دوام الإشراف التربوي بين هدر الطاقات وإضاعة الأوقات

mainThumb

27-07-2009 12:00 AM

رائد القاسم

زرت قبل أيام صديقاً لي يعمل مشرفاً تربوياً في مكان عمله، وهالني ما رأيت حيث تكدس خمسة عشر مشرفاً من القيادات التربوية الخبيرة في غرفة واحدة بشكل بائس بين متصفح جرائد أو نائم أو غافٍ أو مفكر ساهم أو غادٍ ورائح، ولما سألت صديقي عن هذه الحالة، أخبرني إنهم كذلك في كل صيف، لا عمل لهم إطلاقاً، لأن عملهم مرتبط تماماً مع دوام الطلبة والمعلمين، ومع ذلك يجب أن يكونوا في مكاتبهم من الثامنة إلى الثالثة كنوع من العقاب المقنن.

بصراحة تعجبت من هذا الوضع المزري، فقد كنت أتوقع أن تقود وزارة التربية عملية التغيير الإيجابي والتطور الإداري في ظل الاقتصاد المعرفي الذي تنادي به صباح مساء، وأشبعتنا به شعارات وندوات ومناهج، ويكاد لا يصرح مسؤول تربوي إلا والاقتصاد المعرفي في صلب حديثه.

أعلم من خلال علاقاتي أن المشرفين التربويين في كثير من الدول العربية غير مرتبطين بدوام محدد كغيرهم من الموظفين، فهم يؤدون مهماتهم في المدارس ثم يغادرون إلى منازلهم أو مكاتبهم حسب الضرورة وطبيعة العمل، وكان هذا معمولاً به في الأردن قبل عقد أو يزيد، ثم جاء من غيّ?Zر لأمر في نفس يعقوب.

في ظني أنه في ظل التقدم التكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات فإنه من العبث أن يربط دوام المشرف التربوي بمكتب ويحجر عليه دون أية فائدة أو عمل، وفي دوام المشرف أثناء عطلة المدارس وبعد انتهاء الجولات الإشرافية بقية العام هدر للطاقات وإضاعة للأوقات، وإنفاق لمقدرات الوطن من غير طائل، حيث يربط المشرف بدوام غير ذي فائدة مع ما يستتبعه ذلك من نفقات شخصية وإدارية تشكل هدراً للمال العام، وإلا ما المبرر أن يستهلك المشرف مكتباً بكل ما فيه من كهرباء وأثاث وأجهزة ناهيك عن مصروفاته الشخصية.

من واجب ديوان المحاسبة أن يتابع هذا الموضوع ويتساءل عن مبررات دوام المشرفين دون عمل، وما الفائدة المرجوة من دوامهم، ولم يحملون الوطن نفقات زائدة.

يقول أحد المشرفين، نطالب بمساواتنا مع مديري المدارس أثناء العطل المدرسية، فنحن نتساوى معهم في الإجازة السنوية، ويطلب منهم أن يداوموا يومين فقط في الأسبوع، فلم لا يتم إنصافنا ونكون في حل من الدوام أثناء العطل مع إلزامنا بدوام يومين أسبوعياً، أو يتم تنظيم برنامج مناوبة عادل لكل المشرفين.

المطلوب من وزارة التربية والتعليم أن ترتقي في رؤيتها للعمل الإشرافي وما على شاكلته، وأن لا يكون الدوام المكتبي هو الأساس والمعول عليه، وأن تركز على الإنتاجية والمحصلة النهائية، وأن تستغل أدوات الاتصال والتواصل الحديثة في عملها أسوة بالعالم المتقدم، فالعالم بدأ بالتخلي عن المكاتب والمباني والدوام الممل لمصلحة العمل عن بعد من المنزل ما دام يوفر عليها النفقات والتكاليف والأعباء مع الحصول بالضرورة على إنتاجية أعلى في ظل الأريحية في العمل والأمان الاجتماعي للموظف.

في ظل ثورة الإنترنت والخلويات التي وفرت اتصالات سريعة ومضمونة لم يعد مقبولاً أن يربط دوام المشرف التربوي صاحب الخبرة والكفاءة بمكتب يقيد حركته ويشل تفكيره ويحبطه، فهو يستطيع أن يؤدي مهماته المطلوبة ثم يترك له حرية الحركة حسب الضرورة، أما التواصل الإداري على مستوياته المختلفة فيجب أن يكون عبر الاتصالات الحديثة ترجمة لتوجهات الاقتصاد المعرفي، مع التأكيد على ضرورة أن يتواجد مشرفون مناوبون في أقسام الإشراف لتقديم الخدمات الإشرافية لمن يطلبها من المعلمين والمجتمع المحلي، وهي غالباً محدودة جداً.

أخيراً ... أهيب بوزير التربية والتعليم أن تكون له كلمة الفصل في طبيعة العمل الإشرافي وفي دوام المشرفين التربويين، فأصحاب الخبرة لا يعاملون بهذا الأسلوب غير العملي وغير المبرر.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد