البحث العلمي واللهث الرقمي(2-2)

mainThumb

31-03-2009 12:00 AM

كنت قد تطرقت إلى الواقع المؤلم للبحث العلمي في وطننا الغالي, وعجزه وقصوره عن تحقيق أهدافه في معالجة المشكلات التي تعترض طريقنا وتواجه مسيرتنا التنموية على مختلف الصعد.

أما وان وزير التعليم العالي وهو النطاسي البارع وصاحب الإرادة والعزيمة القوية قد اعترف بوجود المشكلة, فان هذا الاعتراف وهذه الشجاعة يجب أن تكون بداية الطريق الشاق والصعب ربما للبدء في جملة إصلاحات و قرارات لتطوير واقع البحث العلمي في جامعتنا الوطنية وإعادته إلى مساره الصحيح.

وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة إعادة النظر بأسس وتعليمات الترقية لأعضاء هيئة التدريس الحالية, والتي ساهمت وبطرق مختلفة في تراجع وتدني مستوى البحث العلمي في الجامعات, وانجرار نسبة من الأساتذة مضطرين ومدفوعين بعوامل اقتصادية وإدارية إلى الانزلاق في هذا النفق الخطير. إن الأسس المتبعة الآن ساهمت وبدرجة كبيرة كما اعتقد في تراجع سوية البحث العلمي وعجزه عن تحقيق أهدافه وانحرافه عن أهدافه الحقيقية.

وهنا وحتى لا يقتصر طرحي على النقد دون تقديم الاقتراحات, فاني اقترح أن يصار إلى استبعاد وحذف شرط البحوث العلمية من شروط الترقية للأساتذة أعضاء هيئة التدريس, بحيث يصار إلى ترقية الأستاذ الجامعي بعد مضي فترة زمنية محددة والتي قد تكون خمس سنوات أو نحوهما يقضيها في كل رتبة أكاديمية, وإضافة شروط أخرى عادلة من قبل لجان متخصصة. خاصة وان العمل الرئيس لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات هو التدريس في المقام الأول, وليس البحث العلمي, وما تدني جودة البحث العلمي الحالي إلا دليل واضح على عدم إمكانية الجمع والتوفيق بينهما من دون أن يؤثر احدهما على الآخر بشكل كبير.

إن البحث العلمي الجيد يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين مما يضطر الكثير من الأساتذة إلى إجراء بحوث ودراسات سريعة بغرض الترقية كما أسلفنا مما يجعلها بحوثا شكلية لا قيمة علمية لها.

أما فيما يتعلق بالبحث العلمي والسبل التي يمكن أن ترفع من سويته وتعيد له مكانته الطبيعية المأمولة في معالجة القضايا المختلفة التي تهم الوطن والمواطن وتساهم في تنمية مقدرات وثروات الوطن والمحافظة عليها.

فاني اقترح إنشاء هيئة وطنية للبحوث العلمية توجه البحث العلمي وتنظمه وتراقبه. ولضمان الارتقاء بمستوى البحث العلمي وتحويله إلى بحث علمي واقعي يعالج مشكلات حقيقية, تقوم هذه الهيئة باستقبال طلبات البحوث العلمية من كل المؤسسات والدوائر والمصانع والشركات الموجودة في الأردن.

حيث تقوم الهيئة أو أي جهة أخرى قد تشكل بالطلب من كل المؤسسات والوزارات أو المصانع أو الشركات أو غيرها بتحديد الاحتياجات البحثية لكل مؤسسة منها, ثم تقوم الهيئة وبالتنسيق مع الجامعات باختيار الفريق البحثي المتخصص لدراسة الحاجات البحثية المختلفة كل حسب اختصاصه. وتقوم كل جهة طالبة للبحث العلمي بتمويل البحث ودفع مكافآت أو رواتب للباحثين وللجامعة التي يعمل بها الأستاذ. وهذا الأمر من شانه أن يحسن من الأوضاع المادية للجامعات ولأعضاء هيئة التدريس فيها مع الحفاظ على قيمة البحوث العلمية ونوعيتها وقدرتها على تحقيق أهدافها ومعالجتها لقضايا حقيقية وتحقيقه لأهداف فعلية تستفيد منها هذه المؤسسات مثلما يستفيد منها الأستاذ والجامعة. كما يمكن الإفادة من طلبة الدراسات العليا في هذا المجال وتوجيهم وبإشراف الأساتذة المشرفين لدراسة هذه الموضوعات أيضا وكل حسب اختصاصه.

إن وجود مثل هذه الهيئة العليا للبحوث لتنظيم المشاريع البحثية وحصرها في الموضوعات البحثية التي تطلبها مؤسسات أو وزارات الدولة أو مصانع أو شركات مختلفة وتمويلها من قبل هذه المؤسسات ذاتها يجعل البحث العلمي في الأردن بحثا علميا بحق ويحول الجامعات إلى مؤسسات إنتاجية خلاقة مبدعة تعمل بحق على تحقيق رسالتها في خدمة المجتمع. كما تعزز مثل هذه الهيئة التعاون العلمي المشترك بين الأساتذة الجامعيين سواء على مستوى الجامعات الأردنية أو الأساتذة والباحثين من جامعات عربية أو أجنبية.

اعلم أن هذا الطرح يبدو مختلفا وغير مألوف ولكني أردت أن أضع هذا الاقتراح بين يدي صناع القرار التربوي حتى يتأملوا فيه بجدة وموضوعية, كما أمل أن يكون لدينا الإرادة القوية الصادقة حقا لإصلاح التعليم.

إن إصلاح التعليم كفيل بان يصلح كثير من شؤون حياتنا ويرفدنا بالطاقات المبدعة التي نبحث عنها. إن الكثير من الجامعات العريقة في مختلف دول العالم تقوم بهذا الدور البحثي المتميز وعبر دعم مباشر من مؤسسات وشركات تدفع المليارات من اجل الاستفادة من نتائج البحوث العلمية الحقيقية والأساتذة المتميزين, وتكسب في الوقت ذاته أضعاف ما تدفع بسبب نتائج هذه البحوث العلمية.

إن ما أسلفت ليس إستراتجية متكاملة للارتقاء بواقع البحث العلمي في الأردن, إذ آثرت أن أشير إلى الأشياء المفصلية لا التفصيلية في تحديد المشكلة واقتراح الحلول حتى نطور من البحث العلمي في بلدنا الحبيب, ونجعله بحثا علميا حقيقيا لا لهثا رقميا صوريا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد