التلفزيون الأردني ووقف برنامج وجهاً لوجه

mainThumb

02-04-2009 12:00 AM

لم أتفاجأ كثيراً عندما علمت بخبر إيقاف التلفزيون الأردني لبرنامج وجهاً لوجه الذي كان يقدمه الإعلام الأردني المتميز الأستاذ سميح المعايطة، فالبرنامج وبشهادة القاصي والداني كان أحد أفضل البرامج التي يقدمها التلفزيون الأردني باعتباره يسلط الضوء على القضايا الوطنية المحلية من التنمية السياسية إلى التعليم العالي والصحة وغيرها من الموضوعات التي تتناول الشأن العام بشفافية وموضوعية، ويقدم البرنامج إعلامي متمكن لا يجامل أي مسؤول يستضيفه ويناقش الضيف بأسلوب حواري هادئ بعيد عن المدح والردح أو الصراخ والشتم مثلما نشاهد في بعض البرامج سواء في التلفزيون الأردني أو بعض القنوات الفضائية وتتاح للمشاهد فرصة الاتصال التلفوني المباشر بالبرنامج سواء للسؤال أو التعليق.

أما سر عدم تفاجئي بقرار التلفزيون في إيقاف برنامج حواري ناجح فهو بسيط جداً ويعيدنا إلى المرحوم الملك حسين طيب الله ثراه عندما افتتح التلفزيون الأردني قبل ما يزيد عن 40 عاماً وبالتحديد في 26/4/1968م حيث أراده منارة جديدة أو مصباح يبدد الظلمات ولسان عدل ورواية صدق ومركب معرفة وسفينة فكر وخير وجمال، ينهض بالمسؤولية ويحمل رسالة سامية سواء إلى الجمهور الأردني أو العربي.

هذه الرؤية التي قام عليها التلفزيون الأردني قبل عقود من الزمن استطاع ترجمتها عدد كبير من الذين عملوا في التلفزيون من إداريين وفنيين وإعلاميين رافقوا مسيرته وقاموا بأداء رسالته بمهنية عالية ولا عجب أن نرى عدداً غير قليل من الإعلاميين الأردنيين الذين تخرجوا من مؤسسة التلفزيون الأردني تستقطبهم القنوات الفضائية الأخرى وتقدم لهم عروضاً مغرية للعمل لديها.

أما اليوم فإن الوضع مختلف تماماً فالرسالة التي يحملها التلفزيون الأردني لم تعد الرسالة التي تصدى لحملها الجيل الأول ومن هم على شاكلة الأستاذ سميح المعايطة ذلك ان المصالح الشخصية والسفر والمياومات فضلاً عن الأجندة الخفية هي الرؤية التي يقوم عليها التلفزيون الأردني اليومي، وفي ظل هذه الرؤية فإنه لا نستغرب أن يقوم التلفزيون الأردني باتخاذ أي قرار كان، فهذه المؤسسة الوطنية الأردنية تعاني من سلسلة لا تكاد تنتهي من المشاكل والعقبات وغياب الرؤية الوطنية، ونرى ذلك واضحاً في اختيار البرامج والمسلسلات حيث تعطى الأولوية لمسلسل أسمهان على المسلسل الأردني عودة أبو تايه ويستضيف التلفزيون الأردني بطل مشروع سد الكرامة وأبو المياه في الأردن كمحلل سياسي وخبير في الشؤون الأمريكية والشاعر يتحدث في الاقتصاد والطبيب في السياسة ومن لا يميز بين العدس والكرسنة ليتحدث عن الزراعة ويختلط الحابل بالنابل ولا تنتهي المهزلة عند هذا الحد بل تصل الأمور إلى درجة أنه يتعامل القائمين على التلفزيون الأردني مع الآراء الناقدة لقراراته غير المنطقية بمنطق إذن من طين وإذن من عجين ويعتقدوا أو يتوهموا أن الإمهال تخاذل والصبر ضعف والتاني عجز وغير ذلك من الأوهام التي تجعلهم يستهزؤون بآراءنا وعقولنا كمتابعين لما يجري في هذه المؤسسة الوطنية التي نحرص على أن تكون لسان حال الوطن تنطق بغير ذي عوج وتستلهم رؤية أبا الحسين في أن الإعلام عين الوطن على الحقيقة وأن النقد البناء هو حافز على النهوض وتحمل المسؤولية ومواجهة التحديات.

لا نريد من التلفزيون الأردني أن ينافس القنوات الفضاية التي باتت تستقطب الغالبية الساحقة من المشاهدين الأردنيين الذين ملوا برامجه وضيوفه واخباره، ولا نتوقع أن يحاول القائمين عليه القيام بذلك وندرك ضعف الإمكانات ومحدودية الموارد، ولكن نريد فقط من التلفزيون الأردني أن يكون جزء من إعلام الدولة الأردنية بالمعنى الحقيقي لكلمة إعلام الدولة لا الحكومة أو المسؤول وذلك بزيادة هامش الحرية والحوار والتعددية فلا استبداد في الرأي والقرار لأي كان وأن يحترم عقولنا فلا يخلط بين الماء والسياسة والاقتصاد والزراعة وغيرها.

وختاماً فإننا نأمل أن تستقيم الأمور في تلفزيوننا بحيث نبقى ضمن الأقلية القليلة التي تشاهد التلفزيون الأردني وإذ كنا سنفتقد الأستاذ سميح المعايطة وبرنامجه المتميز فإن عزائنا أن نبقى على تواصل معه عبر مقالاته الجادة في صحيفة الغد فهو أحد فرسان الكلمة القلائل في أردننا الغالي الذي يعبر بصدق وجرأة عن ضمير هذا الشعب المبتلى.

• أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد