نحو ميلاد دستوري جديد 2-4
ثانياً: مراحل التطور الدستوري الأردني تأسيس الإمارة وصدور القانون الأساسي 1928 حتى 1950م ظهرت الدولة الأردنية ككيان سياسي بعد الحرب العالمية الأولى ففي عام 1921 وصل سمو الأمير عبد الله بن الحسين إلى شرقي الأردن قادماً من الحجاز، ثم التقى وزير المستعمرات البريطاني تشرشل، وأثمر اللقاء عن تأسيس إمارة شرقي الأردن، حيث تعهدت بريطانيا بتقديم الدعم المادي والعسكري للدولة الناشئة حديثاً، وتعهد سمو الأمير عبدالله بالمقابل بقبول الانتداب البريطاني على شرقي الأردن والعمل على حماية حدود سوريا وفلسطين من أي اعتداء([8]).
ولما كانت مطامح الأمير لا تتوقف عند حدود هذا الكيان السياسي الصغير المساحة والمحدد الموارد والإمكانات،فقد قبل به انطلاقاً من مبدأ طالما آمن به وهو " خذ وطالب"، لذلك أراد أن يجعل الأردن نواة لإقامة الدولة العربية الكبرى واستعادة عرش فيصل في سوريا، فرفع الأمير شعار " الأردن بلد كل العرب" وهكذا وجد أبناء العراق وفلسطين والحجاز وسوريا ولبنان ملاذاً في الأردن وتولى العديد منهم شؤون الحكم ومراكز النفوذ في الإدارة والجيش،الأمر الذي أثار حفيظة الأردنيين، أصحاب البلاد الشرعيين، الذين أبدو استياءاً من هؤلاء الغرباء الذين أصبحوا يتحكموا في شؤونهم، لذلك قاموا برفع شعار " الأردن للأردنيين" وعبروا عن رغبتهم بمشاركة الأمير بالسلطة والحكم، ولما لم تجد مثل هذه المطالب أذاناً صاغية من قبل الأمير وحاشيته، فقد لجأ الأردنيون للثورة والتمرد، فقامت ثورة ابن عدوان عام 1923 بصفته زعيم المنادين بتقليد أبناء البلاد الحكم والمسؤولية.
ويجب أن نركز في هذا المقام على أن المناضلين الأردنيين لم يغفلوا في كفاحهم الوطني القضايا العربية الأخرى وعلى رأسها قضية فلسطين.
فقد كانت هذه القضية تثير حماسهم وتحرك عواطفهم القومية ومشاعرهم الدينية وقد كان أول شهيد على أرض فلسطين هو الزعيم الوطني الأردني كايد مفلح عبيدات. إلا أن هذا الحس القومي لسمو الأمير بدأ يضعف نتيجة الضغوط الإنجليزية عليه، ولاسيما أن عدداً كبيراً من هؤلاء العرب وخصوصاً الأعضاء في حزب الاستقلال السوري قد بدأوا باستخدام شرقي الأردن كقاعدة لنشاطاتهم المناوئة للاحتلال الفرنسي في سوريا، وقد بلغ الضغط الإنجليزي ذروته بعد عدد من الحوادث التي أخلت بالأمن في سوريا عام 1924، فوجهت الإدارة البريطانية إنذاراً إلى سمو الأمير عبد الله، الأمر الذي اضطره إلى تضييق الخناق عليهم، وإخراجهم نهائياً من البلاد([9]). وقد عبر الأمير عن حرصه على الأمن والاستقرار قائلاً: "إن المقاومة التي تجلب الشر ليست إلا جريمة ... وأن كل من يعبث بالأمن في سوريا وفلسطين من دعاة الفتنة نعتبره خارجاً علينا، إذا ما سولت له نفسه استخدام هذه المنطقة في مناحي هواه لأننا لا نريد أن تجني هذه البلاد ذلاً لسوء تصرفات أولئك العابثين"([10]).
هكذا نجد أن الهاجس الأمني قد لعب منذ البداية دوراً بارزاً في التأثير على أفكار وقرارات الأمير عبد الله، فقد كان ملتزماً مع الإنجليز بالحفاظ على الهدوء في المناطق المجاورة، ولم يكن بمقدوره إغفال ذلك الالتزام مع دولة الانتداب البريطاني. وقد استمرت مطالب الشعب الأردني بالمشاركة في الحياة السياسية، ونشأ في الأردن عام 1927 أول حزب سياسي وهو حزب الشعب الأردني الذي طالب بحكم نيابي ملكي، الأمر الذي يعني إنشاء برلمان أو مؤسسات تمثيلية Representative Institutions يتم من خلالها مشاركة الأمير بالسلطة، كما أكد الحزب على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وغيرها من القيم الديمقراطية. واستجابة لهذه الضغوط الشعبية فقد تم توقيع الاتفاقية الأردنية-البريطانية بتاريخ 28/2/1928، والتي بموجبها أحكمت بريطانيا قبضتها على شرقي الأردن، وبعد ذلك بشهرين صدر القانون الأساسي لإمارة شرقي الأردن عام 1928، والذي استمدت معظم نصوصه من الاتفاقية المشار إليها، ويشير معظم فقهاء القانون الدستوري إلى أن هذا الدستور لم يصدر بطريقة المنحة أو العقد وهما الأسلوبان السائدان في نشأة الدساتير، فالأمير كان يحكم بصورة شكلية والمعتمد البريطاني كان الحاكم الحقيقي الذي بيده السلطة وبلاده كانت مسيطرة على كافة مرافق شرقي الأردن، كما أنه لم يعط الشعب أية حقوق أو صلاحيات فدور السلطة التشريعية كان ضعيفاً جداً. كما أنه لم يصدر بطريقة العقد لأن الشعب كان مغيباً ولم يشارك في إعداد الدستور، لذا فإن هذا الدستور من الناحية القانونية أقرب ما يكون إلى اتفاقية تكرس الحكم الاستعماري البريطاني المباشر([11]).
وقد ركزّ القانون الأساسي عام 1928 السلطات الفعلية بيد الأمير فهو الذي يعين رئيس الوزراء أو يقيله، ويعين جميع الموظفين ويعزلهم، ويعقد المعاهدات، ويدعو المجلس التشريعي إلى الاجتماع ويؤجل اجتماعاته ويحل المجلس، ويعلن الأحكام العرفية، وله حق تعديل الدستور وإصدار القوانين المؤقتة، ويمارس الأمير هذه الصلاحيات بنفسه مباشرة وما دور الحكومة إلا إبداء المشورة فقط، والأمير مصون من كل تبعة أو مسؤولية، أما دور المجلس التشريعي فهو دور شكلي، ولا يملك أية صلاحيات سياسية، إذ ليس من حقه الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ولا يستطيع محاسبتها أو طرح الثقة بها، أما من الناحية التشريعية فقد كانت صلاحياته ضعيفة جداً، إذ ليس من حقه اقتراح القوانين وإنما ينحصر دوره في إنجاز مشروعات القوانين التي يعرضها عليه رئيس الوزراء([12]). ولذلك فقد رفض الشعب الأردني المعاهدة والدستور، فسادت المظاهرات وأعلنت الإضرابات في المدارس وعمت البلاد موجه من السخط والتذمر، وقدمت العديد من العرائض لسمو الأمير، والحكومة، والمندوب البريطاني وعصبة الأمم، وركز الأردنيون في مطالبهم على عدد من المبادئ والقيم الدستورية والديمقراطية منها:
1. اعتبار الشعب مصدر كل قوة. 2. كل حكومة تقوم في البلاد يجب أن تقوم بإرادة الشعب وعلى أساس ضمان المصالح العامة. 3. حق الأمة في محاسبة وسؤال كل مستخدم بمصالح البلاد عن أعمال وظيفته([13]). وقد بذل الأمير عبد الله جهوداً شاقة في سبيل إقناع الشعب الأردني بضرورة التصديق على الاتفاقية من خلال المجلس التشريعي وبخلاف ذلك فإن الكيان السياسي سيزول، إلا أن ردود الفعل الشعبية الغاضبة كانت تفوق حسابات الأمير فعلى سبيل المثال لجأ الأمير عبد الله إلى أحد الزعماء الوطنيين، وهو علي نيازي التل لتسويق المعاهدة والدستور قائلاً: إنك الوحيد الذي له من مقدرته العلمية وسابق خدماته الحكومية ما يؤهله لفهم حقيقة المعاهدة.
2. وتمييز غثها من سمينها ولاسيما والدستور قد أزال كل ما كان يحتمل من تأويله من بنوها. أما رد علي نيازي التل فقد جاء خلافاً لأماني وتوقعات الأمير، حيث رد التل قائلاً: إن الإخلاص الحقيقي إنما يكون بقول الحقيقة المرة لسموك وأن كانت تغضبك فاسمح لي أن أقول: "أن صك الانتداب الفلسطيني الذي يجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود قد ضمن لسكان فلسطين العرب من الحقوق أضعاف ما ضمنته المعاهدة لأهالي شرقي الأردن، أما الدستور الذي تقول أن نصوصه قد نقضت بلاء المعاهدة فلا أخال أن حكومات الزنوج في أواسط أفريقيا ترضى بمثله([14]). وحقيقة أن مثل هذه المعارضة الوطنية التي لا تأخذها في الحق لومة لائم والبعيدة عن النفاق السياسي والاجتماعي لا نجد مثيلاً لها في الأردن أو غيره من الدول العربية في هذه الأيام التي ترتفع فيها أصوات السماسرة والمنظرين للفساد من أصحاب الأجندة الخاصة.
3. ولما أدرك الوطنيون أن تقديم العرائض لن يجدي نفعاً، فقد تنادوا إلى عقد مؤتمر وطني يمثل البلاد وينطق باسمها، فعقد أول مؤتمر في الأردن عام 1928 من حوالي 150 شخصية أردنية معظمهم من شيوخ العشائر الأردنية بدواً وحضراً بالإضافة إلى عدد من المفكرين ورجال السياسة، وأصدروا الميثاق الوطني الذي تضمن العديد من البنود التي تؤكد على المبادئ والقيم الديمقراطية، والذي أصبح برنامجاً للحركة الوطنية حتى نال الأردن استقلاله عام 1946، كما قاطع الزعماء الوطنيون الانتخابات ودعوا المواطنين إلى عدم الاشتراك بها. إلا أن صوت الإنجليز وهم الحكام الفعليين للبلاد في تلك المرحلة كان الأعلى وهكذا جرت الانتخابات وافتتح الأمير عبد الله أولى جلسات المجلس التشريعي مؤكداً ضرورة إقرار الاتفاقية البريطانية لأن من أبرز مزاياها الاعتراف بوجود حكومة مستقلة في البلاد أو كيان سياسي معترف به من الناحية الدولية. وقد استغرق المجلس التشريعي الأردني الأول مدة شهرين في مناقشة الاتفاقية وتمحيص بنودها ثم أقرها وصادق عليها بموافقة عشرة أعضاء فيما عارضها خمسة أعضاء فاعتبرت موافقاً عليها بالأكثرية([15]). لقد كانت الاتفاقية شراً لا بد منه وكان عدم التصديق عليها يعرض الكيان السياسي لأخطار قد تؤدي به إلى الزوال. وقد استمر النضال الوطني الأردني في تلك الفترة، وشهد الأردن نشوء عدد من الأحزاب السياسية التي أكدت جميعها على مبادئ الميثاق الوطني الأردني في الحرية والديمقراطية، كما شهدت البلاد عقد عدد من المؤتمرات الوطنية التي تدارست أوضاع البلاد، كان أبرزها المؤتمر الوطني الثالث الذي عقد في مدينة اربد عام 1930، والذي أكد فيه المؤتمرون على أن الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري لا يتحقق إلا عن طريق حكومة دستورية مسؤولة أمام مجلس نيابي ينتخب انتخاباً حراً([16]). أما بخصوص موقف الأمير عبد الله، فقد كان يقع بين مطرقة الإنجليز وسندانة الوطنيين الأردنيين، فهو يريد أن يعطف على الحركة الوطنية، ويستجيب لمطالبها، وبنفس الوقت يريد الحفاظ على أمن واستقرار نظامه، فهو ليس بوسعه أن يقف موقفاً معادياً للإنجليز يكون من نتائجه حصار البلاد سياسياً وإخضاعها لأحكام وعد بلفور القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وقد استمرت الضغوط الشعبية المطالبة بالاستقلال والحرية وضرورة تبني دستور جديد يعكس تطلعات الشعب الأردني إلى أن تحقق الاستقلال التام عام 1946، وتبع ذلك تبني دستور جديد، جاء أفضل من القانون الأساسي لسنة 1928، حيث احتوى بعض المبادئ الدستورية الحديثة وشكل نواة لنظام الحكم النيابي في الأردن، أما فيما يتعلق بالتكيف القانوني لطريقة صدور هذا الدستور فقد ذهب معظم فقهاء القانون الدستوري إلى أنه أقرب إلى أسلوب المنحة حيث كان الأمير يتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة في ظل دستور 1928، وعندما أصبح ملكاً فقد تنازل للشعب عن بعض هذه الصلاحيات([17])، إلا أنه لم يستمر العمل به طويلاً حيث صدر دستور عام 1952 وهو الساري المفعول الآن. وخلاصة القول في تلك المرحلة أن تجربة الأمير عبد الله الشخصية في الحكم، وطباعه البدوية، وتربيته العربية التقليدية، وتخوفه من أن تصبح المؤسسات التمثيلية إلى مراكز معارضة لسلطته، وصراعاته مع الزعماء العرب في تلك الفترة ولاسيما الملك فاروق في مصر، والمفتي في فلسطين، وعدم استقرار الأوضاع السياسية في المنطقة بشكل عام علاوة على النفوذ البريطاني، ورغبة الأمير في توطيد حكمه وحماية الكيان السياسي الحديث النشأة، كل هذه الظروف لم تسمح له بتبني دستور أكثر ليبرالية، إلا أن كل ذلك لا يخفي حقيقة أن المعارضة السياسية في تلك الفترة قد تمتعت بجو من الحرية قل نظيرها في هذه الأيام. دستور 1952 والتجربة الديمقراطية الأردنية الأولى حتى عام 1989 بعد حرب 1948 ووحدة الضفتين وغياب الأمير عبد الله عن المشهد السياسي، وغيرها من الظروف السياسية والديمغرافية التي دفعت مجتمعةً باتجاه تبني دستور جديد يلبي تطلعات الشعب في المشاركة في الحياة السياسية، وهكذا صدر دستور 1952 ليحل محل دستور 1946، ويرى فقهاء القانون الدستوري أن دستور عام 1952، أقرب إلى العقد حيث سبق صدور الدستور عدة مؤتمرات شعبية تؤيد وحدة الضفتين واتخذ مجلس الأمة قراراً بذلك إضافة إلى ديباجة الدستور والتي نصت على ما يلي: "نحن طلال الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية بمقتضى المادة 25 من الدستور وبناء على ما قرره مجلس الأعيان والنواب نصدق على الدستور المعدل التالي ونأمر بإصداره"([18]). وبالتالي جاءت مصادقة الملك على الدستور بعد أن وافق عليه ممثلو الشعب. وبالاطلاع على ما جاء في هذا الدستور من أحكام ونصوص، فإنه من أفضل الدساتير العربية فيما يتعلق بالديمقراطية والحريات المدنية والسياسية وذلك من حيث المبادئ النظرية، لقد أخذت معظم نصوص الدستور من أعرق النظم البرلمانية في الديمقراطيات المعاصرة وقد تأثر كثيراً بالدستور البلجيكي، فقد نصت المادة 24 على أن الأمة مصدر السلطات([19]).
وبالتالي اعتبر السيادة للشعب. وهذا المبدأ يعتبر من ركائز الديمقراطية، وأخذ بمبدأ الفصل المرن بين السلطات، وأعطى السلطة التشريعية حق الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وكذلك حق اقتراح القوانين، وأخذ بنظام المجلسين وغيرها من المبادئ التي تعتبر ركائز النظام النيابي البرلماني. وأخيراً، فقد تناول بالتفصيل حقوق الأردنيين وحرياتهم، وقد خصص لهذا الجانب فصلاً مستقلاً ضمنه مختلف الحقوق والحريات وكذلك الضمانات التي تكفل ممارستــها([20]). والحقيقة أن العصر الذهبي للتجربة الديمقراطية الأولى في الأردن كان في السنوات الأولى التي تلت نفاذ هذا الدستور، وبالتحديد في الفترة من عام 1952 وحتى عام 1967، ولعل ذلك يبدو جلياً من خلال أبرز ما شهده الأردن في تلك الفترة من أحداث وممارسات لعل أبرزها:
1. إجراء انتخابات نيابية منتظمة اتسمت بالنزاهة والحرية. 2. تم تجسيد نظرية الفصل بين السلطات على صعيد الممارسة والتطبيق. 3. احترام أحكام الدستور والالتزام به من قبل الحاكم والمحكوم. 4. إكمال أكثر من مجلس دورته كاملة دون أن يتعرض للحل. 5. تسجيل التاريخ السياسي الأردني في تلك الفترة المرة الوحيدة التي تمكن فيه البرلمان من إسقاط الحكومة. 6. بلوغ دور وتأثير الأحزاب السياسية ذروته في تلك الفترة. 7. تمتع الصحافة بنوع من الحرية والاستقلالية قل نظيرها في السنوات اللاحقة. 8. وصول المعارضة السياسية إلى السلطة عن طريق الانتخابات. 9. استجابة النظام السياسي للضغوط الشعبية والرأي العام في أكثر من موقف حازم منها عدم الانضمام لحلف بغداد عام 1955، وتعريب الجيش الأردني وإلغاء المعاهدة البريطانية عام 1956، وتوقيع اتفاقية الدفاع العربي المشترك عام 1956. وفي تلك الحقبة من تاريخ الأردن بدأ النظام السياسي الأردني يخطو خطوات متقدمة نحو الملكية الدستورية المقيدة، وهي المرة الوحيدة التي عاش فيها الأردن ديمقراطية حقيقية أو كاملة.
وقد كانت تلك الفترة مرحلة عصيبة للنظام الأردني وسنوات عاصفة للراحل الملك حسين، وقد كادت أن تؤدي بالكيان الأردني إلى الضياع، ووصل أحياناً إلى حافة الانهيار وذلك لظروف داخلية وتحديات خارجية.
فعلى الصعيد الوطني عانى النظام السياسي من تدخل ضباط الجيش في السياسة واشتراك عدد منهم في أكثر من محاولة لاغتيال الملك حسين([21]). وانحرفت الأحزاب السياسية عن غاياتها وأهدافها إذ تميزت الأحزاب السياسية الأردنية في تلك الفترة بالارتباطات الخارجية والاغتراب عن قضايا الوطن وحاجات الشعب، وكانت قيادات هذه الأحزاب من قومية وبعثية وشيوعية موالية لأنظمة سياسية خارج الأردن تسعى إلى زعزعة أمنه واستقراره.
ولم يكن حال المعارضة السياسية يختلف كثيراً، إذ كانت معارضة لنظام الحكم وليس للحكومة تتلقى الدعم والتعليمات من الخارج متجاهلة بذلك أبسط قواعد اللعبة الديمقراطية ومتناسية أن الأردن هو دولة ذات سيادة وكيان سياسي مستقل. وبالمجمل فإن التحدي والعداء والدسائس والمؤامرات والاغتيالات كانت العناوين الرئيسية للحياة السياسية في الأردن على الصعيد الداخلي في تلك المرحلة وقد كادت في كثير من الأحيان أن تؤدي بالكيان الأردني إلى الضياع([22]).
أما على الصعيد الخارجي فإن الخطر الأكبر كانت تمثله إسرائيل وإطماعها في الأردن، وهو خطر ما زال قائماً ويمكن أن نلخصه بمحاولة إسرائيل تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين، إضافة إلى البيئة الإقليمية المعادية ولاسيما الأنظمة الثورية في كل من سوريا والعراق ومصر والتي وصلت إلى مرحلة دخول القوات السورية الأرضي الأردنية لإسقاط نظام الحكم.
هذه العوامل مجتمعة أدت إلى إجهاض التجربة الديمقراطية الأردنية الأولى، فتأمين بقاء الكيان السياسي والحيلولة دون انهياره وفرض سلطة وهيبة الدولة كان له الأولوية على الحرية والديمقراطية.
وهكذا دفع الأردن ثمناً غالياً من أجل تأمين استقراره وأمنه، وصيانته من الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية التي كانت تتربص به، وبالتالي توقفت المسيرة الديمقراطية إذ انه في ظل غياب الأمن والاستقرار، يصبح الحديث عن الحرية والديمقراطية أقرب إلى الترف الفكري، فالدولة هي التي تفرض القانون وتؤمن العدالة والحرية وتحمي حقوق الأفراد، وبغياب الأمن وفي ظل فقدان هيبة الدولة فإنه من المتعذر أن تنجح التجربة الديمقراطية عملاً بالمبدأ القائل No State, No Democracy.
هكذا أضطر الملك حسين إلى وقف المسيرة الديمقراطية مبكراً، ففي عام 1957 تم حل الأحزاب السياسية وحظر نشاطاتها، ثم تلا ذلك إعلان الأحكام العرفية، وبدأت مرحلة من التعديلات الدستورية حيث تم التخلص من العديد من النصوص الدستورية الضابطة لسلطة وصلاحيات الحكومة، حتى أصبحت السلطة التنفيذية تمارس سلطات مطلقة وصلت إلى حد الافتئات على السلطة التشريعية والتطاول على استقلال القضاء. ثم جاءت حرب 1967 حيث أصيبت التجربة الديمقراطية بنكسة كبيرة حيث تعذر إجراء الانتخابات في ظل الاحتلال، فمددت ولاية المجلس النيابي حتى عام 1973، وفي عام 1974 تم تعديل الدستور الأردني بحيث فوض مجلس النواب الملك حسين حق تأجيل الانتخابات العامة إلى أجل غير مسمى، وبعدها جمدت الحياة النيابية وتوقفت المسيرة الديمقراطية كلياً حتى عام 1989م. استئناف المسيرة الديمقراطية منذ عام 1989 حتى الوقت الحاضر لم يأت قرار النظام السياسي الأردني عام 1989 باستئناف المسيرة الديمقراطية من فراغ، وإنما نتيجة عوامل داخلية في مقدمتها المقتضيات الدستورية بعد قرار الملك حسين فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية عام 1988، والأزمة الاقتصادية المتمثلة بارتفاع حجم المديونية الخارجية الذي تجاوز ستة مليارات وارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة نسب الفقر والبطالة الأمر الذي أدى إلى الاضطرابات التي شهدتها معظم مدن جنوب الأردن([23]).
وكذلك المتغيرات الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وما شهدته الكثير من دول العالم الثالث من تحولات ديمقراطية كان لها انعكاساتها المباشرة على الساحة الأردنية، فالأردن جزء من الأسرة الدولية ويتأثر بما يحدث فيها([24]).
وهكذا جرت في الأردن أول انتخابات ديمقراطية في أواخر عام 1989، بعد أن توقفت الحياة النيابية أكثر من عقدين من الزمن، وتم خلال تلك الفترة إصدار الكثير من التشريعات القانونية الهادفة إلى تعزيز المسيرة الديمقراطية ومنها: إلغاء الأحكام العرفية، والسماح بتشكيل الأحزاب السياسية وإصدار قانون جديد للمطبوعات والنشر وإلغاء قانون مكافحة الشيوعية، ثم إصدار الميثاق الوطني، وأعلن الملك حسين في أكثر من مناسبة أنه لا رجعة عن الخيار الديمقراطي.
وبدأ للكثير من المراقبين أن الأردن سوف يكون الدولة النموذج في المنطقة باعتماده النهج الديمقراطي كنظام حكم وأسلوب حياة، وسعيه لبناء دولة القانون والمؤسسات والتحول نحو المجتمع الحديث، وبالتالي علقت الكثير من الآمال على الأردن أن تكون الدولة التي سوف تهب منها رياح الديمقراطية والتغيير شمالاً وجنوباً وشرقاً. غير أن هذه الآمال شرعت في التبخر تدريجياً، فحرب الخليج الثانية وما ترتب عليها من تبعات لاسيما بعد توقيع اتفاقية معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية عام 1994، وتنامي دور جماعات الإسلامية السياسية المناوئة للسلام مع إسرائيل، والتي يشكك البعض منها ولاسيما جماعات التكفير بشرعية النظام السياسي الحاكم فضلاً عن عدم قناعتها بالديمقراطية كأسلوب في الحكم، علاوة على الظروف الاقتصادية الصعبة، كل ذلك دفع بالنظام السياسي الأردني إلى إبطاء عملية التحول الديمقراطي، وأحياناً التراجع عن المسار الديمقراطي وإلى حد ما تكرار تجربة الخمسينات وذلك بدواعي الحفاظ على الأمن والاستقرار([25]).
وفي عام 1999 تسلم الملك عبد الله الثاني بن الحسين السلطة وبدأ الخطاب السياسي أكثر ليبرالية وميلاً للانفتاح السياسي، فكثر الحديث عن الإصلاح والتغيير والشفافية والتنمية السياسية والعدالة واحترام حقوق الإنسان وغيرها من المفاهيم الديمقراطية.
إلا أن هذه المسيرة بدأت بالانكفاء والتراجع فأقدمت الحكومة في آب 2001 على حل مجلس النواب دون مبرر، ثم جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، لتوجه ضربة أخرى إلى هذه التجربة الديمقراطية الناشئة، وأصبح الخطاب الأمني هو الأعلى صوتا والسلطة التنفيذية الأكثر نفوذاً أو هيمنة. وفي ظل الاحتلال الأمريكي للعراق واستمرار الصراع العربي الإسرائيلي، وفي ظل الحديث عن أن تغييرات سياسية في الأوضاع القائمة وربما في خريطة الشرق الأوسط قد تحدث، فإن النظام السياسي الأردني يجد نفسه أمام خيارات صعبة، فإبطاء المسيرة الديمقراطية يؤدي إلى مزيد من الاحتقان الداخلي ويضر بصورة الأردن وسمعته في الخارج، وفي الوقت نفسه فإن الانفراج الديمقراطي والانفتاح السياسي يؤديان أحياناً إلى زعزعة أمنه واستقراره. وخلاصة الأمر أن مستقبل التجربة الديمقراطية في الأردن رهين بظروف إقليمية وخارجية واعتبارات أمنية أكثر منها ظروف محلية، إلا أن رغبات وتطلعات الشعب الأردني في حياة ديمقراطية رغبات قديمة ومتأصلة منذ نشأة الدولة الأردنية، وهي أيضاً منسجمة مع فلسفة الهاشميين في الحكم وميل النظام السياسي الأردني إلى الوسطية، والتسامح والاعتدال واحترام حقوق وكرامة الإنسان.
وإذا كانت الأزمات والمصاعب التي مرّت بها الدولة الأردنية قد أدت في أغلب الأحيان إلى إبطاء أو تقليص سقف الديمقراطية فإن ذلك لا ينفي حقيقة ضرورة مشاركة الشعب في اتخاذ القرار، وإطلاعه على حقيقة الأوضاع ولاسيما في الأوقات العصيبة. فالانفتاح السياسي وتمتين الجبهة الداخلية وتعزيز الاستقرار السياسي يستلزم إجراء إصلاحات سياسية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية والتأكيد على حقوق وكرامة الإنسان, الأمر الذي يمكن النظام السياسي من مواجهة التحديات والعواصف السياسية، وهذا يستلزم إجراء تعديلات دستورية تعيد إلى الدستور توازنه المفقود وتؤكد سمو أحكامه فهو قمة الهرم في النظام القانوني الأردني، وهو الأساس الذي يرتد إليه في النهاية مبدأ المشروعية.
مؤتمر أبل للمطورين 2025 .. هذا ما ستكشفه الشركة
خبز الثوم والجبنة .. أفضل وصفة مقبلات
عشرات الفنانين يقاطعون مهرجان سونار في برشلونة
أفيخاي أدرعي يردّ على فيديو نادين الراسي: مشكلتكم ليست معنا
طلائع الحجاج الأردنيين ومسلمي 48 يصلون أرض الوطن
المستشفى الميداني الأردني ينقذ طفلاً فلسطينياً من شظية قاتلة
انخفاض أسعار الذهب في الأردن الإثنين
العراقيون يتصدرون تملك العقارات في الأردن
ملحم زين يشوّق جمهوره لألبومه المرتقب 22 .. قريبا
بين قلة النوم وفقدان السمع صلة غير متوقعة
الزبدة قد تقلل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري
استقرار أسعار الذهب في السوق العالمي
استقرار أسعار النفط قبيل محادثات تجارية بين أميركا والصين
رئيس الوزراء مهنئا الملك بعيد الجلوس الملكي: دمتَ ذخراً لهذا البلد الأصيل
عُمان تطلب توضيحاً رسمياً بشأن ما حدث بتدريبات النشامى
كم يبلغ سعر كيلو الأضاحي البلدي والروماني في الأردن
في الأردن : اشترِ سيارة .. وخذ الثانية مجّانًا
التلفزيون الأردني يحذر المواطنين
إلغاء وظيفة الكنترول بشكل كامل في الأردن
أسماء ضباط الأمن العام المشمولين بالترفيع
قرار من وزارة العمل يتعلق بالعمالة السورية
الملكة رانيا: ما أشبه اليوم بالأمس
وفاة مستشارة رئيس مجلس النواب سناء العجارمة
خلعت زوجها لأنه يتجاهل هذا الأمر قبل النوم .. تفاصيل لا تُصدق
فيفا يمنح الأردن 10.5 مليون دولار بعد التأهل إلى كأس العالم 2026
كتلة هوائية حارة قادمة للمملكة من الجزيرة العربية .. تفاصيل
تنشيط السياحة توضح موقفها من حفل البتراء المثير للجدل