .

الأمر المر أن تلك الفئة الذهبية أقامت جدارا أعلى من جدار برلين بينها وبين الفئة المسحوقة، ففي سلامهم تشعر بكبريائهم، وهم يسلمون على الناس سواء في الأفراح أو الاتراح، ناهيك عن ابتعاد منازلهم في أحياء راقية،خوفا من مشاهدة مصائب الغالبية العظمى من الناس، ومن اجل أن يعملوا ما يحلو لهم دون " حسد المسحوقين".

نعم فرخ البط عوام، لكن كيف لي أن أجيد السباحة وليس لدي حوض سباحة في البيت، عفوا ليس لدى الغالبية الا الطشت للاستحمام ؟ كيف لي أن احصل على وظيفة كبيرة إن كان أبي ليس من الذين ولدوا وفي أفواههم ملعقة ذهبية ؟ كيف لي أن أصبح طبيبا إذا كان أبي لا يجد ما يسد الرمق ؟ كيف لي أن اركب سيارة بمائة ألف إذا كنت موظفا لا يتجاوز دخله الشهري بضع مئات من الدنانير ؟

نعم فرخ البط عوام، والغالبية ليست ولله الحمد من الذين يتقنون فن العوم .

نعم فرخ البط عوام، لكن هذا العوم على حساب الغالبية العظمى، و أبنائهم المسحوقين.

نعم فرخ البط عوام ولكن في صفوف تلك التي ولد أفرادها وفي أفواههم ملاعق من ذهب وفضة وألماس، علما بأن غالبية أفراد المجتمع لديها المؤهلات وكفاءات للعوم وبقوة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد