عندما يبكي الكتاب

mainThumb

10-12-2008 12:00 AM

كل عام والأمة الإسلامية بالف خير, والوطن بألف خير والهاشميين بألف خير والاردنيين وقراء السوسنة بالف خير... لم نكن في السنوات العشر الأخيرة نعرف شيئا عن الإنترنت, وكان زادنا وزوادتنا كتاب نتصفحه يوميا لنرشف من بحور العلم ما نستطيع تخزينه في ذاكرتنا المتعطشة للمعرفة, فلا يكاد منزل يخلو من مكتبة ولو صغيرة, فتجد من أشهر الكتب فيها "في ظلال القرآن, رياض الصالحين, من قصص القرآن, تفسير الأحلام, الأربعين النووية...الخ" ولا ننسى على رأس القائمة كتاب الله المقدس ففي كل بيت عدد من المصاحف بأحجام مختلفة قد تكون بعدد أفراد الأسرة أو تزيد.

كان خير جليس لنا في زماننا الكتاب, وكان هو أنيس وحدتنا وصديق ساعاتنا الطوال وكان مرجعنا ليل نهار فمعظمنا لا يعرف طعم النوم إلا إذا تصفح كتابا لقراءته, فقد تعودنا القراءة وأدمنا الثقافة في ذاك الزمان, ولكن لا يبقى على ما هو إلا هو.

أنتم أعزائي الآن تتصفحون الإنترنت وتقلبون صفحات صحائفه اللاورقية كما كنا سابقا نقلب صفحات الكتب, ولكن الزمان إخواني غير الزمان وحتى المكان غير المكان- إن جاز لي التعبير- فبالرغم من أن معظمنا لم يبرح مكانه إلا أن الأمكنة تغيرت واختلفت عما سبق. مرت السنوات سريعا وكبرنا معها ولا زلنا نبحث عن الثقافة والمعرفة, نقلب صفحات الإنترنت ونبحر في كل الميادين ونسافر إلى كل البلدان وبزمن قياسي لا يتعدى بضع ثوان, كنا في الماضي نتفاخر بما نملكه من كتب ونجعل في زاوية المنزل مكتبة صغيرة مكانها الأنسب غرفة الضيوف, فالكتب للعلم والثقافة ولكنها للزينة والبرستيج أيضا.

اختلفت الآية وانعكست الصورة ولا زلنا نبحث عن الثقافة والمعرفة ولكن دون كتاب فقد أصبح حائزي الكتب أشخاص رجعيين ودقة قديمة.

ولا ألوم أحد في ذلك ففي ظل التطور العلمي والتكنولوجي وظهور الإنترنت الذي غزا كل البيوت تقريبا أصبح بإمكان أي شخص حمل الألوف من الكتب في جيبه دون أن يشعر بكلل أو ملل فالقرص المدمج أو الفلاش ميموري أصبحت في جيوبنا كبطاقة شخصية أو كهاتف محمول, وتستمر المنافسة والسباق على حيازة ذاكرة ذات سعة تخزينية عالية.

لم يعد – وللأسف الشديد- للكتاب من صاحب ولم يعد الكتاب- خير جليس- فأنا أول شخص طلقه بالثلاث فبعد أن اشتريت في عام 1994 مجموعة كتب قانونية متسلسلة بأربعماية دينار وملأت مكتبتي المتواضعة على مدار خمس أو ست سنوات بكتب تزيد قيمتها عن الخمسة ألاف دينار معظمها كتب قانونية, وبعد أن كانت مجلة نقابة المحامين تصلني- ولا زالت- إلا أنني وأصدقكم القول لم أقرأها منذ ثلاث أو أربع سنوات ولكنني تصفحت معلوماتها على برنامج قانوني صنع وبرمج خصيصا لتسهيل الحصول على المعلومة.

لم تعد الثقافة والمعرفة – وحتى العلم- مرتبطة بالكتب أو بتعبير أدق بالورق فقد غزت أجهزة الحاسوب كل بيت وأصبح أبناءنا يتقنون فن الإنترنت من عمر أربع سنوات أو أقل دون الحاجة لقلم أو ورقة, وبالرغم من الكم الهائل من الكتب والمعلومات التي قد نحصل عليها في بضع دقائق إلا أن ذلك سيف ذو حدين فمن يتلقى المعلومة بسهولة ويسر ينساها بسرعة ويسر, لأنه لم يتعب بالحصول على المعلومة فنادرا ما تبقى في ذاكرته الدماغية مهما كانت سعتها التخزينية!!!

قد يستغرب البعض من سبب الطرح والمقارنة ولن أطيل عليكم الانتظار ولن أشوقكم أكثر لمعرفة السبب, فقد اتصل بي أحد أصدقائي مساء يوم الأربعاء وأبلغني أن هناك معرض للكتاب في نادي الأمير راشد - العقبة بدعم من وزارة الثقافة وطلب مني مرافقته فوافقت دون تردد مع استغرابي الشديد للفكرة فقد نسيت متى سمعت أخر مرة بوجود معرض للكتاب وذهبت لمشاهدة المعرض وشراء ما يعجبني من كتب قد تكون نادرة أو على الأقل قصصا للأطفال أهديها لأبنائي.

ذهبت وقلبت الكتب واخترت مجموعة بسيطة ولدى سؤالي عن ثمنها تفاجأت حقا وندمت لزيارتي المعرض فكانت نوعين من الكتب, من الحجم الصغير والذي يحوي أربعين أو خمسين صفحة وبسعر خمسة وعشرون قرشا للكتاب, والنوع الثاني من الحجم الكبير والذي يحوي ما يقارب ألمائتي صفحة وبسعر خمسة وثلاثون قرشا للكتاب.

نعم أعزائي خمسة وعشرون قرشا وخمسة وثلاثون قرشا, فصمت للحظة وحاولت إجراء حسبة بسيطة بين ثمن الورق والحبر والطبع والتغليف والرسم على الكتاب وداخله وثمن نقله وتخزينه وأجور البائع وربحه فلم أجد حلا للمسالة فوضعت الكتب في كيس بلاستيكي ودفعت ثمنها ثلاثة دنانير وربع وحملتها وأنا أتمتم بصوت سمعته يسألني باستنكار... لو كان ما في الكيس "بطاطا" لكان سعرها أغلى!!!؟ ابكي يا كتاب واذرف دمع أسطرك حبرا... حرك رسومات غلافك لحرق أوراقك حرقا, فلم تعد خير جليس في زماني ولم اعد أصاحبك لو استجديت حناني, فقد اشتريت بسعرك ذاكرة تحوي من شكلك ألفان.
Ayman_alamro@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد