سبع مغازل .. !!

mainThumb

26-03-2009 12:00 AM

عاتبتني حماتي بدفء ، عتابا لذيذا طريا على الفؤاد ، عذبا على النفس : ( سبع مغازل تغـزل ، والصيت لراعِـيْة البيت )* .

حماتي الفلاحة الأصيلة الطيبة ، المتجذّرة بالأرض ، المنغرسة في تفاصيلها ، المتطرفة بعشقها ، يحق لها العتاب ، ويحق لها اللوم ، تلك ( القرمية) الرابضة بيننا كهرم فرعوني، يحق لها العتاب ويحق لها اللوم . تذكرنا بما ننسى ، وتجترّ لنا الماضي بعذريته وبراءته . حماتي التي تدفعنـا لحب الأرض ، والتماهي معها .

أيتها الرابضة بيننا سفيرة الأجداد للأحفاد ، هم ذهبوا ، وأنت باقية ، خفيرة العادات ، والحارس الأمين . عذرا حماتي ، إن صارت طقوسنا كفرا لنواميسكم ، ولغتنا صارت رموزا وأحاج .

عذرا أن لم نفهم سريالية اللوحة المتموضعة على صفحة وجهك ؛ بخطوطها الطولية الزرقاء ، وأشكالها الهندسية التي حيرت الفقهاء .

عذرا ( حماتي ) إن لم نع سر التمسك بذاك (الدامر)، لعشرات السنين ، فمنذ عرفتك ، لا زال إكليلا على ظهرك ، يزيدك هيبة على هيبة ، ووقارا على وقار . منذ عرفت ذاك الدامر، وأنا اشتم منه رائحة الزعتر البري والدحنون ، منذ عرفته وأنا أرى بقايا القش الناعم الطيار، تغزو نسجه ، وتختبئ بزوايا جيوبه أجنة القمح والزيتون .

عذرا إن لم نقبـّل تلك الأصابع ، التي لا زالت بصماتها على حيطاننا ، وآثرها في جدران بساتيننا ، تعرفين الجدران حجرا حجرا ، فلكل حجر عندك قصة ، ولكل كومة منها رواية .

( سبع مغازل تغزل والصيت لراعية البيت ) . بهذا القول عاتبني . ما أجمل العتاب ! وما أبلغ هذا القول ! . تذكرته وأنا أرى عرق المنغرسين في نسغ الأرض ، القابضين على جمرها ، وعقمها ، وتنكرها لأهلها، الكادحين ، العاملين ، المثابرين بصمت ، يذهب عرقهم (بدون صمت ) للبعض ، مدحا وثناء، وشهادات تقدير . نعم عمتي الغالية : الصيت لهم ، حتى لو غزلت عنهم مغازل الدنيا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مثل أردني شعبي : قصته أن عجوزا استعانت بجاراتها لنسج بيتا للشعر ، وعند اكـتمال نسجه ، قدم ابنها من سفره ، وصار يكيل المديح والثناء لزوجته ، موهما نفسه أنها من قامت بهذا العمل ، عندها قالت العجوز قولتها لتذهب مثلا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد