البحث العلمي واللهث الرقمي(1-2)

mainThumb

29-03-2009 12:00 AM

سمعت كثيرا عن معالي وزير التعليم العالي وسياسته الإدارية والعلمية الفذة, لذلك بت احرص وأحاول أن أتابع واقرأ ما يقول وينشر في الصحف والمجلات, وما تتناقل وسائل الإعلام على لسانه.

أخر الأشياء التي قرأتها كانت عن واقع البحث العلمي في الجامعات الأردنية واعترف هنا بإعجابي الشديد بصراحة الدكتور المعاني وشجاعته في قول الحق والاعتراف به.

وهو الأمر الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع المهم ,عل هذا المقالة تجد أذنا صاغية من معالي وزير التعليم العالي لإصلاح ما يمكن إصلاحه وليعيد البحث العلمي إلى طريقه المستقيم.

لقد وضع الوزير المعاني يده على الجرح مرة أخرى حينما أكد على أن البحوث التي يقدمها أو يقوم بها أعضاء هيئة التدريس في الجامعات تكون لغايات الترقية والترقية فقط مما يفقدها جوهرها ويقلل من قيمتها العلمية.

إن من المؤسف حقا أن يكون هم الأستاذ الجامعي الترقية حتى يزيد من راتبه الشهري مقدار مائة دينار أو نحوها بعد خمس سنوات من العمل والعطاء, ويقلل من عبئه الأكاديمي ويحصل على بعض الامتيازات البسيطة الخاصة التي بالكاد تذكر .

إن من المؤسف حقا أن يكون التنافس بين الجامعات والأساتذة في عدد البحوث المنشورة, وان تصنف الجامعة إلى جامعة ناجحة أو فاشلة, أو أستاذ ناجح أو فاشل بالاعتماد على عدد البحوث المنشورة لأعضاء هيئة التدريس فيها وليست نوعيتها.

البحث العلمي الذي ت?Zقّوم الجامعات على أساسه وتصنف إلى جامعات متقدمة أو متطورة هو البحث النوعي وليس البحث الكمي.

البحث الذي يقدم خدمة للمجتمع المحلي ومن بعده المجتمع الإنساني وليس البحث الذي ينساه صاحبه ولا يعرفه أو يتعرف إليه إلا عند تقديم طلب الترقية.

البحث العلمي الذي نبحث عنه هو البحث الذي يحل ويحد من المشكلات التي تواجهنا وتواجه مجتمعنا وتواجه مؤسساتنا المختلفة وما أكثرها.

هل التهديد بفصل الأساتذة من أعضاء هيئة التدريس ممن لم يترقوا وفق المعايير المعتمدة الآن في الجامعات الحكومية يخدم البحث العلمي؟ إن معظم العاملين في الجامعات الأردنية يعلمون علم اليقين أن الأساتذة الجيدون علميا في معظم الأحيان هم الأكثر تعثرا وتأخرا في مسيرة الترقية, فيما الأساتذة المتزلفون المنافقون يترقون بكل يسر وسهولة ودون أي منغصات تذكر.

كما يعلم الكثير من العاملين في الجامعات أن هذه الفئة من الأساتذة, هي التي تسند إليها معظم المواقع الإدارية والحساسة في الجامعة, حتى يتحولوا إلى سيوف مسلطة على رقاب الأساتذة المتميزين الجيدين, وحتى يتقمصون ويلعبون دور الحارس الأمين والراعي الصادق للبحث العلمي الجامعي, ويغلقون الأبواب من خلفهم على من بعدهم. كما يجب أن لا ننسى ما يقال أو يشاع عن قيام البعض من أعضاء هيئة التدريس بالالتفاف على عملية النشر سواء بالدفع أو استخدام أسلوب القطع هنا واللصق هناك.

وانتشار مكاتب لبيع الأبحاث يقصدها بعض الأساتذة والطلبة على حد سواء. وهذا الأمر ينسحب أيضا على بعض طلبة الدراسات العليا والرسائل الجامعية التي يكسوها الغبار في المكتبات, ومن قبلهم طلبة المدارس الذين أردنا أن نعلمهم البحث العلمي فعلمناهم الكذب والتزوير.

لا أريد أن أخوض في عدد البحوث العلمية التي نشرتها وتنشرها الجامعات الحكومية والخاصة أو ما ينفق على البحث العلمي, لان هذا يجعلنا كما اعتقد نغمض أعيننا عن حقيقة معنى البحث العلمي وأهدافه السامية, ونرى الأشياء وفق المثل الشائع عندنا " القرد بعين أمه غزال", ولكني أريد أن أتحدث عن البحث الذي ننشر من حيث مستواه, مصداقيته العلمية, موثوقية نتائجه وإمكانية الإفادة من نتائجه في معالجة المشكلات التي تواجه الوطن والمواطن.

إن مما يؤسف له كثيرا القول أن معظم إنتاجنا من البحوث المسماة بالعلمية, ليست من العلمية في شيء, اللهم إلا الإطار والشكل العام, وافتقارها لأسس البحث العلمي, وعدم موثوقية نتائجها وعدم إمكانية الإفادة منها.

وأتحدى رغم عدم اعتقادي بالتحدي أو إيماني به أن يزودني باحث ما, أو جامعة ما , أو أي جهة أخرى, بما قد تزيد نسبته عن1 أو 2% من البحوث التي نشرت وتنشر الجامعات الحكومية والخاصة قد أفادت منها مؤسسات الوطن المختلفة, أو استفاد منها المواطن خاصة في حقول العلوم الإنسانية.

وحتى اثبت صحة ما أقول من بطلان وزيف وقصور ما نسميه البحث العلمي في بلدنا الحبيب, سأقدم بعض الحالات والمشكلات التي تفند هذا الزعم جملة وتفصيلا وتكشف عجز البحث العلمي عن معالجة هكذا قضايا.

ظاهرة العنف الجامعي والتي لم تنج منها أي جامعة حكومية أو خاصة من الشمال إلى الجنوب, ماذا قدم البحث العلمي لها؟ ماذا قدم البحث العلمي في الجامعات الأردنية للحد من هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا, والتي دعا جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه لوضع حد لها؟ الم تنمو الظاهرة وتزداد بدلا من تراجعها وانحسارها؟

إفلاس الجامعات وخاصة الحكومية منها برغم كثرة عدد طلابها وكثرة موظفيها وكثرة مواردها وكثرة وكفاءة أساتذتها ماذا فعل البحث العلمي لها؟ ماذا فعل البحث العلمي بهذه الطاقات الخلاقة المبدعة كما نسميها دائما؟ كيف وظف البحث العلمي هذه الطاقات وسخرها لخدمة الجامعات وخدمة الوطن؟

خرف هيكل وكذبه قبل أيام وتلويثه للتاريخ المشرق للأردن وقيادته الهاشمية المظفرة أين كان البحث العلمي منه؟ أين البحوث العلمية لتفند بالأدلة والشواهد زيف وكذب وتشويه هيكل؟ أين دور الجامعات والبحث العلمي في رسم تاريخ الأردن المشرق؟

أمثلة كثيرة يمكن أن أسوقها للدلالة على عجز وقصور البحث العلمي في بلادنا عن تحقيق ابسط أهدافه, وتحوله عن مساره, من بحث علمي جاد إلى لهث رقمي حاد ترفعه كل جامعة وتحاول أن تتميز به عن غيرها من الجامعات فيما حقيقة الجامعات والتعليم العالي مؤلم وموجع ومحزن.

abdallahazzam@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد