بخاطرك يا لحم ومرحبا يا خبيزة .. (بالمزاري الفصيح)

mainThumb

21-03-2009 12:00 AM

بالأمس كنت أقرأ لاثنين من كبار كتابنا, المبدعين الساخرين الأستاذ احمد الزعبي, والأستاذ كامل نصيرات, وما لفت نظري ليس فقط أسلوبهما الساخر والجميل في الكتابة, ولكن ما لفت نظري أكثر اجتماعهما على طبق الخبيزة, وتهكمهما وهجموهما الكاسح الواضح على الخبيزة ايضا.

هذه الثورة البيضاء على الخبيزة , أيقظت في ذاكرتي قصصا كثيرة كانت الخبيزة بطلتها وسيدتها الأولى بلا منازع.

سأحاول أن أسوق واحدة من اكثر قصص الخبيزة شهرة ربما في التاريخ الأردني الحديث , والتي عرفها وتغنى بها معظم أبناء الشعب الأردني في ذلك الحين, رغم عدم وجود هواتف خلوية وانترنت أو أي من وسائل الاتصال ونقل المعلومات الحديثة التي تعج بها بيوتنا الآن.

القصة وهي قصة حقيقية 100%, تدور حول رجل من المزار الشمالي كان يكنى بـ (الصِلح) بكسر الصاد, وهو رجل قوي وضخم البنية إلى درجة لافتة للنظر.

اذكر أني كنت قد شاهدته وقد بلغ من العمر ما يزيد على السبعين عاما أو أكثر, وكان ما زال يحتفظ بتلك البنية القوية, وكان طوله كما اعتقد يزيد على 185 سم في ذلك الحين.

كان الصِلح رحمه الله مثله مثل اغلب أهل زمانه آنذاك, يحب أكل الروس والكروش والكوارع, وكانت الروس والكوارع والكروش الزفر الأكثر شيوعا بين معشر الفقراء, والذي يشفي غليلهم ويشبع جوعهم.

كان الصِلح رحمه الله إذا ما أراد الحصول على رأس عجل مدسم يضطر للذهاب إلى اربد, إذ أن عدد الملاحم في المزار آنذاك كان قليلا, والطلب على الروس والكروش كثيرا, كما كان أهل المزار يكثروا من ذبح الجمال على حساب العجول.

يقول شهود عيان أن الصِلح ذهب مرة إلى اربد يبحث عن الروس والكروش والكوارع -طبعا مشيا على الأقدام- وذهب إلى الجزار الذي اعتاد أن يشتري من عنده, وعندما ناوله ثمن الراس العزيز, تفاجأ بان الجزار يريد مبلغا إضافيا يزيد عن ما اعتاد دفعه سابقا.

وبعد جدل قصير مع الجزار حول التسعيرة الجديدة المبالغ فيها, وضع الصِلح رحمه الله الراس من يده وأعطى الجزار عشرة قروش وقال له: أرجو أن تسمح لي بتقبيل رأس الثور , وبعد ان قبله كقبلة العاشق المفارق, وكان كما قلت رجلا فارع القامة, مشى من حيث كانت محال الجزارة باتجاه الحسبة المركزية في اربد, وقال قوله المشهور الذي ذهب مثلا بين نسبة وشريحة كبيرة من أبناء الأردن من شماله إلى جنوبه, بريفه وبواديه, بصوت مجلجل جهور, مكررا مرات ومرات :

بخاطرك يا لحم ومرحبا يا خبيزة

توفي الصِلح رحمه الله وبقي قوله هذا شاهدا على حكمته وجرأته وسرعة بديهته وخفة دمه, وها هما, احمد الزعبي وكامل نصيرات يتحدثان عن الخبيزة, وما زلنا نحن ايضا نتحدث معهم عن الخبيزة واللحمة وقوت المواطن, ولا ندري ما يقول أهل المزار, ولا ما قد يقول كل ِصلح في الأردن والمزار عن الخبيزة واحوالها, فالخبيزة تشارف على الانقراض وأضحت غالية صعبة المنال, وان نحن قلنا بخاطرك يا خبيزه فاني أخشى أن لا نجد من نرحب به بعدها.

abdallahazzam@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد