المخفي والمعلن في ادارة النظام العالمي! .

mainThumb

25-12-2007 12:00 AM

من الظواهر الغريبة والشاذة في هذه المرحلة الانتقالية التي يجتازها العالم تشكل ادارة دولية مركزية غير معلنة, ليست لها صفة رسمية, وليس لها قانون او دستور رسمي, ولا عنوان محدد رسمي! انها عصبة من اصحاب المال والاعمال والسياسيين والاعلاميين المتعددي الجنسيات, يشتركون في الحكومات الرسمية لكنهم لا يخضعون لها بل هي التي تخضع لهم! ويشتركون في البرلمانات الديمقراطية المنتخبة لكنهم لا يستمدون قوتهم منها بل هي التي تستمد قوتها منهم! كذلك فان العضو الاقوى في هذه الادارة ليس الذي يحمل صفة رئـيس دولة, بل الذي يمثل حجما اكبر من رأس المال الدولي, فاذا اضيف اليه منصب الرئـيس اصبح اكثر قوة! ان رئـيس الولايات المتحدة عضو في هذه الادارة الدولية السرية, يعود هو اليها ولا تعود هي اليه!

لقد تشكلت هذه الظاهرة الغريبة لاول مرة قبل حوالي سبعة وثلاثين عاما, بمبادرة من ديفيد روكفلر ومصرفه "تشيز مانهاتن", والى جانبه شخصيات اخرى هامة في مقدمتها زبيغنيو بريجنسكي, واطلق على تلك التشكيلة حينئذ اسم:"اللجنة الثلاثية"! لانها ضمت ممثلين عن ثلاثة اقاليم عالمية هي الولايات المتحدة واوروبا الغربية واليابان, وقد بلغ عدد اعضائها حوالي الاربعمئة اغلبهم من الامريكيين, فعبرت تركيبتها عن المصالح المشتركة بين رأس المال الامريكي وحلفائه وامتداداته خارج الولايات المتحدة, وفوضت نفسها بالعمل خارج المؤسسات الرسمية الحكومية والبرلمانية للدفاع عن مصالح النظام الاحتكاري العالمي التي اضطربت اشد الاضطراب بعد ان انكشف تحول الولايات المتحدة حينئذ من دولة مصدرة الى دولة مستوردة ومن دائنة الى مدينة, فكان على اللجنة الثلاثية مواجهة تلك النكسة الخطيرة التي اصيب بها رأس المال الامريكي وحلفاؤه, بوضع الخطط السرية, واتخاذ القرارات غير الرسمية, معتمدة في التنفيذ على نفوذها في المؤسسات الحاكمة واولها المؤسسات الامريكية!

لقد اشعلت اللجنة الثلاثية نيران الفتن والحروب في العديد من البلدان, خاصة بلادنا العربية, وكانت وراء ارتفاع اسعار النفط بعد حرب عام 1973 لتعديل الميزان المالي الدولي لصالحها بعد ان كان ضدها! بل هي كانت وراء ادارة تلك الحرب وما نجم عنها من كوارث سياسية واجتماعية, كما راحت تشكل الحكومات المناسبة وتعين رؤساء الدول المناسبين بدءا بالولايات المتحدة, حيث هي التي اعدت في وقت مبكر جدا جيمي كارتر لاحتلال هذا المنصب!

لقد كان ظهور اللجنة الثلاثية في تلك الحقبة مظهرا حادا من مظاهر ازمة النظام الاحتكاري العالمي التي لم تعد الاساليب الرسمية والقوانين الرأسمالية تنفع في معالجتها, وحيث بدا واضحا ان الازمة مستعصية على حل سلمي علني منطقي, وان العلاج الوحيد المتبقي هو التآمر والفتن, والازمات والحروب المفتوحة, التي توفر لجسم النظام الاحتكاري العالمي المريض جرعات مقوية الى حين وان هي جعلت ازمته الاساسية التاريخية تزداد تفاقما واستعصاء! وهكذا, منذ ذلك التاريخ, بدأت اللجان السرية او الادارات الدولية غير المعلنة تتوالى ويتعاظم دورها, الى ان اصبحت هيئة الامم المتحدة والهيئات والمؤسسات الدولية الاخرى مجرد ادوات خالية من المضمون وفاقدة للفعالية, وتحولت الحكومات, بدءا بحكومة الولايات المتحدة, الى مجرد واجهات رسمية لهذه الادارات غير الرسمية وغير المعلنة, اما آخر هذه الادارات فهي تشكيلة المحافظين الامريكيين الجدد!

لقد باشرت ادارة المحافظين الامريكيين الجدد السرية نشاطها منذ مطلع التسعينيات الماضية, ووضعت نصب اعينها اهدافا طموحة تبدو اهداف لجنة روكفلر الثلاثية في غاية التواضع والسذاجة اذا ما قيست بها, حيث اخذت على عاتقها تفكيك الامم, وتقسيم البلدان, وخصخصة الحكومات, والسيطرة المباشرة على مصادر الثروات الاستراتيجية في كل مكان, خاصة مصادر النفط في البلاد العربية والاسلامية, واقامة ادارة مركزية علنية, مقرها واشنطن كعاصمة للعالم الذي ستتحول دوله الى ما يشبه المحافظات! وفي معرض التحضير السري المبكر انطلقت لجنة المحافظين الجدد لتشكيل امتداداتها الثقافية والاجتماعية والسياسية, والحكومية والعسكرية ايضا, وذلك تحت شعارات العولمة والليبرالية والديمقراطية وحقوق الانسان وحق المصير.. الخ, وكلها شعارات جذابة حلوة, لاقت تجاوبا عالميا واسعا, لكنها في حقيقة الامر تضمر السم الزعاف, فهي مسيطر عليها مسبقا لتدفع في اتجاه واحد هو تدمير البنى الاممية, وخصخصة الحكومات بتحويلها الى مجرد حكم ذاتي لمناطق مدارة, ووضع اليد بالكامل على جميع الثروات الاستراتيجية في جميع بلدان العالم, وهو ما اصبح معلنا وشبه رسمي بعد سيطرة اعضاء من هذه العصابة على حكومة الولايات المتحدة بالكامل!

ان ادارة المحافظين الجدد الدولية السرية, مثلها مثل ادارة روكفلر الثلاثية, تمثل القطاع الخاص العالمي بوجهه الاحتكاري الربوي, وبتدرجاته من اضعف البلدان حتى اقواها, وهي تخوض اليوم معركتها التاريخية المصيرية لمصلحته بصورته الربوية السلبية الراهنة, حيث هذا القطاع في ظروف وشروط اخرى يمكن ان لا يكون ربويا ولا سلبيا, بل عادلا وايجابيا, ولن تتورع هذه الادارة, كما هو واضح, عن شن الحروب, لاسباب ملفقة وبلا اي مستند قانوني, لتحقيق اهدافها, فاذا تحقق ذلك عن طريق الحركات البرتقالية والنشاطات الاجتماعية كان به, والا فاللجوء الى العمليات العسكرية والاحتلال!

لقد انكسر اندفاع ادارة المحافظين الجدد الدولية وانكفأ عالميا امام صمود المقاومة العراقية الباسلة, لكنها لا تستطيع سوى مواصلة الاندفاع الى الامام, الامر الذي سيفاقم ازمة نظامها الربوي العالمي ويزيد من استعصائها, فها هي اليوم تواصل محاولاتها لاقناع الحكومات العربية, في فلسطين ولبنان وغيرهما, بقبول الخصخصة, اي بالتحول الى حكم ذاتي لمناطق مدارة لصالحها! اي بالتخلي عن الارض والعرض, وعن الهوية الوطنية والقومية, بل عن الاخلاق الانسانية في حدها الادني متمثلة بتأييد الحق ومعارضة الباطل, فهل هذا معقول? وهل يمكن ان يكتب لمحاولاتها النجاح? مستحيل!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد