أمي .. تربة وجذور

mainThumb

21-03-2009 12:00 AM

قرأ.. أمي .. ارتعش صوته وتقطعت كلماته .... حنجرته عنق زجاجة تكدست فيها الكلمات.. أحداقه حوض أترع بالدموع .... لم يستطع أن يكمل القراءة ... كل قناة في رأسه سالت بماء الألم..

.. هذه أولُ مرة يغادر المنزل دون أن يرى أمه... لم يجرب قبل الآن معنى أن تبتعد الأم.. معنى أن تغادر الأسرة ! ... كانت التربة التي تغذي جذوره وانفصل عنها... هكذا الأشجار عندما تموت..تجف جذورها ثم ينتقل الجفاف إلى رأسها الممرغ بالتراب.

... بعد الدرس خرج مع زملائه... كأنه كرةٌ من هم تتدحرج بينهم ... لم يسمع منهم أي كلمة! كان يصارع موج الهم الذي داهم بيته البارحة ... بدآّ بالنقاش ثم ارتفعت الأصوات .... أنت?Z تركتنا .. أهملتنا ... لنا حقوق ..لم ترع أبناءك، أنا لا أستطيع رعايتهم وحدي .. أحاطت به مسؤولياته من كل جانب، لم يستطع التفلت منها ضغطت عليه .. كادت تخنقه، أشاح بوجهه، حاول أن يجد مخرجا، كل ذلك صحيح، لكن ... فانفجر بالكلمة البغيضة!. فران صمت لم يفهم الصغير معناه ... ضاعت معه الكلمات، ودٌ?Z لو يعود الزمنُ دقائق فيتحمل حرصها على بيته، حزمت أمتعتها خرجت وليس من ناطق غير الدموع، ألقت نظرة إلى الصغير جمعت الحسرة والألم... الخوف من ضياعه حبل شدها إليه.. أوقفها ... أجهشت بالبكاء، ركض إليها الصغير تشبث بها ... ماما ... ماما ... أشاحت بوجهها وقلبها يحتضنه... انتزعه منها ... خرجت جسماً وبقي قلبها يتردد في جنبات البيت ... بكى الصغير ... انتهره! بكى في قلبه.. ونّ.. ثم انفجر بالعويل.

استغرب زملاؤه من بكائه، ما بك... ما بك ؟ لاشيء. لكنه لم يكف عن البكاء ..

وقت الرجوع إلى البيت.. أمل ينتظره منذ الصباح! فيعود مسرعاً يرتمي بأحضانها آمنا وداعاً مغمضاً عينيه يحلق في الجنة.. ولكن كيف سيجده الآن!.. إنه مأتم بغيض، قطعة من جهنم!.

لعلها عادت!! سيطرت عليه هذه الفكرة.. عاد مسرعا، ركض.. وصل إلى البيت منهكا.. دخله، لم يكن كما كان! صمت بغيض يلفه، إنه خاو من الحب والحنان، خاو من الحياة! السأم أعشاش عنكبوت تملأ الزوايا، وتغشي الأركان.

ما زالت جذوره في الهواء تبحث عن تربتها الندية... تفحّص البيت ... ما فيه إلاّ صنم من أنانية وكبر ونكد ينتصب داخله، نظر إليه شزرا، أسرع إلى الخارج، نظر إلى بيت قريب بعيد تنهّد وانفتحت سواقي الماء في رأسه..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد